قناة الميادين وألبار كامو : من التمييع المُعلن نحو التطبيع المستتر.

11 نوفمبر 2022

—————————

تذكير قبل البدء، درءا للنوايا المنقوصة والتمنيات الناقصة…

—————————

احتفلت قناة «الميادين» منذ فترة قصيرة بذكرى انطلاقها العاشر، وقد أوغلت (وهذا من حقّها) في تعداد مآثرها وتعداد إنجازاتها، وخاصّة التذكير أو هو الإصرار على فرادة التجربة، على اعتبارها «حالة فريدة» ضمن سياق القنوات الفضائيّة التي تجمع في الآن ذاته (وفق ما تمّ التذكير به من قبل القناة) بين الانتماء الصريح والمعلن إلى «حلف المقاومة» وكذلك اعتماد أرقى معايير الموضوعيّة التي تؤسّس لمصداقيّة القناة.

لا يكمن هدف هذا المقال في نفي ما رأت هذه القناة لذاتها، أو الطعن في مصداقيتها، ومن ثمّة الوقوع أو هو السقوط (سواء أردنا أو أبينا) ضمن «الحرب» أو بالأحرى «الحروب» المعلنة أو الخفيّة، بين هذه القناة ومن يقف وراءها، في مواجهة القنوات «المعادية لها» ومن يقف وراء هذه القنوات، بل فقط وحصرًا ولا شيء فوق ذلك، تذكير «باعث القناة» ومن هم ورائه ومن هم معه، أنّ لا أحد فوق النقد، وأنّ الانتماء إلى «حلف القدس» لا يُدْرِج صاحبه ضمن خانة «العصمة» أو يجعله فوق النقد وبمنأى عن «الحساب».

فقط وحصرًا، التأكيد على أنّ أخطر أشكال التطبيع، يكمن في ردم الهوّة التي وجب أن تفصلنا عن أعدائنا، ومن ثمّة «التطبيع» فكريا ومن بعده سياسيّا وعلى قاعدة ذلك «تاريخيّا» مع من هم أعداء لنا إلى يوم الدين، وإن حافظنا على «منطوق» يكرع ألفاظه من معجم «المقاومة»….

—————————

photo 03نشر موقع قناة الميادين الالكتروني بتاريخ 8 تشرين ثاني/نوفمبر 2022، مقالا تحت عنوان «كامو تحت مجهر إدوارد سعيد وطه حسين والجزائريين» بقلم الكاتب الفلسطيني المقيم في سورية يوسف م. شرقاوي، سعى من خلال تقديم نماذج عن صورة الكاتب الفرنسي «ألبار كامو» لدى طيف من الأكاديميين العرب (إدوارد سعيد وطه حسين)، وكذلك جمهرة من الكتّاب الجزائريين، في مسعى أقرب إلى «تثقيف» القارئ وتذكيره بما هي «حقائق تاريخيّة» (وفق رأيه) أرادها وإن لم تتّخذ الطابع الأكاديمي وميمكن أن نبحث عن السياق الذي جاءت ضمنه هذه الجملة، لندرك أساسًا حينها، أنّها تتنزّل في سياق كتابات وقناعات (سابقة ولاحقة لتاريخ فاتح نوفمبر/تشرين الثاني 1954)، يرفض من خلالها [ألبار كامو] الإرهاب كما التعصبّ القومي مهما كان مأتاه. طارحًا مسألة الارتباط بين الغاية (أيّ العدالة) مقابل الوسائل التي تمكّن من تحقيق ذلك (العنف). رغم ذلك، وجب التمييز في جلاء بين صمت ألبار كامو من جهة، مقابل امتناعه عن اتّخاذ أيّ موقف منذ فشل النداء الذي أطلقه لقيام هدنة مدنيّة. لقد سعى بعيدا عن الأضواء إلى منع اعدام الانفصاليين الجزائريين، وفق الأحكام الصادرة عن السلطات الاستعمارية. كما سينضم إلى دعوة أطلقتها مجموعة من الديمقراطيين الفرنسيين (المقربين من مصالي الحاج) لإنهاء صراعات الأشقاء بين «جبهة التحرير الوطني» مقابل «الحركة الوطنيّة الجزائريّة»، وكذلك إيقاف العمليّات الإرهابيّةن ثمّة الموسوعي، تذكيرا بما لهذه الشخصيّة المثيرة للجدل في الجزائر كما فرنسا، من مكانة يمكن الجزم أنّه يحتلّها بمفرده، وبالتالي اليقين بأنّ «ألبار كامو» يمثّل «مثالا نادرًا» على مستوى صورة «الجزائري» (الفرد كما الرمز) ضمن مخيال استعماري فرنسي، اختصر أهل البلاد الأصليين ضمن «ثوابت» شكّلت السماد الذي ترعرعت في ثراه المرجعيات الفكريّة التي قامت على أساسها السياسة الاستعماريّة الرسميّة، منذ أن لمست رِجْلُ أوّل جندي فرنسي شواطئ سيد فرج (ضواحي العاصمة الجزائريّة) وما تبع ذلك من تدمير منظم وممنهج للنسيج الاجتماعي الجزائري، قام على ثالوث «افناء البشر»، و«انتزاع الأراضي» وثالثًا «التهجير القصري» [ثالوث قام على أساسه الكيان الصهيوني على أرض فلسطين]. عِلْمًا وأنّ ضباط من رتب رفيعة حينها (نهاية القرن التاسع عشر مثالا) رفعوا تقارير إلى قيادتهم، ليس فقط تتحدّث عن «الإبادة الجماعيّة» مثل خنق الآلاف من الجزائريين احتموا في مغارات في منطقة معسكر، بإشعال النار ودفع الدخان إلى داخل هذه المغارات، بل عن فوائد هذا الأسلوب على مستوى «تحرير الأراضي» التي سيتمّ توزيعها على «المستعمرين» الفرنسيين. ذات الممارسة أتتها العصابات الصهيونيّة في فلسطين.

مع كامل الاحترام للسيّد يوسف م. شرقاوي، ودون الطعن في النوايا أو محاكمة الدوافع، يمكن الجزم أنّ شكل الكتابة الذي يقدّمها توفّر «خدمة مباشرة وصريحة و(خاصّة) مجانيّة» للفكر الاستعماري (الجزائر في الماضي وفلسطين في الحاضر) الذي يقوم على مسعى التمكّن من البلاد والعباد، واستباحة الحرمات واستأصل جميع أشكال المقاومة، وأساسها «الوعي» بما هو الاستعمار، فكرا قبل المشروع.

خطورة المقال المذكور، وجميع الأشكال المثيلة له، من قبل عدد كبير من الكتّاب العرب (بمن فيهم رهط من الجزائريين) يكمن في اعتبار أنّ «الاستعمار ليس ملّة واحدة» بدليل وجود «ألبار كامو» الذي «تَمَايَزَ» عن الأيديولوجيّة الرسميّة الماسكة لنواصي الأمر في الجزائر، زمن وجوده.

photo 02توسيعا لدائرة النقاش، يكون من الضرورة التذكير أنّ «الصورة الوديعة» التي تمّ صناعتها لهذا الكاتب الحائز على جائزة نوبل للأدب، لم تأت (في غالبيتها الغالبة) من مؤلفاته الأدبيّة، وأساسًا «الغريب» L’Étranger، بل (وهنا الأهميّة) من سلسلة مقالات كتبها ألبار كامو على صفحات جريدة «آلجي روبيبليكان» Alger Républicain، بين 27 ماي 1939 وتاريخ 15 جوان من السنة ذاتها، تحت عنوان شامل «بؤس [منطقة] القبائل»، توزّعت على عشر مقالات حمل كلّ منها عنوانًا فرعيّا، ومقال في شكل خلاصة. [أنقر هنا للحصول على روابط هذه المقالات]

لا يمكن بقياس الأجواء الاستعماريّة السائدة حينها في الجزائر، انكار أنّ المقالات شكّلت «صدمة» حقيقيّة، ليس بمعنى أنّها قدّمت حقائق «مجهولة» من قبل العمق الشعبي الفرنسي المقيم في الجزائر، أو القيادات السياسيّة، دون أن نغفل «النخب» (ضمن المعنى الأوسع للكلمة)، بل فقط، لخطورة أن يعترف مصدر «فرنسي»، سواء الصحفي أو الصحيفة بما تعاني منطقة القبائل في الجزائر من بؤس (أسوة بمجمل مناطق البلاد)، وبالتالي شكّلت هذه «الشهادة» اتّهامًا صريحًا للعقل الاستعماري وكذلك دليلا على ازدواجيّة الخطاب الرسمي الذي كان وبقي يحاول عبر ظاهر اللفظ، الحديث والتأكيد على «الدور التنويري» للوجود الفرنسي في الجزائر، ومن ثمّة تأصيل الاستعمار في شكله المادي المباشر أو على اعتباره، كما ردّد وأصرّ الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ساركوزي، ولا تزال أطراف عديدة إلى يوم الناس هذا، تصرّ على أنّه «قدّم خدمات جليلة» للدول التي تمّ استعمارها…

من ذلك، ورغم أهميّة سلسلة المقالات هذه ضمن سياقها الزمني وبالتالي التاريخي وأيضًا السياسي، إلاّ أنّها قدّمت سكّان منطقة القبائل في صورة «الكائنات الحيّة» التي تستحقّ «ظروف حياة أفضل» أسوة (وفق التاريخ المعاصر) بما «الحيوانات المهدّدة بالانقراض»، لا غير.

لم يتحدث الصحفي ألبار كامو مرّة ضمن سلسلة المقالات المذكورة، وإن كان من باب الإشارة البعيدة أو التلميح الغامض، بأيّ صفة كانت، عن «الحقوق السياسيّة» لسكّان منطقة القبائل، وإن كان من باب التقيّد (على المستوى اللغوي المباشر) بما كان «الخطاب الاستعماري الرسمي، يروّج له من معنى «المواطنة» التي تجعل فرنسا واحدة، من دانكارك Dunkerque (أقصى الشمال الفرنسي) إلى تمنراست (أقصى الجنوب الجزائري)، وبالتالي تساوي هؤلاء «المواطنين» على مستوى الحقوق كما الواجبات. مع العلم أنّ هذه «المبادئ» لم تعرف أيّ شكل من أشكال التطبيق، حين كانت الانتخابات في الجزائر، تعطي للفرنسيين (القادمين من «الوطن الأمّ») مساحة تمثيل أوسع بكثير ممّا هو ممنوح لما يُسمّى حينها «الفرنسيين المسلمين» رغم أنّ هؤلاء (أيّ السكّان الأصليين) يمثلون الغالبيّة الغالبة من السكّان.

تقيّد ألبار كامو على مدى سلسلة المقالات هذه، بما هو «النفاق الاستعماري»، من نفي أو هو الطمس ومن ثمّة الانكار لأيّ حقوق سياسيّة للجزائريين. فقط شخّص «البؤس» (كما كتب) الذي يعيشه طيف من «مواطني فرنسا»، في منطقة القبائل الجزائريّة، مثلما تفعل جمعيات رعاية الحيوانات الأليفة راهنًا، حين تندّد بسوء معاملة هذه الكائنات من قبل كبرى الشركات العاملة في هذا المجال.

إن كان لزامًا الاعتراف بالبعد «الأخلاقي» [الظاهر] لهذا النمط من الشهادات، إلاّ أنّه وجب أن نضعها في نسقها وألاّ ننظر إلى أصحابها في شكل «الملائكة»، واعتبارهم «فوق النقد» والأخطر اعتبار أيّ مسّ بهذه «القدسيّة» يعتبر نكرانا لهذا «الجميل» ونفيا لما هي «البطولات» التي أقدم عليها ألبار كامو وأمثاله.

Rقراءة من منظور علم النفس السريري، التي أقدمت عليها عديد المراجع العلميّة لكتابات ألبار كامو، وخاصّة رواية «الغريب»، كما سلسلة المقالات المذكورة، بيّنت أنّ هذا «المثقّف» المتلبّس بوعي سياسي، يرى في الآن ذاته بوجوب منح «السكّان الأصليين» حقوقا من منظور انساني، وكذلك (وهنا الخطر) أن تتأسّس جميع هذه «الحقوق» تحت سقف المشروع الاستعماري، الذي لم يفقد (لدى أصحابه) أيّا من شروط شرعيّته، من خلال ما سجلته الشهادات من بؤس سواء في منطقة القبائل أو غيرها.

ألبار كامو حسم هذه المعادلة وأجاب عن هذه الأسئلة وأعلن دون مواربة وبصريح العبارة عندما أعلن «أؤمن بالعدالة، لكنني سأدافع عن والدتي أمام العدالة».

وجب التذكير أنّ «العدالة» تعني «عدالة القضيّة الجزائريّة» و«الأمّ» مرادف «الوجود الفرنسي في الجزائر»

رغبة في تبرير هذه الجملة، أو بالأحرى البحث لها عن «تقاطع» بين الالتزام بما جاء في مبناها من جهة، مقابل التأصيل الأخلاقي (لدى ألبار كامو) لمعناها، تطوّع عديدون لهذه المهمّة، كما جاء في مقال السيّد يوسف م. شرقاوي، مثل المدعو «نجيب سيدي موسى» الذي من خلال مدونته، بذل أقصى جهده ليس فقط لتبرير مواقف ألبار كامو، بل [وهنا الخطورة في علاقة بالمقال الصادر على موقع الميادين] اعتبار الرجل «مناضلا» لا يرقى الشكّ إلى مواقفه.

يكتب المدعوّ «نجيب سيدي موسى» : «يمكن أن نبحث عن السياق الذي جاءت ضمنه هذه الجملة، لندرك أساسًا حينها، أنّها تتنزّل في سياق كتابات وقناعات (سابقة ولاحقة لتاريخ فاتح نوفمبر/تشرين الثاني 1954)، يرفض من خلالها [ألبار كامو] الإرهاب كما التعصبّ القومي مهما كان مأتاه. طارحًا مسألة الارتباط بين الغاية (أيّ العدالة) مقابل الوسائل التي تمكّن من تحقيق ذلك (العنف). رغم ذلك، وجب التمييز في جلاء بين صمت ألبار كامو من جهة، مقابل امتناعه عن اتّخاذ أيّ موقف منذ فشل النداء الذي أطلقه لقيام هدنة مدنيّة. لقد سعى بعيدا عن الأضواء إلى منع اعدام الانفصاليين الجزائريين، وفق الأحكام الصادرة عن السلطات الاستعمارية. كما سينضم إلى دعوة أطلقتها مجموعة من الديمقراطيين الفرنسيين (المقربين من مصالي الحاج) لإنهاء صراعات الأشقاء بين «جبهة التحرير الوطني» مقابل «الحركة الوطنيّة الجزائريّة»، وكذلك إيقاف العمليّات الإرهابيّة».

موقف أخر، شديد الشبه على مستوى تبرير أو هو تبييض، إن لم نقل «تقديس» الرؤى والمواقف الصادرة عن ألبار كامو، جاءت بقلم المؤرّخ الفرنسي «غيّي بارفيلي» Guy Pervillé «المختصّ في تاريخ الجزائر زمن الاستعمار وتاريخ الحركة الوطنيّة الجزائريّة، وأيضا حرب الجزائر» [وفق التعريف الذي جاء على موسوعة ويكيبيديا]، الذي كتب «لطالما أسيء فهم مواقف ألبير كامو. لذلك تمّ النظر إليها من خلال رؤيتين متعارضتين. على وجه التحديد من خلال موقف أراد صاحبه عن قصد أن يكون متوازنًا. وجب انتظار موته المفاجئ في شهر كانون الثاني/جانفي 1960، وإثر ذلك نشر مجمل أعماله سنة 1965، ومن بعد ذلك نشر روايته «أوّل الرجال» سنة 1994، ليتمّ فهم القيمة الاستثنائيّة [لهذه الأعمال] وقبولها بشكل أفضل».

إذا كان من لفظ يشدّ القارئ لهذا «التبرير» فهو لفظ «المتوازن» بخصوص موقف ألبار كامو من مجمل «الأحداث» التي عرفتها الجزائر بداية من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1954، بمعنى أنّ هذا الأديب المرجع على مستوى الموقف الأخلاقي قبل السياسي، يضع الطرفين، أيّ جيش التحرير الوطني (الجزائري) والجيش الفرنسي، في المرتبة ذاتها، بمعنى أنّ الخلاف لا يحيل على جيش عبر البحر واحتلّ «أرضًا»، حين تنفي المراجع الفرنسيّة صفة «الدولة» عن الجزائر قبل الوجود العسكري الفرنسي، بل هو صراع بين «طرفين» لا أسبقيّة للشرعيّة بينهما [ظاهرًا].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«أنا ملازم الصمت من سنة وثمانية أشهر. هذا لا يعني أنّني توقفت عن الفعل. كنت ولا أزال أؤيّد جزائر تقوم على العدل، أين وجب أن يعيش الشعبان في سلام وعلى قاعدة المساواة. قلت وكرّرت، بوجوب أن ينال الشعب الجزائري حقه، وأن نمنحه نظامًا ديمقراطيًا كاملًا. لقد بلغت الأمور راهنًا حالة الضغينة من الطرفين، درجة تجعل المثقف عاجزًا عن التدخّل، مخافة أن تعمّق تصريحاته حال الرعب القائم. لقد بدا لي أفضلية الانتظار إلى حين يمكن أن نوحّد عوض أن نفرّق. يمكنني التأكيد أنّ لكم رفاقًا، لا يزالون على قيد الحياة، بفضل جهود لا تعلمونها. أفصح عن مواقفي للعموم في شيء من التردّد. طالما ندّدت بالإرهاب. كما من واجبي التنديد بالإرهاب الأعمى الذي يضرب شوارع الجزائر العاصمة على سبيل المثال. بإمكان هذا الإرهاب أنّ يمسّ والدتي أو عائلتي. أؤمن بالعدالة، لكنني سأدافع عن والدتي أمام العدالة».

جاء هذا التدخّل من قبل ألبار كامو ذاته، في معرض نقاشه مع مجموعة من الشباب السويديين، في ستوكهولم، بمناسبة حصوله على جائزة نويل للآداب، لخّص موقفه، أو هو بالأحرى ذهب أبعد من تبرير صمته إلى منحه مزايا. بمعنى أنّ «المثقّف» [واللفظ من عنده] أولى له «الجلوس على الربوة» والاكتفاء بمشاهدة الأحداث أو أن يأتي أعمالا لا يرى لزومًا الإفصاح عنها، إلى حين تبدّد ما يقول أنّه «غموضًا».

كذلك، وجب على القارئ غير المدرك لخفايا تلك المرحلة، أن يفهم تعبير «الشعب الجزائري» على غير المعنى القائم حاليا، لأنّ الكاتب يعني بالمفهوم الديمغرافي مجمل من يعيشون فوق أرض الجزائر، سواء سكّانها الأصليين أو الأوروبيين عامّة والفرنسيين على وجه الخصوص.

أمّا حديثه عن «الإرهاب المتبادل»، بمعنى «الإرهاب» الذي يمارسه الجيش الفرنسي في مواجهة «الإرهاب» الذي تمارسه جبهة التحرير الوطني، فإنّ وضع الطرفين على قدم المساواة والتنديد بهما سويّا، يعني أنّ الحلّ الأفضل يعني العودة إلى نقطة ما قبل «الأحداث»، مع حديث غامض وفي الآن ذاته فضفاض عن «نيل الشعب الجزائري حقّه».

عشرات الكتب ومئات المقالات سعى أصحابها إلى إسقاط نوايا ألبار كامو على رجليها، بمعنى يتراوح بين التبرير القائم على خصوصيّة هذا الأديب من جهة، مقابل حساسيّة الموقف، وصولا إلى إضفاء صفة من «القداسة» على المواقف، أيّ أنّها أفضل ما يُمكن أن يتخذه كاتب في مرتبة صاحب جائزة نوبل للأدب هذا.

هناك إصرار مرضي وهوس لا يمكن وصفه، حين تؤكّد أقلام عديدة على العلاقة القائمة بين ألبار كامو وما هي «الجغرافية» الجزائريّة منزوعة من سكّانها الأصليين، كما جاء ضمن رواية «الغريب» خاصّة، ومن ثمّة اعتبار علاقة «الحبّ» هذه (بين الكاتب والجغرافية) دليل انتماء لا يمكن، بل يستحيل الطعن فيه.

هذا التبرير يستند إلى جملة من الكتابات والتصريحات الصادرة عن هذا الأديب مثلما ما كتب إلى أحد أصدقائه : «لا يمكنني العيش خارج الجزائر العاصمة. يستحيل ذلك. سأسافر لأنّني أودّ التعرّف على العالم، لكن أحمل يقينا بأنّني سأكون منفيا دائمًا».

خلاصة :

يمكن الاسترسال إلى مالانهاية في تعداد الشواهد على عمليّة «غسل الدماغ» التي طالت الكثير، لما تملك الآلة الفرنسيّة ومن ورائها الغربيّة من قدرة على تدمير الوعي العربي عامّة والجزائري خاصّة، ناهيك أنّ «الجناح الأدبي» الأدبي لما يُسمّى في الجزائر مجازًا «حزب فرنسا» متورّط حدّ النخاع ليس فقط في مسعى «تبيض» ماضي الرجل، بل (أكثر من ذلك) اعتباره (في جانب منه) «جزائريّا» رغم أنفه…

جاء في مقال السيد يوسف م. الشرقاوي : «يمكن اعتبار ألبير كامو، الجزائري الفرنسي، والمتَّهم في كلٍّ منهما»، وموقع «الميادين» نشر المقال دون رقيب أو حسيب.

مجرّد سؤال : ماذا لو أرسل أحدهم مقالا إلى «الميادين» يحتوي الفقرة التالية : « يمكن اعتبار أرئيل شارون الفلسطيني الإسرائيلي، والمتَّهم في كلٍّ منهما»، وعلما وأنّ هذا «الزعيم» الصهيوني جاء إلى الدنيا على أرض فلسطين، ومن الأكيد أن يعشق جغرافية «أرض الميعاد»؟؟؟


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي