كرسي بوتفليقة وحصان المعارضة: السلحفاة أسرع من الأرنب دائمًا…

19 فبراير 2018

من الأكيد وما لا يقبل الجدل، سوى من جوق التطبيل الأجوف الذي لا يملّ من المبالغة حدّ تجاوز الخيال، أنّ صورة الرئيس بوتفليقة وهو على كرسيّ متحرّك وما تقدّم وسائل الإعلام الرسميّة من مشاهد عنه، لا تمثّل الصورة المثلى التي يريدها الجزائريون عن بلادهم، ولا عن الرجل ذاته، الذي يمكن الجزم [مهما كان الاختلاف المشروع بشأن شخصه] أنّه من أهمّ المؤثرين في تاريخ الجزائر منذ الاستقلال. لأنّ الذين يحالون التملّق بل الصراخ والمزايدة بأنّ الجزائر لم تنجب غير بوتفليقة، هم أوّل من سينقلب على الرجل بمجرّد أن يغادر كرسيّه، وثانيا هم يشتمون بقولهم هذا شعبًا أنجب إحدى أفضل ثورات التاريخ الانساني، ومن ثّمة قامت الجزائر على قدميها قبل بوتفليقة وهي سابقة له، وبالتأكيد أنّها قائمة وستبقى شامخة بعد أن يغادر هذا الرجل سدّة الرئاسة.

كذلك ـ والأمر لا يقلّ أهميّة ـ في الطرف المقابل: الذين يحصرون «همّهم» [ضمن المعنى الدارج في الشارع الجزائري] في شخص بوتفليقة، ويعتبرون وجوده «بيت العلّة» وأنّ ذهابه ومغادرته «الكرسي»، سيملأ البلاد عدلا واحسانًا بعد أن أمعنوا في القول أنّها امتلأ ظلمًا وجورًا، لا يرون البلاد سوى من خلال ما يتوهمون أنّهم صراعهم «الشخصي» مع بوتفليقة، كأنّ هذا «أبى زيد الهلالي» وذاك أحد الخصوم المتطاولين على عرش الفروسيّة…

يشترك الفريقان بل يتوافقان حدّ التماثل في حصر «المسألة» في الشخص/الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومن ثمّة «الطواف» حوله، عند كلّ حديث عن أيّ مشكلة/اشكال يمسّ الجزائر، سواء تعلّق الأمر بإضراب هذا القطاع أو ذاك أو هبّت ريح صرصر في الهضاب العليا…

من الأكيد أنّ المعارضات الرافضة لوجود بوتفليقة على رأس الدولة، تأتي أرفع صوتًا وأشدّ تنظيمًا وأقوى شوكة من «حزب الشيته» الذي يأتي أقرب إلى «عزف منفرد» غاية صاحبه اظهار ما يملك من ملكات وما عنده من مواهب، علّه يستطيع تصريفها (بأعلى ثمن) لدى من يتولون صرف المزايا في دوائر الرئيس وكامل الدوائر الفاعلة في محيطه. في المقابل لا يزال «الصفّ المقابل» يتكلّم ضمن المعنى ذاته، أيّ تعداد مساوي النظام، سواء «ظهور/اختفاء» بوتفليقة ذاته، أو أيّ «سقطة» من قبل أحد أعمدة النظام وحتّى من يمثّل النظام في أقصى أقاصي البلاد.

في الحالتين، هناك زعم بل هو استيلاء على «الطهارة» في مقابل وسم الطرف المقابل بأنكى النعوت، حين تتأسّس الرؤية على «التتفيه» [من التفاهة]، بمعنى «تقديس» الذات الذي يقود إلى نفي من تجاوز مدى الانتماء.

من الأكيد أنّ امتلاك النفوذ الفعلي والفاعل [أيّ المال والسلطة والسلاح] يجعل «حزب الشيته» أكثر استرخاء وأقّل هيجانا، قياسًا مع الطرف المقابل، الذي لا يزال منذ استقلال الجزائر [ضمن صوره العديدة والمتعدّدة] يعمل دون كلل أو ملل، للاستحواذ الكامل والتام ونزع أيّ «أخلاق/وطنيّة» عن النظام، ومن ثمّة القول صراحة أو ضمنًا [وهنا لبّ «الحركة الساحرة»] أنّه [أيّ منتقد النظام] هم المستحوذ الرسمي والأوحد على «رأسمال» الأخلاقي هذا، في معادلة بسطية لكنّها جليّة: النظام غير وطني وغير أخلاقي، يمتلك رأسمال المادّي [أي المال والسلطة والسلاح] في حين أنّ المعارضة/المعارضة تقدّم ذاتها (ومن معها) في صورة «الضحيّة» الماسكة أوّلا لما هو «رأسمال الأخلاقي» وثانيا [وهنا «الحركة الساحرة» الثانية] تكون أولى بل أجدر باستلام مقاليد السلطة ومسك مقود السياسة في البلاد. طالما أنّ المعارضات تستبطن أولوية الحكم على أساس «الأخلاق».

تقف الجزائر أمام «صورة نظام» تهزّه «الشيته» وتحرّكه شطحات «ولد عبّاس» [وما أكثرها] وما هي (باللهجة الجزائريّة) «خرجات أويحى» [وما أخطرها]، مقابل معارضات بلغت حدّا من الهذيان والخلط المرضي، بين تشخيص الحالة الصحيّة للرئيس بوتفليقة لجعلها تتوافق [وفق فعل الاستمناء] مع  الحالة الصحيّة للنظام، لذلك تتخيّل هذه المعارضات وتحلم أنّ النظام (بجميع صوره) أقرب إلى الاستسلام وطلب الصفح، بل يتخيلون أن ستأتيهم «حالات المناشدة» باستلام دفة الحكم.

Boutefاقتراح المرور إلى «مجلس تأسيسي» يمثّل التجسيد «الأفضل» [إن كان في الأمر فضلا] لهذه «الحالة المرضية المزدوجة»، بمعنى أنّ هذا المجلس سيكون فعله الأوّل والأساسي أن يساوي بين من يملك فعلا «المال والسلطة والسلاح» بمن يملكون مجرّد النوايا المنقوصة والتمنيات الناقصة، المعطوفة على حلم «ضعف النظام» ومن ثمّة «عظمة (هذه) الذات» المريضة، أسيرة «خيال اليقظة»…

من التأكيد أنّ السياسة تتّكل على فنّ المناورة، وجزء من المناورة أن تطالب بالأقصى وترفع سقف المطالب أعلى ما يكون، لتنال الممكن. لكن السؤال الذي يؤرق الشأن الجزائري منذ الاستقلال، وخاصّة على مدى السنوات الفارطة، هو وهم المعارضة أن النظام يتوهّم ما تتوهّم هذه المعارضة: أيّ أنّ المعارضة باقتراحها انشاء مجلس تأسيسي، تتخيّل أنّها تمدّ عصا الانقاذ للنظام، أو هي للأفراد الواقفين على أبواب المال وسدّة السلطة ومخازن السلاح، لإنقاذهم، وأنّ هؤلاء سيستجيبون في رمشة عين لهذا العرض.

في مقابل معارضة أقرب إلى «مريض الوهم» في نسخة المسرحي موليار، يأتي النظام أقرب إلى «صحراء التّتار» للكاتب «بوزاتي»، لأنّ النظام يعلم علم اليقين، بل هو يتقن إن لم يكن من صنع جزءا غير قليل من المعارضات، وعلّمها ولقّنها «لعبة الإقناع بالوهم»، فكيف لهذه المعارضات أن توهم من علّمها صناعة الوهم؟؟؟

مجرّد سرد الأسماء الفاعلة في المعارضات الجزائريّة، يتبيّن بما لا يدع للشكّ، أنّ الغالبيّة الغالبة كانت وشكّلت جزءا من «النظام» [في السابق]، ومن ثمّة يستحيل على النظام أن يتحرّك نحو الأحسن في غياب الدوافع الموضوعيّة لذلك، مثل تنظيم انتخابات رئاسيّة سابقة لأوانها، كما يستحيل على هذه المعارضات [في الأمد المنظور] أن تتجاوز وهمها المزدوج سواء بقرب سقوط النظام أو بوجوب استسلامه طوعا أمامها.

 

المعارضات حين يلفّ خطابها في غالبيته العظمى «تشخيص السوء» دون تأسيسها لما هو «البديل المقنع» سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو ما هو أوسع أيّ المشروع المجتمعي، تمثّل [مهما تكن النوايا] من العوامل المساعدة على دوام النظام وديمومة سيطرته على دواليب المال والسلطة والسلاح. لذلك لا مصلحة للنظام في تغيير خطابه نحو تطوّر فعلي وفاعل طالما أنّ المعارضات لا همّ لها سوى فضح ما يشاهده الجميع ولم يعد ممّا يثير الريبة أو الانزعاج.

ختامًا: طالما الأرنب مهتمّة بقضم الجزر طالما السلحفاة تنتصر.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي