لماذا عجز الحراك عن فرز جناح فكري؟؟؟

23 فبراير 2021

استعرض الصديق والزميل عثمان لحياني في مقال صدر على موقع «العربي الجديد» تحت عنوان «كُتُبُ الحراك.. الجزائريون يدوّنون انتفاضتهم»، جملة الكتب التي تطرّقت إلى «الحراك»، ليخلص إلى إنّه أمام «كتابة متعجّلة تجنح إلى الانطباعية أكثر من التقصّي» بخصوص عدد لا بأس به من هذه الأعمال دون تعميم.

في شهادة للصديق الكاتب الصحفي بوعلام رمضاني، جاءت ضمن المقال : «أنّها [أيّ الكتب] تندرج ضمن «الكتابة الاستعجالية» التي تجنح إلى الانطباعية أكثر من التقصّي»، ثمّ يضيف رمضاني في مقارنة للحراك بالعشريّة السوداء : «عندما يرتبط الأمر بالدم، تُصبح مسألة الكتابة أكثر تعقيدا»…

إذا اعتبرنا حراك 22 فبراير «ثورة» بالمفهوم الفلسفي/الأبستمولوجي/المعرفي أيّ أنّه «انقلاب» أو بالأحرى سعي للقيام بانقلاب واستكماله على مستوى المفاهيم السياسيّة وأساسا الفكريّة/الثقافيّة القائمة قبل هذا التاريخ، يحقّ لنا جميعًا أن نسأل : «هل استطاعت «نخب الحراك» بناء شبكة مفاهيم جديدة؟»

وجب التذكير أنّ «الحراك» [عند انطلاقته] رغم طابعه السلمي لم يطرح نفسه أبدًا في شكل «الطرف السياسي» بين عدد غير محدود من الأطراف التي كانت ولا تزال تدلي بدلوها في دوائر «البئر السياسي» علّها تمسك بطرف من السلطة أو أن تنال نصيبًا منها، بل قدّم الشارع ذاته من خلال شعاراته (أسوة بثورة فاتح نوفمبر المجيدة) في شكل من يجبّ ما قبله ويؤسّس لفجر جديد، بالتأكيد مفتوح ومشرّعة أبوابه أمام جميع الجزائريين، شريطة القطع مع «الأساليب البالية» من سلطة أدمنت صناعة «مسرح سياسي» باهت ومبتذل، ومعارضات تراوحت بين السعي لمقايضة التأييد بالفتات، أو التمعّش من «قطيعة» مع النظام، أصبحت غاية في ذاتها ومطلبًا لاستدامة صورة «المعارض» النافي لما هي «المعارضات» قبل نفي السلطة في ذاتها.

Harakمن كتابات الزميلين عثمان لحياني وبوعلام رمضاني، ومنها التوسّع إلى مجمل الإنتاج الأدبي/الفكري/الثقافي المرتبط أو الذي يربط ذاته بالحراك، نرى بل هو اليقين أنّنا [في الأقصى] أمام «حالات (استفاقة) فرديّة» استطاعت أن تترك لها بصمة واضحة، دون القدرة على القول أو الجزم بوجود ذلك «الزخم» على مستوى كمّ الكتابات وعمق التحليل وأساسًا، قبل ذلك انبعاث «تيّار فكري وثقافي» يصبح بصورة آليّة «الذراع الثقافي/الفكري» للحراك. بمعنى وجود «ثقافة جديدة» قادرة أو بالأحرى هي مطالبة بأنّ تشكّل الوعاء أو هو الرحم الذي داخله سينمو «الكائن السياسي» القادم، الذي (في الآن ذاته) سيلبّي أوسع طيف ممكن من مطالب الحراك، كما هو التأسيس لجدليّة جديدة تُغلق أبواب المجال السياسي ونوافذه وجميع المنافذ، أمام عودة «منطق الكادر» الذي استطاع أن يحكم البلاد قرابة الثلاثين سنة، كما القطع مع «أحزاب الاقطاع السياسي» المتاجرة بمناكفة النظام أو حتّى التشدّد في شتمه.

في قراءة تحليليّة لكلّ أشكال التعبير التي عبّرت عنها «نخب الحراك»، بمعنى الأسماء التي أبرزها الإعلام أو تجلّت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، نجد أنّ الجميع مع استثناءات نادرة، لا يعبّر عن «فكر جديد» أو «منطق نقيض» لمنطق «الكادر»، بل كلّ ما نراه، هو تموقع أو هو الترسيخ ضمن منطق «منازعة» السلطة ما بين يديها من نفوذ، بل حوّلوا الحراك وتحوّلوا به إلى «طرف سياسي» يبحث عن التأسيس لذاته من منطق «النفي» لمقولات السلطة وأفعالها، ومن زاوية «ردّ الفعل»، تمامًا كما هي الأحزاب التي تتحرّك ضمن المشهد السياسي.

كما اعتادت الأحزاب «المعارضة» تلعب «نخب الحراك» على تثمين «دور الضحيّة» الماسكة لرأس المال الأخلاقي/الرمزي، في إشارة إلى «عنف/جبروت/طغيان» السلطة، الفاقدة (بطبيعة الحال وفق ذات المنطق) لأيّ رأسمال أخلاقي/رمزي…

سقوط نخب الحراك ضمن منطق الضحيّة وردّ الفعل، انضاف إليه أو أسّس له وصاحبه، التدليل على صواب المنهج بصور النزول إلى الشارع، ممّا حوّل الشارع أو النزول إليه أقرب إلى «طقس ديني» لا مكان فيه لإثبات سوى الفعل المادّي، في غفلة أو إغفال للنوايا السابقة (المقدرة) والمقاصد اللاحقة (التأسيس)، دون السؤال (وهنا الخطر الداهم) عن أفق هذه «الخرجات» التي تحوّلت إلى غاية في حدّ ذاتها، بمنطق الظهور والاستمرار أو هو «الإدمان» الذي أصبح غاية في ذاته…

الرابح الأوّل من «تسطيح» الحراك هي السلطة، التي لا همّ لها أن يستمّر الخروج إلى الشارع إلى يوم القيامة، ما دام الشارع أصبح مجرّد «طقس فلكلوري» وكذلك سقوط «زعامات الحراك» في «مستنقع» الأحزاب التقليديّة، أي التحوّل إلى مجرّد «التحليل السياسي» لأخطاء السلطة على المنابر الإعلاميّة.

ما يزعج السلطة وما كان سيدفعها لتبنّي خيارات الحراك الأولى، أن تصنع «نخب الحراك» مفاهيم جديدة، تدفع بصاحبي القرار إلى طرح أسئلة «وجوديّة» مثل «نمط الدولة» في علاقة بالفكر السياسي الذي جاء به الحراك، وكذلك التعمّق بشأن «منوال التنمية» قادر على الجمع بين التوازنات الماليّة الضامنة لاستمراريّة الدولة ودوام استقرارها مقابل دولة العدالة الاجتماعية التي نصّ عليها بيان فاتح نوفمبر المجيد، أو أسلوب الجمع بين «ديمقراطيّة راسخة» ترعى المواطنين وتحترم ذواتهم الماديّة والمعنويّة، مقابل «دولة ذات بأس وشدّة» قادر بجيشها وأمنها ومخابراتها على حماية الحدود وتأمين السلم داخل البلاد بدءا، وفي المحيط الإقليمي كذلك.

خلاصة : الخروج إلى الشارع (الفعل المادّي) بصدد الانفصال عن «الحراك» (الروح والماهية والمقصد)، لنكون أمام سدنة من جيل جديد، أو بالأحرى نحن بصدده.

كذلك من يرون قمّة «النضال» تعداد ما يرون من سقطات الدولة أو هي سقطات فعلا، هم [وظيفيا دون السقوط في «نظريّة المؤامرة»] أكبر من يدعمون الجمود داخل السلطة بمعنى دوام «مراكز النفوذ» الذي فرّخها منطق «الكادر»…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي