مقعد يتيم: انتخابات ألمانيا أهمّ من فتح الأندلس…

18 أكتوبر 2017

رجوعًا إلى التاريخ وعودا إلى المعارك الكبرى، يمكن الجزم أنّ ألمانيا (الجغرافيا أو التاريخ) شهدت جزءا غير قليل من هذه المعارك، بدءا بما كان بين الرومان والقبائل الجرمانيّة، مرورًا بالحرب العالميّة الأولى وختامًا بشقيقتها الثانية، إلاّ أنّ «حرب الانتخابات» التكميليّة من أجل مقعد شاغر بمجلس نوّاب الشعب في تونس، تبدو (حين علا وطيس الحرب واشتدّت نارها) قد فاتت مع عرف الألمان من حروب على أراضيهم.

قراءة لطبيعة هذه «المعركة» يمكن الجزم أنّنا لسنا أمام «جيشين» متقابلين، بهويّة واضحة لكلّ منهما أو قيادة جليّة، أو حتّى شعارات مميّزة. المشهد أقرب إلى دائرة يتحلّق حولها من شاء وأراد، ليعلن (مجرّد الإعلان) أنّه معني بما يمثّل هذا المقعد، لتكون «المعارك الكلاميّة» أقرب إلى «الجميع يصرخ ولا أحد ينصت»، بل «الكلّ يتكلّم ويصيح في الآن ذاته».

 

هذا التوصيف لجماعة «حول الكرسي» لا ينفي تعدّد الألوان، بل يمكن الجزم، أنّنا (شكليا) أمام من هو يراهن بشدّة على ما يريد، وأخرون يأتي وجودهم أقرب إلى «تسجيل موقف»، إن لم نقل «العبرة بالمشاركة»…

الطيف المعارض لجلوس نجل الرئيس حافظ قائد السبسي على الكرسي رقم «217»، لم تشفع له «الشعارات الثوريّة» التي يرفعها، تشقّ صفوفه (هو الآخر) نزاعات حامية وخصومات علنيّة، بل حالات من التخوين، تجعل من هذا وذاك أو هذا أو ذاك، حليفًا موضوعيّا لمن يعلنون معاداته، وجعلوا الخروج إلى هذه «الحرب/الانتخابات» بسببه، أي قطع الطريق أمامه ورغبة في منعه من الوصول إلى مبتغاه.

HKSمن الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ نزول حافظ قائد السبسي إلى هذا الميدان، والزيارة التي أدّاها إلى «قواعده» في بلاد الألمان، تمثّل الوقود الأوّل لهذه الحرب، خاصّة، أن لا أحد يتخيّل مجرّد الخيال أنّ «نجل الرئيس» يلعب تحت شعار «العبرة بالمشاركة»، أو رغبة في الحصول على «أجر واحد»، في حال عجز «اجتهاده» عن الوصول به إلى هذا الكرسي….

 

كذلك، لا أحد يتخيّل مدى تأثيرات «هزيمة» حافظ قائد السبسي في حال وقوعها (طبعًا) ليس فقط بخسارة المقعد، بل تأثيراتها أشبه بأحجار الدومينو، على كامل المشهدين الحزبي والسياسي في تونس، بدءا من موقع الرجل داخل نداء تونس، مرورًا بمكانته فوق الخارطة السياسيّة، وصولا حتّى إلى تأثير «الهزيمة» على موقع «السيّد الوالد»، ومواقفه من سيرورة الأحداث القائمة وكذلك القادمة…

الجميع، ممّن يدورون حول الكرسي يستبطنون هذه المستويات، سواء تعلّق الأمر بقراءة موازين القوى أو اشكاليات «التقاتل» يوم الاقتراع، مع إضافة أنّ قراءات «الصفّ المعادي لحافظ قائد السبسي»، وإن كانت على مستوى التنظير والخطاب وحتّى الحماسة والتعليل، تأتي (شبه) متوافقة، إلاّ أنّها تأتي رافضة لبعضها البعض، في لهجة نفي متبادلة ومعلنة وصريحة، بل في عنف/كراهيّة/حقد يغلب ويزيد عمّا هو حيال من ينعتون بصفة «ولد بوه» (أي حافظ قائد السبسي)…

ما يشدّ إلى هذه المعركة أكثر أنّ النهضة حاضرة بالغياب، ومتفوقة على الجميع بالانسحاب، حين أعلنت أنّها «غير معنيّة» (بيان مجلس الشورى) بهذا «المقعد اليتيم»، وإن كان الرجل الثاني (ترتيبيا) في الحركة عبد الفتّاح مورو أعلن أنّ النهضة ستقف إلى جانب حافظ قائد السبسي.

ما يهمّ ضمن هذه «التلوينات» أنّ النهضة لم ولن تدعم أيّا من «مرشحي الثورة»، بل لن تقف إلى جانب أيّ منهم، حين بلغ منسوب «العنف اللفظي» سواء على مستوى العبارات المستعملة أو التوصيفات المعتمدة، حدّ التخوين والقطيعة.

توسيعًا لدائرة القراءة والتحليل، لا يمكن لهذا «المقعد»، سواء الوصول إليه أو منع «الخصم» (أيّ خصم كان) من الوصول إليه، أن يمثّل «أمّ المعارك» التي تتراجع أمامها «المعارك الأخرى»، بل يمكن الجزم، أنّ حال الصراع «متعدّد الأقطاب» (هذا) مردّه، ليس فقط، «ضبابيّة» الرؤية وكذلك «ضيق» الأفق (المعرفي)، بل سرعة تبدّل الأطراف، خاصّة التي تنتسب أو تنسب نفسها إلى «الثورة»، التي كانت إلى ما قبل بروز هذا «الكرسي الشاغر» تردّد (كلاميا) «الشعارات ذاتها»، لتصير إلى تبادل «النيران الصديقة»، وكذلك الرجم بالخيانة، ووصم هذا الطرف لذاك بأنّه «طابورًا خامسًا» في خدمة «أعداء الثورة»…

رغم أهميّة هذا «الكرسي الشاغر» على المستويين الرمزي والاعتباري، وأهمّية نتائج المعركة (مهما كانت) أيّ «هويّة الفائز» والنسب الحاصلة، ما نشهده لا يعدو أن يكون سوى «نزولا جماعيا» إلى «سقيفة الثورة»، أيّ (بمعنى أبي العلاء المعرّي) ذلك المكان الضبابي بين «الثورة البيّنة» وما هو نقيضها من «مربّع الاستبداد»، ليصبح الجدل العقيم (على جميع المستويات) أولى من «النضال» والمعارك الجانبيّة عوضًا عن «المعارك الفاصلة»….

 

الرابح الأكبر والفائز بحصّة الأسود جميعها، هي حركة النهضة، حين فهمت أنّ «الفوز» مهما كانت النتيجة ومهما جاء طعمه، عبارة عن «هزيمة نكراء»، حين ستقف أمام من «ظنّوا بها خيرًا» (في يوم ما)، وتكون المواجهة أشبه بمن يسكب الملح على الجرح، أو هي ستقف في وجه «شريك التوافق» الذي لن يغفر لها هزيمة ليس فقط ستكلفه غاليا، بل قد تجعله عصفًا مأكولا…

ملاحظة: هل يدري الألمان أنّ على أرضهم تدور ما يراه هذا وذاك في تونس «أمّ المعارك»، وقد استلفوا من عمق التاريخ العربي شعار: «لن يمّروا»… علمًا أنّ «التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق»


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي