من حسين العبيدي إلى رضا الجوّادي: من الجاني ومن الضحيّة؟؟؟

30 أكتوبر 2015

الحالمون وحدهم يتخيلون أو يبغون أو يعملون على فصل الإسلام عن السياسة، ومن ثمّة جعل دور الأئمّة منحصرًا في تأدية الشعائر (أيّ الطقوس العباديّة حصرًا) والذهاب بالدين أوّلا والممارسة الدينيّة ثانيا، وبالتالي العقيدة إلى ذلك الفصل (الغربي/المسيحي) بين «ما لله وما لقيصر»…

هي «المعركة الكبرى» أو «الفتنة الكبرى» (الراهنة) ضمن الفضاء الإسلامي وأين يعيش المسلمون:

أيّ دور للدين في الشأن العام، وأيّ دور للدين أساسًا في تحديد الخيارات السياسيّة والمشاريع المجتمعيّة. نشأ (ما يسمّى) «الإسلام السياسي» (الحديث) للإجابة عن هذا السؤال وطرح هذه المسألة، ولا يزال الجميع (دون استثناء) يعيش، بل ويحارب بعضه البعض، داخل هذه المتاهة التي تحوّلت إلى شلاّل دم، خلفّ ولا يزال جروحا نتنة…

ضمن هذه الرؤية، وجب النظر إلى عزل الأئمة وإيقاف الإمام رضا الجوّادي، أي في صورة النقطة التي تختزل قرونًا من الصراعات وكذلك «تراثًا» من الصدام بين السلطة السياسيّة في الفضاء السنّي (خاصّة)، التي لم تقبل ولا تقبل، ولن تقبل، أن ينزاح الإمام (على المنبر أو سواه) شعرة (معاوية) واحدة عن خطاب «السلطان» (أي ماسك السلطة)، بل تعمل على أن تجعله التابع الإداري والبوق السياسي. لذلك يمثّل عثمان بطيخ الإصبع الذي يدير العمليّة وليس اليد، لأنّ هناك وراء اليد ذراعا ووراء الذراع جسدًا والأهمّ هو الدماغ…

يأتي الإيقاف على ايقاع تناظر تقليدي، أو هو «تاريخ قريب» من صراع النهضة (الطرف الديني)، مع بورقيبة أو بن علي (الطرف السياسي) حين لا شأن لماهية هذا الصراع وسيرورته (على مدى التاريخ) بالقشرة السياسيّة الخارجيّة للنظام، سواء كانت «استبدادا ناعما» (مع بورقيبة) أو «فاشية صريحة» (مع بن علي) أو هو «التسيّب الكامل» (كما نعيش راهنًا)…

العبيدي - الجوادي

العبيدي – الجوادي

هذا التناظر لا يزال قائمًا على مستوى الشكل الوظيفي، لكن تغيّر اللاعبون أو غيّروا الفريق، أو ربّما طريقة اللعب. حركة النهضة الوجه الأبرز للإسلام السياسي في تونس، والطرف الذي قارع كلّ من بورقيبة وبن علي، تجد نفسها راهنًا غير معنيّة (بالمعنى المباشر والفعلي) أي أنّه (إلى حدّ الساعة) لم يقع عزل أو إيقاف إمام ينتمي بالعضوية المباشرة والصريحة والمعلنة لهذه الحركة، بل هي طرف (غير مباشر) والعزل وسيلة لتركيعها وآلة لضربها.

من التبسيط بل من السذاجة، تقسيم البلاد (ضمن هذا الموضوع) إلى «أخيار» يقابلهم «أشرار» ليس فقط لاستحالة ذلك (مهما كان الانتماء وزاوية الرؤية الايديولوجية أو عقديّة أو السياسيّة)، بل (وهنا الخطورة) أنّ النهضة سبق أن مارست ما تمارسه «الدولة العميقة» (راهنًا) حين اتّحدت مع الجميع لعزل إمام جامع الزيتونة حسين العبيدي.

ليس المطلوب (هذه مهمّة السياسيين) التفصيل في النواحي «الأخلاقيّة» (مهما جاء المرجع) أو «الوطنيّة» (مهما كان التفسير) لهذه الممارسات أو الرجوع بها إلى «دولة القانون والمؤسّسات»، التي تسعى لضبط الممارسة الدينيّة على قاعدة تحفظ النظام العام، أو النقيض (أيّ) «دولة شبيه بالكيان الصهيوني في اغلاق المساجد»، بل (وهذه مهمّة الصحفي) تحديد آليات الفعل بتغيّر المعادلات السياسيّة في البلاد.

ساهمت النهضة وحرّكت أذرعها جميعها واستنفرت أجهزتها كلّها، لتكون الأولى في عزل حسين العبيدي، ولم تدّخر أي جهد لذلك، في تعاون وثيق وتنسيق كامل مع هذه «الدولة العميقة»، ليكون السؤال (المعرفي حصرًا):

هل وجب على «المنظومة الدينيّة» (أو المتديّنة) أن تحصر اهتمامها في الفعل المجرّد ذاته، أي «عزل أيّ إمام»، ومن ثمّة ممارسة التنديد والتظاهر (مهما كان الفاعل)؟ أم (وهنا الخطورة) أنّ يتّم تكييف «التأصيل الشرعي» (بحسب الحالة)، عندما لا تزال كلّ من «المنظومة السياسيّة» (أيّ الدولة العميقة) كما «المنظومة الدينية» (النهضة ومشتقاتها) تبحث كلّ منهما عن «مسوّغ شرعي» تحمي به فعلها؟؟؟

 

الإجابة عن السؤال تتخذ طابعا «واقعيّا» لكنّها تتّخذ صبغة «تأويليّة» حين بدأت هذه التساؤلات ليس فقط تشقّ «الوسط المتديّن»، بل تتحوّل (دون أدنى شكّ) إلى «قنابل موقوتة»، ستفجرها «الدولة العميقة» في موعدها (أو بالتدريج على الأغلب)، ضمن أسئلة ثلاث، تمثّل الإجابة عن كلّ منها مدخل صراعات عديدة:

أوّلا: كيف يمكن للنهضة أن تكون طرفًا في عزل حسين العبيدي، بل كانت رأس الحربة في العمليّة، وتعرب عن «امتعاضها» (بحسب بيانها) من عزل رضا الجوادي وحبسه؟

ثانيا: ألم تشرّع النهضة بعزل حسين العبيدي، «العزل» (في المطلق) وتجعل من فعلها «سابقة» (دينيّة وفقهيّة)، حين يمكن الجزم أنّها المرّة الأولى التي تشارك فيها حركة دينيّة بقيمة حركة النهضة ورمزيتها في عزل إمام بقيمة جامع الزيتونة ورمزيته؟

ثالثًا: أليست النهضة طرفًا (مهما يكن عدد وزرائها) في حكومة يمارس فيها وزير الشؤون الدينيّة (عثمان بطيخ) سياسة العزل، ويمارس فيها وزير العدل بالنيابة (فرحات الحرشاني) دوره في إصدار برقية الإيقاف، ويمارس فيها وزير الداخليّة (ناجم الغرسلي) دوره في تنفيذ الإيقاف. إذا، كيف تكون النهضة طرفا في حكومة مارست فيها ثلاث وزارات أو هي شاركت في العزل والإيقاف؟؟؟؟

الأسئلة حارقة، ليس لحرارة المشهد وتوتّر الوضع، بل لأنّ الواقع الراهن يطرح أسئلة يختلط فيها التاريخ بالفقه، بالسياسة، بالتأويل القانوني، وخصوصًا بالمصالح المكشوفة والأطماع الغامضة في البلاد.


165 تعليقات

  1. أحمد حنفي

    شكرا جزيلا على هذا المقال…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي