نجيب الشابّي: سياسيّ «منكود» الحظّ…

8 يونيو 2016

إذا كان من مقارنة بين كلّ من كرة القدم والشأن السياسي، يمكن الجزم دون أيّ خطأ أو اختلاف، أنّ أحمد نجيب الشابي يأتي ذلك اللاّعب القادر على تقديم حركات بهلوانيّة ومراوغة أفضل المدافعين، ومن ثمّة عرض أجمل المشاهد، لكن دون القدرة البتّة على «تسجيل الأهداف»، أو حتّى الوصول بالكرة إلى منطقة «الخطر» قبالة مرمى الخصوم.

رجوعًا إلى حياة الرجل، اليقين قائم بأنّه أضاع جميع الفرص التي وفّرتها القدرة الالهيّة أو هي أخطاء المنافسين. كذلك ـ من باب الإقرار ـ يكون الجزم بأنّه لاعب طويل النفس، صاحب «لياقة سياسيّة» متميّزة، جعلته يصبر سنوات، بل يكون المنافس الأبرز، إن لم نقل الأوحد لحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، بذلك الإصرار وتلك الحميّة، حيث تحوّل أو هو صار فعلا تلك «الأيقونة» التي وقف وراءها الكثيرون، سواء ممّن يقاسمونه القناعة السياسيّة ذاتها، أو ممّن يرون فيه «القائد الأفضل»، صاحب «الحظوظ الأوفر»، ليس فقط لمقارعة بن علي بل للانتقال إلى «نظام سياسي ديمقراطي»…

 

chebbiرجوعًا إلى التاريخ، نرى أنّ الرجل نزح أو هو تقلّب من عائلة سياسيّة إلى أخرى، من أقصى اليسار في ستّينات القرن الماضي، وما كان من مرور (أسوة بأبناء جيله) بالسجن، ثمّ الاقتراب من «التيّار القومي»، ومن بعدها فتح حزبه (الشرعي) «الحزب الديمقراطي التقدّمي» أمام «جحافل الإسلاميين» الذين صاروا أشبه بما هم «أصحاب الدار» ليكون الطلاق معهم بمغادرة محمّد القوماني ومن معه، وصولا إلى الفترة الراهنة، حين صار «الحزب الجمهوري» أقرب إلى تلك الليبراليّة المفتوحة على شعارات فضفاضة، لا طعم ولا رائحة ولا لون لها…

 

يمكن الجزم (حين وجب الاختصار) أنّ الرجل أضاع (بلغة كرة القدم) أهداف كثيرة منها:

أوّلا: رفضه منذ يوم 17 ديسمبر «ركوب الزعامة» والتحوّل إلى «قائد الثورة»، بل إنّ الرجل لم يفهم ما جدّ إلاّ بعد أن انطلقت كرة النار في المنطقة (أيّ مدينة سيدي بوزيد)، وبقي «سياسيّ ضمن السياسيين» رغم أنّ حزبه (أيّ «الحزب الديمقراطي التقدّمي») كان في طليعة الأحزاب والتنظيمات التي تصدّرت المشهد في سيدي بوزيد خصوصًا…

ثانيا: قبوله بل إسراعه بقبول بفكرة «حكومة وحدة وطنيّة» التي كان زين العابدين بن علي سيشكلها يوم 14 جانفي، بل جاءت عديد الشهادات جازمة أنّه «رئيس» هذه الحكومة.

ثالثًا: قبوله دخول حكومة الغنوشي، وتقلّده وزارة «التنمية»، في قراءة سيئة بل سلبيّة للأحداث، حين دفع ثمن هذا «الاصطفاف» في انتخابات 23 أكتوبر.

رابعًا: قطيعته مع النهضة، منذ القصبة الثانية، وهو من كان «شريكًا» طوال سنوات، لهذا المعين الانتخابي الجيّد، الذي لا يمكن لقارئ سياسي ألاّ يأخذه بعين الاعتبار.

خامسًا: فتح الحزب (أيّ الحزب الديمقراطي التقدّمي) على مصراعيّه أمام روافد أخرى، بل وتغيير تسمية الحزب إلى «الحزب الجمهوري» رغم تأكيد عديد الخبراء والعارفين أنّ «الانفتاح» وكذلك «تغيير» التسمية، سيجعلانه يفقد رصيدًا ضخمًا، بل فريدًا.

يمكن الجزم أنّ أحمد نجيب الشابّي، ملك مفتاح السلطة بمفرده، حين جاء هو الأفضل أو الوحيد الذي حارب بن علي من الداخل. التنظيمات الأخرى جميعا، إمّا أنّها هادنت النظام وفضلت الانزواء أو هي فضلت المهجر والتحرّك من الخارج.

 

أحمد نجيب الشابي هو الوحيد أو أفضل من قارع النظام من الداخل، والكل يدري ويعلم بل يشهد ويقرّ كيف تحوّلت أسبوعيّة «الموقف» إلى أرفع صوت في البلاد، إن لم تكن «الصوت الأوحد» بتلك الحدّة وذلك «الصفاء»…

عجز الرجل كذلك (تاريخيّا) على تحويل «إضراب 18 أكتوبر» من حالة «الألفة المدنيّة» إلى «المشروع السياسي البديل» رغم حاجة الطرف الاسلامي المشارك، إلى ما يقدّمه الشابّي من «غطاء» لهم، حين كانوا ولا يزالون يبحثون بل يفضلون الوقوف وراء واجهة وليس الوقوف في الصفوف الأولى…

 

لم يفهم أحمد نجيب الشابي، أنّ موازين «زمن بن علي» قد ولّت، وأنّ «الوجاهة» التي جمعها أثناء تلك الفترة، تستحقّ ذكاء ومعرفة لتحويلها إلى «رصيد انتخابي».

زمن بن علي (حين نستثني العمق الاسلامي للحزب) لم يكن حزب نجيب الشابي ذلك «الحزب الجماهيري» القادر على قلب النظام بالتحركات أو بالانتخابات. كان «حالة نضاليّة» لم تستطع الصمود أمام انفتاح باب السياسة (بعد 14 جانفي) على من هبّ ودبّ، ودليل ذلك «موت» أسبوعيّة «الموقف» حين لم تجد من يعدّل مقالاتها على وقع الواقع الجديد…

 

خسارة انتخابات 23 أكتوبر والافلاس في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة الأخيرة، وما أعلنه الرجل من «انسحاب» من الحياة السياسيّة، بعد أن حصل «ذلك الحزب التاريخي» على «مقعد يتيم» وسط صعود أو هو سطوع أحزاب حديثة على شاكلة «الاتحاد الوطني الحرّ»، لم يفهمها نجيب الشابي ولم يفقهها بعد، وها هو يعود «فردًا» (يتيمًا) دون عمق حزبي أو رصيد شعبي، أشبه بلاعب كرة قدم (حين وجب العود إلى هذه اللعبة) يملك رصيدًا في ذاكرة الناس، لكن دون بطولة في الرصيد أو كأس، بل فقط، صورة ذلك الذي «أضاع كلّ الأهداف»

 

ختامًا:

يمكن الجزم أنّ الشابي يحلم ويدفع ما تبقّى من عمره، نظير المرور يوم واحد أو هو الجلوس يوم واحد على كرسي «القصبة» ليس بحثًا عن لذّة الحكم بل (وهنا الخطورة) «انتقامًا» من «جدليّة التاريخ» التي حرمته جميع الأهداف التي تخيّل أنّه قادر على تسجيلها…

 

الأكيد والذي لا يقبل النقاش:

نجيب الشابي (في حال وصوله إلى قصر القصبة)، سيتحوّل إلى «دمية» بين «شيخين»، حين لا رصيد، مقارنة بالحبيب الصيد، الذي كان ولا يزال (أيّ الصيد) «ولد الماكينة»، في حين جاء الشابي أشبه براهب في نادي العراة…


299 تعليقات

  1. محمد الناصر الفرجاني - تونس

    لا أوافقك أخي نصر الدّين بن حديد في ما ذهبت له من رصيد نضالي لأحمد نجيب الشّابّي!؟ بل هو كان ككلّ هؤلاء المهرّجين، و المراهقين السّياساويّين بالجامعة في الستّينات من آفاق Perspectives، و غيرهم من اليساراويّين مقلّدي “فورة 1968 بفرنسا”!!؟؟ و لكنّ الخطأ القاتل بالنّسبة له، هو عدم إستماعه للنّصح منذ الفترة من 7 ديسمبر (و ليس 17) 2010 لغاية 14 جانفي 2011، حيث فضح نفسه بطريقة فجّة، و فاقعة، إذ سارع إلى الإتّصال ببن علي عارضا عليه مساعدته على تأليف حكومة إنقاذ/وحدة وطنيّة تساعد بن علي على تكميم الفورة الشّعبيّة الفطريّة، على السّليقة، و دون مشاركة أيّ من هذه الأحزاب كلّها، و دون إستثناء، و التي قفزت لتدّعي أنّه كان لها دور، و ركبت على مسار تلك الفورة، و الإنتفاضة الشّعبيّة، و التي لم تكن “ثورة البتّة”!؟ لعلمك، خاطبته يومها بالإيميل، و أنا ببعلبك -لبنان عبر “محمود البارودي، و ميّتة”، و نصحته بأن لا يرتمي لتكوين حكومة إنقاذ وطني مع بن علي، و ثمّ بأن لا ينضمّ لحكومة محمد الغنّوشي، فذلك سوف يجعله يخسر أيّ رصيد شعبي، و لكنّه فرح “بوزارة التّنمية”، و هو لا كفاءة، و لا خبرة، و لا تجربة ميدانيّة له في هذا المجال، و لم يقم يوما بسياسة المجتمعات، أو بمعالجة الشّؤون العامّة!؟ نعم،و نفس الشّيئ خلال مشاركته في حكومة التّرويكا الأولى، و هكذا خسر كلّ رصيد رغم كسكروت الزّمباوي، و سرعان ما إنفضّوا من حوله، و أصبح “كخّة”، بل و هجرته البلاتوهات التّلفزيّة هو و أخوه، و ميّتهما بمجرّد إفلاسه!؟ و ظننت أنّه إتّعظ، و قرّر الإبتعاد عن السّاحة، و الإنعزال، و التّقاعد، و لكنّ ما بالطّبع لا يتبدّل، و رأيناه و قد قفز، و أصبح سعدانا أكثر قفزا حتى من المرزوقي، و سارع للتّعبير عن إستعداده لرئاسة حكومة وطنيّة إن تمّ حلّ حكومة الحبيب الصّيد، و من دون أن يدعوه أحد، فقط سارع لعرض نفسه حتى لا يفكّر الشّيخان، و خاصّة الدّاهية الدّهياء منهما، في غيره!؟ ههههه.

  2. افحمت الرجل …هو لم يرتقي لكل ذلك النكد لان ذلك النكد صاحبه يعتبر مجاهدا …بل خصما لا يستهان به في عدم الاستسلام .
    هو الان لا يصلح حتى ان يكون مساحة قدمين امام قصر قرطاج .

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي