قطر والإمارات: التوابع هناك والزوابع هنا…

25 يناير 2016

جزء غير هيّن من المعركة السياسيّة الدائرة في تونس تتمّ تحت شعار «الصراع القطر الإماراتي» أو هو صراع فئة من التونسيين ضدّ هذا الطرف الخليجي أو ذاك، بمعنى أنّ «الولاء» لهذا يعني ويقود ويؤدّي بصفة آليّة إلى «معاداة» الطرف الخليجي الآخر، وبالضرورة معاداة من يناصره…

الصراع القطري الإماراتي

الصراع القطري الإماراتي

جزء من التوتّر القائم في تونس يأتي من اسقاطات هذا الصراع بين الدولتين المتجاورتين في الخليج، خاصّة وأنّ العداوة بينهما أصولها تاريخيّة، حين كادت قطر أن تكون (هي والبحرين) جزءا من «دولة الإمارات» وكذلك (وهذا الأهمّ)، يأتي النظام القطري أقرب مذهبيّا وفكريّا وعقيدة وسياسة أقرب إلى «الإخوان المسلمين» في حين يعادي نظام الإمارات هذا التنظيم مذهبيّا وفكريّا وعقيدة وسياسة، بل يمكن الجزم أنّ «معاداة الإخوان» تأتي «الوجهة الثابتة الوحيدة» عند حكّام الإمارات، في حين يمثّل الإخوان (المذهب والتفكير والعقيدة والسياسة) أكثر الشبكات تمدّدا في قطر، سواء بوجود يوسف القرضاوي أو باحتلال عديد «القامات الاخوانيّة» مراكز هامّة ضمن تركيبة الدولة والمجتمع.

تمثّل تونس إحدى ساحات هذه «المناكفة» بين «الجارين اللدودين»، حيث يمتدّ الصراع بينهما من سورية إلى مصر مرورًا بليبيا والصحراء الكبرى، بينما يتفقان في أمرين اثنين:

أوّلا: عدم توتير العلاقة بينهما على أرض الواقع «الجغرافي» حين يرتبط وجود كلّ من «الكيانين» بمدى الاستقرار في المنطقة، حين لا نر أيّ من الدولتين هدّدت بشنّ الحرب على الأخرى!!!

ثانيا: استراتيجيّة العلاقة مع «الراعي الأكبر» (في المنطقة) وكذلك «ضامن الأمن» (هناك) الولايات المتّحدة الأمريكيّة، حين لا دخل لهذه «العداوة» في كلّ ما يتمّ تحت رعاية هذا «الراعي»….

من ذلك التقى العدوّان ونسّقا بينهما في غرفة العمليات المشتركة سواء في عمّان أو إسطنبول، عندما تداعت دول الخليج جميعها (باستثناء عُمان) لإسقاط النظام الحاكم في دمشق وكذلك وقع وضع هذا «العراك الأخوي» بين قوسين، عندما جهزّت السعوديّة حلفًا لمحاربة الحوثيين في اليمن.

 

أيضًا تستند كلّ دولة في صراعها مع الأخرى إلى امتداد اقليمي، حين تقف تركية وراء قطر وتدعمها، في مقابل وقوف نظام السيسي جهرًا ودون مواربة مع (أو بالأحرى وراء) حكّام هذه «الإمارات» (المتناثرة على الخارطة)…

تأتي تونس أحد أهمّ ساحات الصراع بين الطرفين:

أوّلا: لرمزيّة البلاد، على اعتبارها «مهد (ما يسمّى) الربيع العربي»، حين تريد قطر نجاح التجربة على اعتبارها كانت ولا تزال (كمثل كرة القدم) «الراعي الرسمي والعلني» لهذه «الثورات»، في حين ترى الإمارات أنّ «هذه الثروات» باب بلاء، ومن ثمّة رعت (كمثل كرى القدم) «الفرقاء المقابلين»، كأنّنا في بطولة اسبانيا لكرة القدم، ومن حقّ أيّ مستثمر أن يرعى هذا الفريق أو ذاك.

ثانيا: سهولة الدخول إلى «السوق» (السياسيّة) في تونس، حين صارت تونس (على المستوى الأمني) «وكالة بدون بوّاب» (فعلا)، فلا يجد هذا الطرف أو ذاك غضاضة في التدخّل المباشر في الشأن التونسي.

ثالثًا: وجود أطراف تونسية، تقبل لأسباب عقائديّة أو ايديولوجيّة أو فكريّة أو سياسيّة مناصرة هذا الطرف أو ذاك ومهاجمة الطرف الآخر مباشرة أو مهاجمة أتباعه في تونس، في وضوح صار أحد سمات الفرز السياسي في تونس، بل هو الفرز الأوضح أو الأشمل، حين لا توجد وسيلة اعلاميّة واحدة (إذا استثنينا وسائل الإعلام العموميّة بدرجات) لم تتخذ موقفًا ولم تختر حلفها، سواء في مهاجمة قطر أو الإمارات أو حليف هذا أو نصير ذاك، مع التأكيد على أنّ توزيع ألقاب «الخيانة» وتوصيف «العمالة» يستعمله كلّ طرف ضدّ الطرف المقابل.

يمكن الجزم أنّ اسقاط الخلاف القطري الإماراتي، يمثّل إحدى العقد الكبرى في الساحة التونسيّة، مع وجوب التأكيد أنّ الإمارات أجزل عطاء وأكثر كرمًا من قطر، التي تفضّل الرابط «الروحي» أكثر من «الدولارات» (السائلة)، التي يمكن الجزم أنّها أحد أهمّ محرّكات الاقتصاد التونسي…

 

إذا تجاوزنا الجوانب «الاخلاقيّة» في تدخّل هذا الطرف أو ذاك، يكمن السؤال على مستويين:

أوّلا: ما هي العوامل التي أدّت بالساحة التونسيّة أو هي الدولة التونسيّة، القائمة منذ انشاء قرطاج (على الأقلّ) أن تتمزّق وتتشتّت أمام صراع دولتين لا يعود تكوينهما إلى بداية سبعينات القرن الماضي؟؟؟

ثانيا: ما هو الربح (الاستراتيجي) لهذه الدولة أو تلك (أي قطر والإمارات) في لعب هذا الدور «الخطير» الذي أصبح الفاعل الأكبر ضمن المجال العربي، من العراق شرقًا إلى موريتانيا غربًا، بل يمكن الجزم أنّ لا دولة عربيّة لم ينزل فيها هذا الصراع ولم يتنزّل ضمن أحد محدّدات جدليّة الصراع «الداخلي» الذي ينبض بقلب قطر أو الإمارات؟؟؟

 

يمكن الجزم أنّ لولا المال لما كانت قطر ولما أصبحت الإمارات، كذلك لا يمكن حصر الأمر في المال وحده، فقط عملت قيادة هذا البلد وذاك على ممارسة أعلى درجات الانفتاح الاقتصادي (وإن كانت الإمارات سبّاقة) مع السعي لتعويض «الهشاشة» الداخليّة (وهذا لبّ المسألة) بلعب دور اقليمي بل عالمي من الدرجة الأولى…

استطاعت دبي أن تحتل مرتبة متميّزة على الصعيد المالي والمصرفي، واستطاعت الدوحة أن تكون الدولة العربيّة الأولى التي تستضيف نهائيات كأس العالم.

إنّه «جنون العظمة» على مقاس «الطفرة النفطيّة» لكن أيّ دور اقليمي أو دولي، وأي «جنون» لهذه أو تلك، وسعر البرميل يتهاوى بسرعة قياسيّة، وهذه وتلك ترزح تحت ضغوط ماليّة هائلة، بدءا بتوفير الرخاء لمواطنيها والعيش «الكريم/المقبول» للوافدين، إضافة إلى لعب دور «المتدخّل» (بالمال) في أيّ بقعة (صراع) تحتاج المال، بما في ذلك الانتخابات في فينزويلا حيث كان للمال الخليجي عامّة والقطر/الإماراتي وجود خطير على الخارطة السياسيّة لهذا البلد الكائن في جنوب القارة الأمريكيّة…

 

من التأكيد أن النفوذ الإماراتي وكذلك النفوذ القطري يعيش أخر أيّامه قبل أن تنكفأ دبي على نفسها وتحاول لملمة تأثيرات هذه الأزمة على اقتصادها والتي بدأت بفرض الضرائب في بلد لم يكن يعرف الضرائب، في حين ستجد دولة قطر صعوبة وعسر في تأمين التمويلات الضروريّة لإنشاء التجهيزات الضروريّة لتنظيم كأس العالم….

الثابت الوحيد أنّ هذه الدولة وتلك ستتحوّل من «البشم» إلى «الطوى»….

«وتلك الأيّام نداولها بين الناس»… صدق الله العظيم


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي