مساهل الجزائري والقنب المغربي: بين الإسهال الصحفي والسؤال المنطقي والمساءلة الأخلاقية.

22 أكتوبر 2017

ميزة الجزائر عن غيرها من الشعوب، أنّ ثورة نوفمبر المجيدة، قضت أو هي وأدت دون رجعة فكرة «الزعيم الأوحد» الذي يفكّر ويقرّر ويعلن وينفّذ بمفرده، والناس بين طاعة وامتثال، بل عكس ذلك، شكّل الصراع داخل السلطة، ومن أجلها وداخلها، البوتقة السياسيّة، الوحيدة (تقريبًا) التي قامت بفرز النخبة السياسيّة الحاكمة، ومن ثمّة (منذ فاتح نوفمبر 1954) لا أحد فوق النقد ولا أحد فوق «الحساب» على الأقلّ اعلاميا، بل لا أحد قادر على اسكات الأصوات وتكميم الأفواه.

من ذلك يأتي نقد من في السلطة اليوم من الأمور الدارجة بل العاديّة، وإن رمت (هذه) السلطة بهذا النقد من وراء ظهرها (غالبًا)، أو هي عاملت الناقدين كما المنتقدين، بمنطق «الجزرة» (الحلوة جدّا) مقابل «النبذ» (المؤلم جدّا في بعض الأحيان).

هذه «العقليّة» جعلت الصراع دائمًا أقرب من «الاجماع»، والخلاف أقوى من التقارب، لتأتي كلمات عبد القادر مساهل وزير الخارجيّة عن دولة المغرب الشقيق، ضمن هذه السياقات. لا هي نالت ذلك «الاجماع» الذي تتخيّله السلطة أو هي تحلم به، ولا هو تحوّل إلى ذلك «المنبوذ» كما تخيّل أخرون أو ربّما حلموا…

من حيث المقاربة العلميّة والقراءة الموضوعيّة، لما قاله هذا الرجل، يمكن، بل وجب أنّ يميّز بين المستويات التالية:

أوّلا: متن القول ذاته، أيّ مفيد الكلام ممّا نطق به، في علاقة مع صواب المعنى أو عدم صوابه

ثانيا: جدوى أن يعلن «وزير خارجيّة» الجمهوريّة الجزائريّة الديمقراطيّة الشعبيّة، مثل هذا القول في مثل هذا التوقيت بالذات، حين لا شيء (في السياسة عامّة والدبلوماسيّة خاصّة) يأتي بالمجان

ثالثًا: ما سبب هذا الخلط، ضمن «النخبة الجزائريّة» (أو من تصدّرت لأداء الدور وحملت بذلك هذا التوصيف) بين الموقف من «القول» (ذاته)، من جهة، مقابل الموقف المقبول والعادي من النظام في الجزائر، أو (بصفة أخصّ) من «الرجل» (أيّ عبد القادر مساهل)، ضمن ما يدور في العلن (عامّة) وفي الكواليس (خاصّة) من لعبة تستعدّ أو هي تعمل لفرز نخبة جديدة، قد (ونقول قد) تستثني هذه الجهة أو تلك، سواء جاء (سي) عبد القادر جزءا من الفائزين أو هو ممّن خسروا المعركة.

Msahelعلى المستوى المعرفي الصرف، ما قاله وزير الخارجيّة (الجزائري) أمر يدركه الجميع ويعلمه الكلّ، بل أعلنته «وزارة الخارجية الأمريكيّة» بصريح العبارة، حين اعتبرت (والكلام لذات المصدر) :«المغرب مموّنا للعالم بالقنب الهندي والحشيش» [انقر هنا للاطلاع على المقال]. كذلك أشار المصدر الأمريكي (ذاته) إلى «تطور إنتاج القنب الهندي عامي 2015 و2016»، وكذلك «أن الإنتاج [أيّ القنب الهندي في المغرب] وصل إلى 700 ألف طن.»….

انتاج 700 ألف طن من المخدرات (وفق ذات المصدر الأمريكي)، لا يمكن بل يستحيل أن يتمّ ويكون «دون علم» السلطة الرسميّة (المغربيّة) أو من وراء ظهرها أو في غفلة منها. كذلك من الطبيعي ومن المنطقي أن تدرّ هذه الكميات الضخمة والهائلة من المخدرات، مالا وفيرًا، يتطلب «تبييضا» داخل المغرب وخارج البلاد، سواء في أدغال افريقيا أو مجاهل العواصم العالميّة…

أمّا عن «فائدة» أن يصرّح وزير خارجيّة الجمهوريّة الجزائريّة الديمقراطيّة الشعبية، بمثل هذا «الكلام الاستفزازي» (دون أدنى شكّ) تجاه «دولة جارة» تأتي العلاقة بينها وبين الجزائر أو هي تراوحت (أيّ العلاقة) بين «الحرب الباردة» (حينًا) وما هو «التوتّر المعلن» (أحيانًا أخرى)، فتلك مسألة تحتمل القول وتقبل النظر، لأنّ في «علم السياسة» (لأنّ السياسة علم صحيح) لا تُقاس مثل هذه التصريحات، في قراءة بذاتها، بل (وهنا لبّ المسألة وجوهر القضيّة) بما تحتاجه اللحظة من تصعيد أو تهدئة، وبما يقدّم التصعيد أو تأتي به التهدئة من فوائد.

عند هذا المستوى، وبقطع النظر عن هويّة القائل في ذاتها، سواء كان هذا الوزير أو غيره في ذات المنصب، الخلاف مقبول والاختلاف في القراءة من الأمور المشروعة، سواء جاء التعليل بناء على حسن النوايا التي وجب إظهارها تجاه «جار» طالت فترة الجفاء المتبادل معه، أو هو وجوب الوقوف في حزم والتصدي في صرامة إلى هذا الجار الذي يغرق الجزائر بجزء ممّا هي 700 ألف طن من القنب الهندي.

ما يهول، بل ما يحزّ في النفس فعلا، هي حالة السذاجة أو هو الغباء المستشري، داخل جزء من الطبقة الإعلاميّة في الجزائر، حين جاء الخلط العفوي أو المقصود، بين متن القول (أي قول الوزير) من جهة، وما هو الموقف من الرجل ووزارته والحكومة التي ينتمي إليها أو الرئيس الذي عينه.

الأزمة الأخلاقيّة، لأنّ في الأمر أخلاق قبل المهنيّة وحريّة الضمير والموقف من السلطة في الجزائر، هو ذاك «الخلل» على مستوى الادراك. بين الاعتراف بالحقائق في بعدها الصحفي المباشر، وبين ما هو الموقف من السلطة سواء جاء السلطة جماعة أو تكوّنت من أفراد.

على المقلب الأخر، تتحمّل السلطة الجزائر، والبلاد تحتفل بعيد الصحافة، جزءا غير يسير من المسؤوليّة، سواء في بعدها السياسي أوّلا ومن قبل ذلك الأخلاقي ومن ثمّة الوطني، حين لم تؤسّس «دولة بوتفليقة» لتعامل راق مع الإعلام، قوامه الاحترام للإعلام ورجالاته ونسائه، بل راحت تتعامل مع «الجميع» (إلا من اصطفت من «أهل البيت») وفق نظريّة «عطايا بني أميّة» من ناحية، مقابل «سيف الحجّاج»، وكم من «حجّاج في الجزائر»؟؟؟؟

ختامًا: ستمرّ «أزمة مساهل» وستطويها الأخبار والأيّام، لكنّها أثبتت أنّنا أمام «جمهرة صحافيين» (في عدد غير يسير منهم) لا يميزون الضغينة (تجاه السلطة ورموزها) عن «موجبات» المهنة، ودولة لا تزال تعمل بمبدأ : أن من يجوع يتبع «سيّده»…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي