مهدي جمعة

9 نوفمبر 2015

مهدي جمعة في قبضة سكوتلانديارد

مهدي جمعة

مهدي جمعة

في صباح لندني بارد وصلت الطائرة العسكريّة البريطانيّة الخاصّة التي تنقل رئيس الوزراء السابق مهدي جمعة إلى لندن للتحقيق معه في قضايا ارهاب متفرّعة عن عمليّة سوسة.

أحسّ مهدي جمعة ببرد في السيّارة التي تقوده مباشرة إلى ضاحية «وستمنستر»، أين يقع مقّر الشرطة البريطانيّة سكوتلانديار، حيث يترقب بفارغ الصبر هذا الضيف المبجّل كلّ القيادات، علما أنّ المقرّ لا يشهد عادة مثل هذه الاستجوابات، إلاّ أهميّة القضيّة وما صارت إليه كالنار في الهشيم لدى الرأي العام، جعل القيادات السياسيّة المعنيّة بالملف، تطالب بأمرين: الشفافيّة على مستوى الاجراءات، والاسراع في الاستجواب، لتمرير الملفّ إلى العدالة.

كان المقّر هادئا رغم ما في العيون من تطلّع. في مكتب الأبحاث الخاص بقضيّة سوسة وما تفرّع عنها من قضايا، أكمل الباحث استجواب كلّ من الصحفي التونسي خليل الكلاعي وسفير تونس السابق بطرابلس رضا البوكادي، بخصوص الحوار الذي بثته (الراحلة غير المأسوف عليها) «قناة المتوسط»، أين جاء على لسان رضا البوكادي، أنّ الجهات الليبية المسيطرة على شرق البلاد ألقت القبض على التونسي الجنسيّة أحمد الرويسي المتورط بحسب أبحاث القضاء في اغتيال كلّ من شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، وأنّ الحكومة التونسيّة لم تعرب عن أيّ رغبة في جلبه إلى تونس رغم المراسلات الرسميّة التي أرسلها السفير في عديد المرّات إلى وزارة الشؤون الخارجيّة وإلى رئاسة الحكومة.

نهض رضا البوكادي وهو يجمع أوراقه التي بيّن من خلالها المراسلات بالمحتوى والتواريخ، في حين كان خليل الكلاعي يرتدي معطفه ويبتسم إلى المضيفّة التي أبانت عن اعجاب بطلاقة لسانه وحسن اتقانه للغة الإنكليزية.

نفخ خليل الكلاعي صدره أمام الصحفيين الذين تجمّعوا في أعداد وافرة، في حين كانت السيّارة التي تقلّ مهدي جمعي تدخل من الباب الشمالي، حين اعتمد المسؤولون إلهاء الصحفيين بالصحفي والدبلوماسي لتمرّ السيّارة دون ضجة…

لم تغادر الرعشة جسم مهدي جمعة رغم حرارة الغرفة. استقبلته المضيّفة ذاتها في هدوء هذه المرّة ودون ابتسامة، لكن في أدب إنكليزي بارد أو هو كالثلج.

ردّ خليل الكلاعي على أسئلة الصحفيين التي تراوحت بين الاستفسار عن ظروف تسجيل اللقاء وهل تمّ حذف مقاطع من الحوار، فأجاب بأنّ ما تمّ حذفه جاء لدواعي جماليّة ولم يتمّ المسّ بالمحتوى أبدًا، مضيفًا أنّ الشرطة التونسية زارت مقرّ القناة في تونس واستولت على التسجيل الأصلي، لتتبين الشرطة البريطانيّة الأمر في جلاء.

رفض رضا البوكادي التعليق فكان أن غادرا المكان في حريّة تامّة إلى النزل ومنه إلى البحث عن مطعم تونسي يشفيان فيه غليلهما بعد أن ذاقا الأمرين من الطبخ الانكليزي المقرف…

فقد مهدي جمعه بعض ما يملك من طلاقة بلغة البلد، وطلب ترجمانًا جاءه على عجل، وأراد كذلك كأس ماء وقهوة، فكان الماء ورفض من تمكينه ما تجاوز ذلك. جلس المحقّق أمامه كمثل ما يرى من الأفلام البوليسية. رجل في الأربعين من عمره، نحيف دون أن يؤثّر الأمر على صلابته، هادئ الطبع لكن حاد الكلام دون ارتفاع في الصوت.

بعد اتمام اجراءات التعريف بالهويّة، وتعريف المهدي جمعة بسبب وجوده، جاء السؤال الأوّل:

ـ هل كنت تتطلع على التقارير التي كان يرسلها رضا البوكادي من طرابلس مباشرة إلى رئاسة الحكومة؟

كان المهدي جمعة كمن أفاق من نوم فجأة، فقال دون أن يشعر:

ـ هو سفير ولا علاقة لي به مباشرة، يرسل تقاريره إلى وزارة الخارجيّة…

ابتسم المحقّق في غضب بارد، وقال وهو يرفع في هدوء وثيقة:

ـ هذه مراسلة منك إليك، فيها ضبط التسليم وهي موقعة من مدير مكتبك بما يعني تمريرها إلى مكتبك

تلعثم مهدي جمعة واضطرب وزاد على أمره أن صار يتصبب عرقًا، فتقدمت المضيفة في هدوء الفراشات، ووضعت أمامه محارم ورقيّة. مسح وجهه وأعاد المسح ربحا للوقت، وقال:

ـ ربّما… كثرة مشاغلي لم تكن تسمح لي بالاطلاع على كلّ المراسلات

سكت مهدي جمعة وبلع الماء الذي أمامه في جرعة واحدة وقال في حدّة:

ـ التقرير الذي أرسله رضا البوكادي إلى مكتبك تحت علامة «سرّي / عاجل جدّا» فيه بالتفصيل أنّ الجهة الليبيّة المسيطرة على شرق البلاد ألقت القبض على الارهابي أحمد الرويسي،

سكت المحقّق لحظة كما يفعل دائمًا، وأضاف:

ـ قطعًا أنت تعرف من يكون أحمد الرويسي هذا،

قال كلمته وهو يبرز صورة أحمد الرويسي. هزّ مهدي جمعة رأسه موافقا، فاضف المحقّق في لهجة الاستنتاج:

ـ والسفير يكتب بالحرف الواحد: في حال طالبت به الحكومة التونسيّة، الجهات الليبية ستكون على استعداد لتسليمه فورًا…

سكت مهدي جمعة وعمّ المكان صمتا قاتلا، حتّى صار صوت الحمام في الخارج مسموعًا. فجأة سأل المحقّق في هدوئه الشديد:

ـ لماذا لم ترسل حكومة أنت على رأسها طلب التسليم؟

عمّ وجه المهدي جمعة عرق شديد: وهو يتمتم:

ـ لم أعد أذكر… لم أعد أذكر

أضاف المحقّق:

ـ أرى أنّ السفير توّلى ارسال ثلاث مذكرات في الأمر؟؟؟

زاد الصمت رهبة فصرخ المحقّق:

ـ كيف لشخص يحتلّ منصبك لا يستجيب لمثل هذا الطلب ويرفض أن تستلم بلده ارهابيا ثبت تورطه في جريمتين سياسيتين؟؟؟

عندها أغمي على المهدي جمعة، فقامت المضيّفة مسرعة وعادت بدكتور، فحص المريض وقال:

ـ هبوط شديد في الضغط، وأعراض انهيار عصبي حادّ…

في تلك الفترة كان خليل الكلاعي يتسكّع كمثل أي أعزب عربي، يريد أن يقلّد ما جاء في رواية الطيّب صالح: موسم الهجرة إلى الشمال.


34 تعليقات

  1. رضا البوكادي التحق بجماعة في ليبيا

  2. جعلتني ابحث عن التسجيل لهدا الفيديو المكتوب
    هل يوجد فعلا اما مادا

  3. رؤوف صقر

    …استاذ على ذكر الفيديهات هل تتذكر الفيديو اللي عملتو مع ابو عياض…و اللي منعو وقتها اذن قضائي من البث… على برنامج معز بن غربية…و مع ذلك تبث على الانترنات…و بعد 48 ساعة تم قتل بعيد….انت و بن غربية من اذن لكما بذلك…..هل ان الميكروفون و القلم متاعك ملطخ بالدماء….هل لعبوا بيكم و الا لعبتوا بيهم…ام انك انت بدورك شريك….

    • أتكلّم عن نفسي ولا أنوب أحدًا ومعز حر في الاجابة أو الصمت
      أولا: لم يأت في أبحاث قضيّة شكري بلعيد أي ذكر أو شكّ في «التزامن» التي تشير إليه. في حالة وجود أي شك، لست شخصية دبلوماسية لأتمتع بأي حصانة من المساءلة أو حتّى الايقاف والتتبع والمحاكمة أو حتّى السجن
      ثانيا: أجريت الحوار ووددت نشره في اذاعة موزاييك، رفض وكيل الجمهورية ذلك، فقامت أنصار الشريعة التي تملك نسخة بنشره
      ما تجاوز ذلك معلوم للعموم وليس لي ما أضيف….

  4. هذه رواية بوليسية مشوقة ام تلاعب بالحقائق ام موهبة جديدة للصحفي بن حديد

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي