مدنيّة «مفقودة»، وثقة غير «معقودة»، وحكومة «مسنودة» إلى «الحرب»…

9 سبتمبر 2017

لم تصدم الصورة أحدًا ولم تكن مفاجأة لأيّ كان، بل مرّ الجميع دون استثناء مرّ الكرام، كأنّ المشهد طبيعي في وضع عادي، في بلد عاديّ: يعلن الباجي قائد السبسي «عجز جرّ النهضة إلى مربّع المدنيّة»، وفي الآن ذاته، يقبل بوجود وزراء لهذا «الحزب غير المدني» (وفق تعبيره) في حكومة قبل بتشكيلها ورضي بها وباركها، ممّا يعني أنّ المسألة (أيّ «عدم مدنيّة» النهضة) تأتي ذات بعد «شخصي»، وفي أقصاها «ثنائيّة» (بينه وبين الغنوشي، أو بين الحركتين)، بمعنى «حساباته الشخصيّة»، دون أن تصل أو تتحوّل إلى مسألة «سياسيّة» (ضمن المفهوم الشامل للكلمة)، والحال (وهنا الخطورة)، أنّ «عدم مدنيّة النهضة» ترتقي لتحتلّ «بعدًا استراتيجيّا»، تنبني على أساسه (افتراضًا) ماهيّة العلاقات الرابطة بين «الشيخين» ومن ورائهما النهضة والنداء، ومن ثمّة مجمل الوضع السياسي وكذلك الاجتماعي وحتّى النفساني في البلاد، دون نسيان «خارطة» التحالفات الإقليميّة وطبيعة التفاعلات الدوليّة.

إعلان الباجي عن «هجر النهضة»، أو هو «بداية الطلاق»، لا يمكن أن يتحوّل إلى «طلاق بيّن»، حين ثبت أنّ الرجل، سبق له أن تراجع عن التزام قطعه أثناء الحملة الانتخابيّة بمقاطعة النهضة، ممّا يعني أنّ «التشخيص» ومن ثمّة «الحكم على النهضة» (رغم خطورته ورغم تأثيراته العديدة) يبقى مجرّد «مناورة» أملتها «ظروف المعركة» (متعدّدة الأطراف)، ولم تكن (ولن تكون) على شاكلة «عليها يحيا (الباجي) ومن أجلها يموت»… بمعنى أنّ استرجاع «التصويت المجدي» Le vote utile يستوجب اظهار «الزواج مع النهضة» في صورة «زواج متعة»، أي (وفق قواعد هذا الزواج) «لمدّة معلومة» وكذلك «بأجر معلوم»، وإن ألزم «عدّة» لن يلتزم بها الباجي…

 

يعلم الباجي أو هو اليقين لديه، بأنّ «الزخم» الذي جاء به إلى «قصر قرطاج» وجعل حركته (أيّ «نداء تونس) الأولى على مستوى عدد النوّاب، قد ضاع منه الكثير، بل يكون التساؤل (منطقًا) عمّا «بقي منه»، ومن ثمّة يكون التساؤل (لدى الباجي) عن «التوازن» الضامن لموقعه على الخارطة، وكذلك (وهذا الأخطر) لما هي «الانتخابات البلديّة» (المؤجلة إلى علم الغيب) التي ستمثّل «المحرار» (أو بالأحرى الصورة الصادقة) عن موازين القوى القائمة/القادمة في البلاد…

 

قراءة الحكومة من باب المحاصصة بين الأحزاب عاجز عن تقديم موازين القوى الفعليّة والفاعلة داخل الحكومة وكذلك المحدّد الأكبر للقرارات التي ستتخذها، حين تراجعت النهضة عن مطلبين أساسيين:

أوّلا: عدم تجاوز «التحوير» ملء الفراغات الناتجة عن الاستقالات والاقالات، وإرجاء (إعادة) «التشكيل» إلى «ما بعد الانتخابات البلديّة»…

ثانيا: عدم المساس بمنصب وزير الداخليّة، أو في أدناه/أقصاه عدم تعيين شخص لا ترضى عنه هذه الحركة «غير المدنيّة»…

لطفي براهم وعبد الكريم الزبيدي

لطفي براهم وعبد الكريم الزبيدي

خسرت النهضة رهاناتها، وبلعت ريقها أو هو «العلقم» الذي سقاه إيّاها خصومها، فكان «التحوير» أقرب إلى «إعادة تشكيل» وجاء «لطفي براهم» الذي لا يحمل ودّا تجاه النهضة وهي تبادله الشعور ذاته، ممّا يعني رغم «حلاوة لسان» الغنّوشي وبيان النهضة بمساندة الحكومة، أنّ «اللسان» (لسان النهضة) لا ينطق بما يعتصر من مرارة (في قلب النهضة)، بل جاء الموقف (أيّ الترحاب والتصريح بدعم الحكومة) من باب «أقلّ الخيارات سوءا»، حين لا يتخيّل أحد، أنّ النهضة (الحركة والقيادات) تبتسم «ملء القلب» أو هي «مسرورة» (فعلا وقولا) بصعود لطفي براهم أو عودة عبد الكريم الزبيدي.

 

أمام هذا الموقف، لن تخترع النهضة البارود (من جديد) ولن تبتدع فكرًا غير ما اعتادت، حين سبق وأن «خسرت الحكم» بسقوط حكومة «الترويكا»، حين تأكدت أنّ «الجماعة» (أيّ قوس الخصوم والأعداء) «أسودا» أشدّاء عليها دون رحمة ولا شفقة، وكذلك (وهنا أهميّة قناعات الغنوشي والنهضة) هم «ضباع» على بعضهم، يمارسون «الخديعة» وكذلك «الغدر» (دون حدّ أخلاقي)، حين انكسر النداء أكثر وأكثر عند تشكيل جميع الحكومات التي تلت «الترويكا»، بفعل «النيران الصديقة» (جدّا) ليصير «خيال» ما كان (عند إعلان نتائج الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة)، ومن ثمّة (في غياب المعجزات)، لن تشذّ حكومة «الفرصة الأخيرة»، أو حكومة «الحرب على الفساد» بحسب تعبير يوسف الشاهد، عمّا اعتاد الجميع (أيّ أعداء النهضة) من «طعن في الظهر»، خاصّة وأنّ موعد 2019 (أيّ الانتخابات الرئاسيّة) سيكون فعله في هذه «الجماعة» (أعداء النهضة) أشبه بفعل «رائحة أنثى» وسط جحفل من «الثيران» الهائجة، التي لن تتورّع عن «طعن بعضها» (دون أدنى رحمة أو شفقة) من أجل الفوز بما هي «الأنثى/الرئاسة»، أو استغلال الفرصة لتحسين الوضع في «الترتيب»، في انتظار الفرص القادمة أو توزيع الوزارات والسفارات وغيرها من المناصب.

 

لطفي براهم مثلا، مع كامل الاحترام للشخص والرتبة والمسيرة، لن يكون في خدمة الباجي كما كان هو وأمثاله في خدمة بن علي، كذلك الشأن لكامل «الرعيل» من «الكفاءات التجمعيّة» التي تعلم أنّ «وزن الباجي» في قرطاج (ومن ثمّة جبروته) لن يبلغ رغم دهاء الرجل وحنكته وقدرته العجيبة على المناورة، ما كان من قدرة عند «صانع التغيير/التحوّل» الذي كان يأمرهم بعدم التنفّس فيكونون عند أوامر «سيادته»، ومن ثمّة ستكون حكومة (سي) يوسف الشاهد «حكومة حرب» (فعلا وحقيقة)، ليس ضدّ أيّ فساد، بل حرب «تصفيات» (بالمعاني جميعها) من أجل الفوز برئاسة البلاد أو (على الأقلّ) تحسين الموقع على رقعة السياسة في البلاد.

لسائل أن يسأل (من باب الخيال السياسي): في حال قرّر الباجي نزع ربطة العنق [الكرافات] عكس الغنوشي، وتوجيه الخطاب ذاته إلى (سي) يوسف الشاهد [أيّ الطلب من الشاهد بعدم الترشّح]، سواء رغبة من الباجي في التجديد أو دعما لهذا أو ذاك، كيف سيكون موقف «ماسك الداخليّة» وكذلك «ماسك الدفاع»، حين يحتكمان مجتمعان على كامل السلاح «الشرعي»، كائن من كان في هذا المنصب أو ذاك، حين يأتي تغيير الوزراء (منذ 14 جانفي) بحكم المعارك والصراعات في وتيرة أسرع من ذي قبل. [سؤال من قبل «الخيال السياسي»، لا غير]…

 

يعلم الباجي الذي لا يعرف في «السياسة» كما في «الصداقة» سوى «المصلحة»، أن «فراق النهضة» لا يعدو أن يكون سواء «مفتاح استرداد» المعين الانتخابي الذي صوّت له ولحركته أثناء الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة الفارطة، كما يعلم الباجي جيّدا، أن صناعة «نداء» (جديد) لن يكون بالسهولة التي صنع بها «النسخة الأولى»، لأنّ من يشاركه «عداء النهضة» (أو الخصومة معها) لن يوسّعوا له الطريق ولن يفرشوا الدرب أمامه بالورود والرياحين، حين يأتي «محسن مرزوق» صاحب «شراكة» حقيقيّة وفعليّة في «معاداة النهضة»، لكنّه سيفعل المستحيل من أجل إزاحة «الباجي» أو أيّ مترشّح يحمل «رائحة الباجي» في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، كذلك سيكون (سي) «يوسف الشاهد» في حربه من أجل أن يكون «أصغر رؤساء تونس» أسوة بما كان «أصغر رئيس وزراء تونس»…

وسط هذه المتغيّرات يستحيل على أيّ مراقب رسم المشهد بدقائق تفاصيله، حين لا يتعدّى الدور إضاءة المنحى العام، سواء لكثرة المتغيرات، أو تعقّد المعادلات، بل (الأخطر) حجم «المجهول» ضمن هذه المتغيّرات وهذه المعادلات، ليكون حجم «الاحتمالات» (الممكنة) أكبر من القدرة على الحساب وأوسع من علم الاحتمالات سواء وفق القراءات المنطقيّة أو علوم الاحصاء وتوابعها…

 

عبّر كثيرون صراحة وعلنًا، عن رغبة وأمل وحلم في إعادة سيناريو «السابع من نوفمبر» جديد، أيّ قيام «سلطة عسكريّة» (أو شبه عسكريّة) تقطع مع «حال الانفلات» (القائم) وتؤسّس لما هو «الاستقرار» المطلوب من أجل إدارة عجلة الاقتصاد وضمان الاستقرار الاجتماعي، لكنّ (دون الطعن في النوايا أو التشكيك في القدرات)، حسابات الحقل (حقل التجارب) التونسي، لن تتوافق (بالضرورة) مع بيدر القرار الاقليمي وآلة صرف البنك الدولي…


تعليق واحد

  1. محمد الناصر الفرجاني

    لا فض فوك أخي Nasreddine Ben Hadid​، لقد أحطت، و عبرت عن أغلب الإحتمالات، و أتفهم عدم إقترابك من “سؤال خيالي، بل إحتمال جدي” تفاديا لأي… أنا أشاركك في كل ما عبرت عنه، و ألمحت له، و ذهبت له، فقط بالنسبة لي، و من منطلق تجربتي الشخصية مع الشيخين، منذ نوفمبر 2011، أفسر فشل النهضة/الغنوشي، أكثر من الباجي شخصيا، رغم تشظي نداءه، و ذلك لأنها قبلت إدارة البلاد، ثم المشاركة فيها بتوافه ضحالى الكفاءة، و التجربة، و عديمي الخبرة، و الأدهى الغنوشي أوصيناه بالخل لتفادي الصراعات الأهلية مع بقايا أنظمة البايات، و الإستعمار و بيادقه التي لا تزال متغلغلة بالماكينة الإجتماعية، و الإدارية، و بقايا نظام المفسد الأكبر، و زين الفاسقين من بعده، فعمل ما يقطع المسمار، من منطلق مركبات نقصه، كواحد من العريبة من وراء البلايك، تجاه جماعة قعر الخابية من بقايا ملاقيط العلوج و الأرتاؤوط (لاحظ ضحكته الواسعة عند لقائهم) و أركب الباجي على حمار الإنتفاضة، فتمدد و مد يداه على الزنبيل، بل إستحوذ عليه، و ترك الغنوشي يشم راحته من بعيد!!!!!؟؟؟؟ ههههه.

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي