مرض الصيد أم تمريض البلاد؟؟؟

2 فبراير 2016

يبدو أو هو اليقين، هناك من في الساحة الإعلاميّة والسياسيّة، من يريد ويعمل ويجتهد لدفع «الحبيب الصيد» إلى باب الخروج، سواء كان الرجل «متعبًا» (حقّا) أو في «حالة حرجة» (جدّا) كما تروّج بعض المواقع، مع إصرار (هذه المواقع) على أنّ الرجل «انتهى» (سياسيّا)، ومن ثمّة يشرّعون في البحث عن «بديل»، خاصّة وأنّ الباجي قائد السبسي استقبل النوري الجويني، أحد «المرشّحين» لوراثة الحبيب الصيد في منصب رئيس الحكومة…

يمكن الجزم أنّ كامل الساحة السياسيّة، ليس فقط معنية بهذا «المرض» أو هذه «الإشاعات»، بل أنّ هذا «المرض» وهذه «الإشاعات» تصبّ في جميع «المعارك» الدائرة في البلاد، سواء منها القائمة فعلا أو القادمة دون شكّ…

 

الباجي والجويني

الباجي والجويني

يمكن الجزم كذلك أنّ «مرض» الحبيب الصيد (مهما كانت الحالة فعلا)، بعثر الأوراق ومن ثمّة على «الجميع» إعادة حسابات ومعاودة القراءات، سواء ربحًا أو خسارة، وأيضًا الاستعداد للقادم، حين تغيّرت شروط «المعركة» بمغادرة هذا «اللاعب» (فعلا)، أو على الأقلّ ظهوره في شكل «الضعيف».

مهما يكن الموقف من الحبيب الصيد الشخص أو المنصب، يمكن الجزم أنه يمثّل أحد ركائز «التوافق» القائم بين كلّ من الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي ومن ورائهما الاستقرار النيابي، حين تمكّن كتلة النهضة، بمعيّة كتلة النداء (شقّ الباجي) من ضمان الاستقرار للحكومة وتأمين وجودها لتسيير شؤون البلاد…

 

مغادرة هذا «الحجر الأساس» أو هو (مجرّد) «التفكير في تغييره»، يلزم بإعادة قراءة المشهد برمتّه، عندما يتأكّد أن «مجرّد الإشاعة» دفعت الجميع إلى حبس الأنفاس، في بلد يأتي فيه عدد «المتغيّرات» الممكنة، بل وكذلك «الخطيرة» بفعل «الوفاة» أو «العجز» أو تغيّر التوزان أو انقلابه، أكثر من أن يحصيها المراقب…

 

النوري الجويني أو غيره نزل للتسخين والاستعداد للدخول بعد إصابة الحبيب الصيد وقرار (ربّما) «الحكم» (الباجي والغنوشي) وجوب مغادرة الملعب للمداواة دون القدرة على الرجوع (ربّما)؟؟؟

لاعبون أخرون يرون في أنفسهم أهليّة النزول والتعويض، لكنّ القرار، ليس فقط مرتبط بما هو رأي «الحكم» (الباجي والغنوشي)، بل بقراءة المشهد الإقليمي والعمق الدولي، لكثرة العيون والمصالح والتدخلات وحتّى الأوامر الصادرة عن هذه الجهات وهذه المراجع…

 

يمكن أمام هذا المشهد الجزم بأمرين:

أوّلا: كثرة التركيز على الشخص، أي «الحبيب الصيد» يحوّل «المسألة الحكوميّة» ومن ورائها الموقف من منظومة الحكم بكاملها، بل ويلخصها من الموقف من «الشخص»، سواء تحميله جميع «مصائب البلاد» (البعد بدأ في التعداد) أو اعتبار ذهابه «كارثة» ستنهار البلاد من بعدها.

ثانيا: تحوّل المعارك الأخرى القائمة داخل البلاد، كمثل المعركة المتواصلة بين شقيّ النداء، وما هي استقالة رضا بلحاج، إلى جزء أو هي «التمهيد» لمعركة «الخلافة»، سواء دفاعًا عن الرجل وما يرون له من منجزات، أو التكالب عليه واعتبار ذهابه «بداية خلاص» للبلاد والعباد.

بين هذين السطرين، أو المحدّدين تدور «معركة» (الوراثة) بكاملها، بدءا بتحديد «خليفة» أو الإيحاء بذلك كما يفعل الباجي باستقباله ناجي الجويني وإعلان الخبر رسميّا في وسائل الإعلام، أو سعي الطرف المستفيد من وجود الصيد إلى أن يكون «الخلف» صورة (طبق الأصل) من «السلف»، على خلاف «المناوئين» الذين يبغون قلب المعادلة بالكامل، أو في أسوأ الحالات بعثرة بعض الأوراق فيها، في انتظار للجولات القادمة…

 

مادامت نظريّة «الصراع» تؤسّس للحراك السياسي في تونس، ومادام هذا «الصراع» مفتوحًا على «الاحتمالات» (كلّها)، يمكن الجزم أنّ «مرض» الحبيب الصيد، سيشكّل مناسبة ضمن مناسبات قادمة بالتأكيد، تتأسّس عليها ديمومة هذا «الصراع» (البدائي) من أجل الحكم، وتقوم عليها وبها دولة «ديمقراطيّة الظاهر» في مقابل «اقطاع الباطن»…

 

في بلد، تتلخّص فيها السياسة في الزعامات، لا يمكن ويستحيل الحديث عن «مؤسّسات» بل لا يتعدّى دور هذه «المؤسّسات» (القائمة) سوى إخراج التوازنات الاقطاعيّة في حلّة وفي قالب ديمقراطي.

من ذلك تمثّل هذه «الظواهر» أي المغادرة بالموت أو بالعجز، فرصة للتغيّرات القائمة على واقع اقطاعي وأفق لا يأخذ من المعادلات سوى «الزعامات» (القائمة)…

 

قيمة الحبيب الصيد، أنّه لم يكن «زعيمًا» مثل الباجي والغنّوشي، وقيمته أنّ لا حزب يسنده خارج «الممارسة الحكوميّة» ومن ثمّة أرادة «الحكم» (الباجي والغنوشي)، في صورة «المكلّف بمهمّة» والعاجز عن «التفكير» أو حتّى حلم الارتقاء إلى ما ينعم به «السادة» (أي الجناحين)، من «نعيم» السلطة (الحقيقيّة)…

ذلك جعل الحبيب الصيد يعلم أنّ لا سند له سوى «رضا» الشيخين أوّلا، وثانيا تلك القدرة على «السير» بقارب «الحكومة» بين قطرات المطر (الحزبيّة) دون بلل.

 

يريد الباجي ويصرّ الغنوشي على ألاّ ينقطع «حبل الوصل» بينهما، ليس لفرط الحبّ أو منتهى «الهيام»، بل لأنّ كلّ من النهضة والنداء، ومن الأكيد الباجي والغنوشي، يعلمان أنّهما في «القارب» (سويّا)، يحكما معًا أو يسقطان معًا، لذلك سيكون البحث عن «رئيس حكومة» قادم يكون «نسخة طبق الأصل» (إن وجدت) من الحبيب الصيد، أيّ «شخصيّة وطنيّة» أوّلا، دون عمق «حزبي» في البلاد ثانيا، وكذلك «شخصيّة» لا أمل لها دون «الحزبين» (الأكبر)، في أيّ موقع (مهما كان) على الخارطة السياسيّة…

 

عشّاق المنصب أكثر من العدّ، والمراوح بالهاتف أو بالوساطة بين «الشيخين» كذلك، لكنّ الباجي (الداهية) والغنوشي (الداهية) يعلمان أنّهما بمثابة ذلك الذي يحمل خسّة ومعزة وذئب وعليه قطع الوادي في قارب لا يتّسع للأربعة، وبالتالي عليهما الغوص كثيرا في «الحكمة» لتكون الشخصيّة القادمة (أيّ رئاسة الحكومة) ذلك «الساحر» القادر على اسكات الجميع، في انتظار غيره…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي