لماذا صارت « الثورة » التونسيّة «موضة» قديمة؟؟؟؟

29 ديسمبر 2015

لا حاجة إلى أيّ دراسة علميّة، أو مسح بالمفهوم الأكاديمي، حتّى يتبيّن لنا أنّ لفظ «الثورة» فقد الكثير من بريقه، بل صار مجلبة للشكّ والظنّ السيء أو حتّى الاتهامات بشتّى صروفها.

يمكن الجزم كذلك أنّ لا أحد (في استثناء للشهداء وبعض الجرحى) حافظ على تلك الهالة «الملائكيّة» التي طبعت أو هي صبغت أو أصبغت تلك «القدسيّة» على الفترة الفاصلة بين 17 ديسمبر، لحظة اشعال شرارة عود الكبريت في سيدي بوزيد، إلى يوم 14 جانفي، حين وطأ بن علي الطائرة المتجهة به (دون رجعة معلومة) إلى «البقاع المقدّسة»…

صارت «الثورة» أشبه بصور الذكريات (الأبيض والأسود)، التي نعود إليها في حنين أكيد، لكن دون القدرة على طرح السؤال بخصوص هذا التجاوز وأسباب هذا «النسيان»، حين لم تحتفل البلاد (القيادة السياسيّة والإعلام والشعب) بما هو لائق بيوم 17 ديسمبر لهذه السنة…

تحوّلت مدينة سيدي بوزيد إلى «مزار» (كمثل بنزرت في عيد الجلاء أو القيروان زمن المولد النبوي الشريف) حيث يطلب الناس السياحة والتقاط الصور التذكاريّة أو هو «تسجيل موقف» (فقط) في «يوم ذكرى» من باب «تأكيد الحضور» أو (الأخطر) عدم ترك الأخرين (مهما كانوا) يستفردون بالزيارة ومن ثمّة بالصور، حين صارت «الصورة» سابقة أو هي «الحقيقة»…

لا حاجة إلى أيّ دراسة علميّة، أو مسح بالمفهوم الأكاديمي، حتّى يتبيّن لنا أنّ العمق الشعبي (عموما) غير راض، ربّما ليس عن «الثورة» (ذاتها) حين لا يزال التعريف غامضًا، بل عن هذه «النتائج» ومخرجات مجمل التحوّلات الكبرى التي عرفتها تونس منذ يوم 17 ديسمبر، حين لم يأت حصاد الشعب ولم يوافق، بل ولم يتقاطع (في الحدّ الأدنى) مع حساب الدولة (التي تلت)، ومن ثمّة اختلطت الأمور على العامة، وزادت النخب الأمر تعويمًا، حين يخلطون (عن جهل أو عن قصد؟) بين مسار الأشياء في الفترة المذكورة (أي الحقائق والوقائع)، في مقابل القراءة الموضوعيّة التي تربط السبب بالمسبّب…

نعيش على مستوى المفاهيم خلطا عجيبًا ومخيفًا، خصوصًا حول مفهوم لفظ «الثورة» ذاته:

أوّلا: «الثورة» لفظا يعبّر عن الفترة الفاصلة (زمنيّا) بين اشعال الشرارة وصولا إلى اعلان مغادرة بن علي، ومن ثمّة يغلق قوسها، ويعتبر خطاب محمّد الغنوشي أو كلمته ليلة 14 جانفي إيذانًا لنهاية «الثورة» وفتح باب «الدولة» أو «الجمهوريّة» (الجديدة)،

ثانيا: «اسقاط (محمّد) الغنوشي» يستكمل للمسار الثوري ويختمه، ومن ثمّة اعتصام القصبة (الأوّل كما الثاني) هما من صلب هذا «المخاض» (الثوري)،

ثالثًا: لفظ «الثورة» مرتبط باستكمال استحقاقاتها، أي تلبية الشعارات المفصلية التي خرجت عن المتظاهرين بين يوم 17 ديسمبر و14 جانفي، وليس (مجرّد) «اسقاط» (رأس) النظام، وبالتالي (وفق الرؤية ذاتها)، لا تزال «الثورة» حاجة كامنة وإن كانت تراجعت على مستوى الوهج.

17 ديسمبر - سيدي بوزيد

17 ديسمبر – سيدي بوزيد

خطورة الأزمة، أنّنا لا نعيش معضلة بخصوص لفظ «الثورة» (فقط)، بل إضافة إلى أزمة المعنى والمبنى في ذاتها، هناك أزمة أعمق في علاقة «الدولة» التي تشكّلت سواء بعد إسقاط الغنوشي أو جاءت إثر انتخابات 23 أكتوبر، بالمعطى الثوري أو التصوّر الثوري.

لم نعد، أو بالأحرى غادرنا وغادرت البلاد، بل قطعت مع ذلك «النقاء الثوري» الذي كان السمة الكبرى لفترة 14/17، وصار اللعب والتراوح في المناطق الرماديّة، بل صارت الفوارق تضمحلّ، حتى صار الجزم بأنّ لا «ثوريين» في البلاد، ولا «أزلام»، حين صار الجميع يسبحون في نفس الحمّام.

جزء من الأزمة أو هو أساسها، أنّ «الثوّار» (أو من يدّعون لأنفسهم هذه الصورة) لم يغادروا (على المستوى الذهني) يوم 14 جانفي، حين توقّف مفهوم الزمن وتبعاته الموضوعيّة، في صورة أشبه بما هي صورة وصول المتسابق الأوّل خطّ الوصول، ليحتفظ بها طول العمر دليلا على النجاح، في حين أنّ «مياه عديدة» مرّت وسالت تحت «جسر (هذه) الثورة».

يمكن الحديث في تونس، عن حالة من «الصوفيّة الثوريّة»، أو هي «الثورة الذهنيّة»، حين لا يزال العالم «التخيّلي» بمثله ومرجعياته الأخلاقيّة والوطنيّة، عاجزًا عن المرور بهذا المشروع من «فقه الخيال» إلى «تأصيل الواقع»…

أيضًا، دون خوف، يمكننا الجزم بوجود «أصوليّة ثوريّة» أو هي «سلفيّة ثوريّة»، ترى في مسارها بين 17 ديسمبر و14 جانفي وحده الدليل على «النقاء الثوري»، وتعتبر نفسها الجهة الوحيدة (حصرًا) القادرة على توزيع «صفات الثوريّة»…

من غرائب الأمور أنّ «الثورة» (في تونس) جاءت أقرب إلى «حالة حلم» أو هي «هواجس يقظة»، حين عجزت ولم تستطع صياغة الحدّ الأدنى من «التأصيل»، بل فتحت الباب أمام «الطرف المقابل»، ليس فقط لينزل بهذا الصفاء الثوري إلى تردّدات اللون الرمادي، بل ليفتكّ منه «المبادرة الثوريّة» ويجعله راكضا من باب الاستدراك وليس فاعلا من باب الانجاز.

حاليًا، يمكن الجزم أنّ مفاعيل الثورة (الأصوليّة والسلفيّة) فقدت أيّ علاقة بالميدان والعمق الشعبي، تحوّلت إلى حالة ذهنيّة، أقرب منها إلى «منازل الفلسفة» (على مواقع التواصل الاجتماعي خاصّة)، من «مواضع التفكير القويم» (على الميدان فعلاً)، بل يمكن الجزم كذلك أنّ «العمق الشعبي» الذي لم ينل (بحسب شرائح واسعة) شيئا من «ثمار (هذه) الثورة »، جاوز مرحلة «انعدام الثقة» في الواقع السياسي والممارسات الحزبيّة، ليصل (وهنا الخطورة) إلى (شبه) «يأس» (جديد)، أي حالة مشابهة أو هي نسخة أعمق من حال تونس إبان السنوات أو الأشهر الأخيرة لحكم بن علي…


18 تعليقات

  1. تعقيبات: organic millets in

  2. تعقيبات: cheap Lafuma

  3. تعقيبات: keen shoes outlet

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي