نكبة ونكسة وكرامة وانتفاضة وسلطة، وبعد؟

15 مايو 2016

حين نتجاوز التمنيات المنقوصة والتمنيات الناقصة، وسيل الشعارات المرفوعة التي لا تختلف قيد أنملة بين عام وأخر، يكون السؤال الذي يطرح ذاته في إلحاح وحرقة، مع كلّ «ذكرى»:

ما الذي تغيّر بمعنى الانجاز والسعي (الواجب) تجاه تحرير فلسطين بمعنى عودة الحقّ كاملا غير منقوص إلى أهله؟؟؟

 

على مستوى التشخيص المباشر، يمكن الجزم أنّنا أمام «احتفاليّة» بمفهوم الفرجوي للكلمة، حين صارت «النكبة» أو «النكسة» أو «يوم الأرض» من المناسبات «الاحتفاليّة» التي تشهد الشعارات ذاتها، من قبل الجماعات ذاتها، وقد يكون من قبل الوجوه ذاتها….

قراءة عقلانيّة للواقع الماثل أمامنا، يمكن الجزم من خلالها، أنّ الإشكال الأكبر والعقدة العويصة، لم تعد (أساسًا) بين «الذات» الفلسطينّية بمختلف دوائر الانتماء (من الفرد إلى الانتماء الانساني) من جهة، مقابل أو هي نقيض المشروع الصهيوني الماثل على الأرض أو مختلف دوائر الانتماء لديه، بل داخل (هذه) «الذات» الفلسطينيّة، حين استطاع الأخر وعمل واجتهد وبذل أقصى ما يستطيع، لنقل «التناقض» من مكانه الطبيعي إلى داخل صفوفه أعدائه….

 

دون تفاخر كاذب ودون الذهاب في الاحباط، يمكن الجزم أنّنا أمام نقاط مضيئة عديدة على درب النضال من أجل استرجاع فلسطين كاملة غير منقوصة، لكن في الآن ذاته أمام بؤر سوداء، بل هي شديدة السواد إن لم تكن قاتمة.

 

أوّل نقاط الضوء بل هو النور الذي جعل من ذاته منارة، ذلك العقل الفلسطيني المناضل الذي وضع المعادلة أو عاد بها إلى أساسها الصائب أو هو الأصلي والأوّل:

معادلة الوجود الصهيوني على أرض فلسطين وامتداده ضمن العمق المجاور، هي معادلة نفي متبادل، ومن ثمّة يأتي (مجرّد) الإيمان لحظة واحدة بأيّ حلول «وسطى»، غباء قاتل أو هي خيانة مفضوحة، أو ربّما (نقول ربّما) يكون القبول (مرحليّا) بهذه الحالة، أيّ ما يسمّى «السلطة» وملحقاتها، وهي «بدعة» وفق القانون الدولي….

أكبر من هذا «الوعي» وأرقى من هذه «القناعة» أنّ من الفلسطينيين من جعل منها أو حوّلها إلى «برنامج عمل» وكذلك «منهاج حياة»، يكفي (على سبيل الحصر) أن نطالع كتابات شباب «انتفاضة السكاكين» لنعلم علم اليقين الذي لا يحتمل التأويل، كيف حسم هؤلاء المعادلة، بل وضعوا منهاج عمل، والأهمّ منه، مرورهم للتنفيذ في جمع للعقيدة بالعقل، وفق ما توفّر أمامهم من إمكانيات…

 

العقل والعقيدة، وما بينهما من عمل يتأسّس عليهما، هو ما جعل غزّة، ليس فقط تصبر وتصابر، بل تتحوّل إلى «مثال» ليس على مستوى الصبر والصمود، بل إلى «كائن» يناقض ويتناقض مع المشروع الصهيوني…

من التبسيط الفرجوي أو هو سعي الإعلام إلى التسويق، أن نحصر غزّة في «حركات المقاومة» (الجهاديّة) فقط، ونهتمّ بها زمن العدوان عليها حصرًا…

 

غزّة (لمن لا يدري ولا يعلم) بجميع آلامها وأحزانها، بجميع جراحها وجرحاها وشهدائها، دون أن ننسى من خلّف العدوان من معاقين، هي عقيدة وعقل في الأساس، يعملان على مدار السنة والفصل والشهر والأسبوع واليوم والساعة والدقيقة والثانية، بل اللحظة، من أجل المشروع، وليس صناعة للفرجة أو طلب لمثل هذه المناسبات العابرة…

 

على النقيض الأخر، هناك من جعل من المفاوضات بديلا عن المفاوضات، وقدّم المفاوضات حلاّ للفشل في المفاوضات، ممّا يعني تحويل الصراع من أصله إلى مجرّد «ملهاة» تستهلك الزمن أو هي «فرجة» لمن استطاع لذلك سبيلا….

Cléالتناقض يشقّ الساحات جميعها، من الداخل الفلسطيني إلى أوسع الدوائر العالميّة، لكنّ الملاحظ في عمق لهذه الدوائر، يدرك في جلاء شديد، قد يخلّف تعجّبا عند الأغبياء فقط، أنّ كلّما ضاقت دائرة الصراع، تأتي المعادلة أشدّ صفاء، حين يأتي الصفّ الفلسطيني داخل (ما يسمّى) «الخطّ الأخضر» الأشدّ تماسكًا على مستوى العقيدة والعقل والتعامل مع المشروع الصهيوني، رغم احتكاكهم اليوم به، وكذلك يأتي التناقض أكبر داخل (ما يسمّى) الضفّة والقطاع، حين أفلست (ما يسمّى) «السلطة» (من زمان) وصارت إلى «موت سريري» دون «الانعاش الأوروبي والأمريكي»…

 

حركة الردّة الأكبر (عن خيانة أو غباء) تأتي داخل الدوائر العربيّة وكذلك الاسلاميّة، حين صارت الأصوات تنادي ليس فقط جهرًا وعلانيّة بما هو «التطبيع» الكامل والتفريط في أيّ حقّ، بل تفاخر بأنّها تشارك في محاصرة غزّة، وتتباهى بالتنديد بأيّ نفس مقاوم داخلها، سواء جاء هذا النفس مرتبط بمرجعيّة اسلاميّة أو وطنيّة أو حتّى يساريّة، لأنّ المسألة لا تمسّ «العقيدة الدينيّة»، بل طبيعة العلاقة مع المشروع الصهيوني….

 

الأخطر على القضيّة الفلسطينيّة (الأرض والشعب والوطن) يكمن في هذه الجراح النازفة في الوطن العربي، سواء كانت هذه الدماء بفعل فاعل، أو هي نتاج طبيعي، لأنّها تمثّل (وهنا الخطر) هديّة مجانيّة للمشروع الصهيوني (في بعده الاستراتيجي) أوّلا، وثانيا، (والأمر لا يقلّ خطورة) تغيير لاتجاه البوصلة، وثالثًا تغييب أو هو إلغاء للقضيّة الفلسطينيّة من الوجود…

 

القارئ في عقلانيّة لهذا المشروع الصهيوني وجدليّة الصراع معه، منذ مؤتمر بازل الشهير (على الأقل) ووعد «بلفور» المشؤوم، وصولا إلى جميع المحطات الأخرى، يظهر في جلاء شديد، أنّ بقدر الآلام بقدر الآمال، حين استطاعت المقاومة الفلسطينيّة (مثلا) إثر هزيمة 67 النكراء، أن تكسر جبروت جيش الكيان الصهيوني في معركة «الكرامة» شرق وادي الأردن، لكن جاء «أيلول الأسود» انتقامًا، بل تصفية الوجود الفلسطيني من دول «المواجهة» التي تحوّلت إلى «دول الطوق» لتصير دول «وادي عربة» وكذلك «مخيّم داوود»….


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي