هل النهضة فعلا من يحكم البلاد؟

16 يناير 2016

لم يشكّل الاستقبال «الحافل» الذي لقيه (شيخ النهضة ومرشدها) راشد الغنوشي أثناء مؤتمر النداء في سوسة «صدمة» (في ذاتها)، بل يمكن الجزم أنّ هذه «الحفاوة» تمثّل (دون أدنى شكّ) «محرارًا» (عامّا) لموقف (متزايد) في البلاد وبين العباد، يعتبر النهضة (في أقلّ درجاتها) «عنصر استقرار» (في البلاد)، إن لم تكن «العنصر الأهمّ»، وأهمّ من ذلك يحتلّ «الشيخ» (التكتاك) راشد الغنوشي أعلى هذا «الهرم»، أيّ أنّه «المهندس» (الفعلي) بل «الساحر» (الحقيقي) الذي يؤمّن (الجانب الأكبر من) «الاستقرار»…

تحوّلت النهضة لدى مزاج عام في البلاد أو هي انقلبت من صورتها «المتطرّفة» مع كلّ ما يحيل عليه «الخطاب» (الاعلامي) من «ارهاب» وكذلك «تسفير المقاتلين إلى سورية»، إلى «حركة» تضمن «الاستقرار» في البلد.

 

في الشقّ المقابل، تناقص عدد الذين يلومون النهضة وشيخها على هذا «الالتصاق» («المبالغ فيه») بما هو «نداء تونس» وما يمثّل من صورة وما يعطي من انطباع، سواء على اعتباره وريث «التجمّع» أو (ما يرون) «دوره» (راهنًا)…

صفّ ثالث، يرى ويعتبر بين اعجاب وانتقاد، أنّ النهضة تأتي «المستفيد الأوّل» من «الوضع القائم» في البلاد، وكذلك (وهنا السؤال) هي «من يحرّك الخيوط». (خيوط اللعبة السياسيّة).

على المستوى الاعتباري والقراءة من منظور علم الاجتماع السياسي هناك «انطباع» (على الأقلّ) بوجود «النهضة» (في طرف) والبقيّة (في الطرف المقابل)…

هل النهضة هي من يحكم البلاد فعلا؟

هل النهضة المستفيد الأوّل (من وراء الستار) ممّا يجري في البلاد؟

 

أوّلا:

بعمليّة جرد بسيطة يمكن الجزم أنّ النهضة استفادت استفادة كبرى (بل «عظيمة جدّا») من «مغادرة الواجهة السياسيّة»، حين نرى (دون الحاجة إلى دراسة علميّة) أنّها غادرت موقع الصدارة على مستوى «الانتقاد» (اللاذع أحيانًا) وتحوّلت إلى ذلك «الحاضر بالغياب» أو هي (وهنا الأهميّة) «الصورة النقيضة» (لما يتمّ داخل المشهد السياسي)…

«مجرّد أن ينسانا الناس ربح لا يقدّر بثمن»، جملة توافقت عديد المصادر أنّ راشد الغنوشي ردّدها عديد المرّات أمام أكثر من طرف داخل النهضة، جاءه «لائمًا» عن أسباب هذا «العزوف/الزهد» في السلطة…

 

ثانيا:

مهما تكن الأسباب التي تقف (فعلا) وراء (سلسلة) «القنابل العنقوديّة» التي ضربت النداء، وانفجر إلى أكثر من «شقّ»، يمكن الجزم أنّ النهضة، تأتي «المستفيد الأوّل» (بل الأكبر) من هذا «التفتيت»، سواء حين تراجع نداء تونس من صورة «منقذ البلاد من التطرّف» إلى (محاولة) «انقاذ (ما تبقّى من) ذاته»، أو هي أثبتت (وهنا الخطورة على المستويين الاقليمي والدولي) أنّ «النهضة» (الحركة والفكر والقيادة)، «أفضل عامل لاستقرار البلاد».

 

ثالثًا:

استطاعت النهضة، أن تحدث شرخًا، بل زلزال هو، في الحلف الذي يراه البعض «طبيعيّا» بين جميع الأطراف المعادية للإسلام السياسي، بدءًا ببقايا التجمّع وصولا إلى غلاة اليسار، على اعتبار أنّ «النهضة» (الوجه الاسلامي الأقوى والأبرز وحتّى الأوحد) تأتي ترتيبيا وتمثل استراتيجيا «الخطر الذي يتمّ تناسي جميع الأخطار الأخرى»…

لم تستطع النهضة (فقط) تفكيك «سلاح الدمار الشامل» (هذا) بالنسبة إليها، بل أصبحت (هي) «بيت الوسط» (بالتعبير الدارج)، أيّ لا يمكن المرور من طرف إلى طرف دون المرور من أمامها، وبعلمها وحتّى تحت اشرافها.

 

nahd_0يمكن الجزم أنّ النهضة ربحت:

أوّلا: على المستوى الاعتباري: بأن تحوّلت من «راعية الإرهاب» إلى «ضامنة للاستقرار»

ثانيا: على المستوى السياسي: الحزب الأقوى في البلاد، وأكثر من القوّة، «الأشدّ تواضعا»، بل (وهنا الخطورة) «الأكثر تعفّفًا)

ثالثًا: على المستوى الاستراتيجي: حين يلزم بقيّة الساحة السياسيّة خمس سنوات (على الأقل) لترميم «صفوفها»..

رابعًا: على المستوى الايديولوجي: صار «الإسلام السياسي» (في نسخته التونسيّة على الأقل)، شكل مقبولا، بل مطلوبًا…

 

على النقيض من ذلك، يمكن الجزم أنّ المحرّك الأساسي لهذه «المراجعات» (الفكريّة) وكذلك «التراجعات» (التكتيكيّة)، لا يمكن أن تعود (لما تدّعيه النهضة)، من «مصلحة البلاد»، حين كان راشد الغنوشي يرى النداء «أخطر من أنصار الشريعة»، وكذلك يرى (شيخ النهضة ومرشدها) «استحالة وضع اليد» في يد هذا «التنظيم»…

كلّ ما في الأمر أنّ ما يتحكّم في عقل النهضة (الظاهر أو الباطني) ما يلي:

أوّلا: التشبه بالدولة العميقة، في تونس، أي أسبقيّة «النفع» (الفعلي) على «الخطاب» (المنطوق)، ومن ثمّة ما يحرّك النهضة وعقل النهضة وشيخ النهضة، هو مصلحة «التنظيم» الذي ليس فقط لا يرى فائدة من «الصدام»، بل (وهنا الأهميّة على مستوى «العقيدة»)، أنّ فوائد الصدام (مع الدولة العميقة) في أقصاها، تأتي أقلّ «ربحًا» (القضيّة منفعيّة في الأساس) من السعي إلى «ربح الوقت» (لأنّ الصدام مؤجّل)، ومن ثمّة تكون ربحت من خلال «الهدنة» أقصى ما يمكن، وكذلك (وهنا الفكر الاستراتيجي) استعدّت للنزال على أحسن ما يكون، بأن تكون هي «شريكة» هذه «الدولة العميقة» في مسك البلاد.

 

ثانيا: تعلم النهضة وتدرك علم اليقين، أنّ «المزاج العام» (الاقليمي والدولي) يفضّل غيرها في الحكم، بل سعى هذا الطرف وذاك إلى عدم وصولها وعمل ما في وسعه لإسقاطها، فعملت النهضة في المقابل (ربحًا للوقت) على «اثبات» أنّها «الرقم الأوّل» في المجتمع التونسي، وأنّها (على الأقلّ) «الضامن الأوّل والأفضل» إن لم يكن «الأوحد» لمصالح هذا الطرف الاقليمي أو الدولي.

 

ثالثا: يدرك راشد الغنوشي أكثر من النهضة أن «الاسلام السياسي» معادلة دوليّة المدى، لا يمكن حصرها في تونس أو معالجتها على المستوى القطري، ولذلك يأتي نجاح «الأنموذج التونسي» (الذي يتحدّث عنه راشد الغنوشي بسبب أو بدون سبب) مثالا «للتصدير»، أي أن يفكّر الغرب في التعامل مع أطراف اسلاميّة أخرى كمثل ما يتعامل مع النهضة، أو جعل النهضة (وهنا الربح الاستراتيجي) صاحبة «علم» توزعه على (هذه) الأطراف الأخرى…

 

ضمن هذا المشهد يتهدّد النهضة ما يلي:

أوّلا: أنّها سقطت في منطق «غريزة البقاء» أكثر من «المشروع» (الاسلامي ذاته)، حين يأتي اللوم صريحًا من أطراف (داخل الطيف الاسلامي) بعدم جواز تجاوز «الحدود» (مهما كان)، لتعيش النهضة (راهنًا) «أزمة ذات» (بأتمّ معنى الكلمة) بين (هذا) «المسلم الديمقراطي» (الذي اخترعه الغنوشي) في مقابل الأصول الاخوانيّة «القطبيّة» (نسبة إلى السيّد قطب) الذي أسّست عليها الحركة، بل وتأسّست بها…

 

ثانيا: في خضم هذا السعي للمرور بين «قطرات المطر»، تركت النهضة أو هي أهملت «الفكر» مقابل «الممارسة»، بل (وهنا الخطورة) لم يعد في الحركة من يكتب ويفكّر وينظر خارج راشد الغنوشي، كأنّ الرجل انقلب إلى «عقل» والنهضة صارت «جسدًا»… غياب البعد «الثقافي» صنع جيلا وأسّس فكرًا، غاياته تبرّر الوسائل، وليس من فكر وليس من تفكير، سوى البحث عن «فتاوى» تبيح «المحظورات»، بل نظّر العديدون داخل النهضة وعلى أطرافها أنّ «التفكير في عزّ المعركة» (الدائرة حاليا) هو ترف…

 

سؤال مصيري بالنسبة للنهضة: هل الأهمّ الوصول إلى الحكم (التمكين بالمفهوم الإسلامي) بأيّ ثمن كان (كما نرى) أم الوصول بالمشروع إلى الحكم؟؟؟

يعلم عقل النهضة استحالة الوصول بالاثنين، ليكون الجواب عن سؤال المدخل:

 

هل النهضة فعلا من يحكم البلاد؟

يمكن للنهضة أن تحكم دون مشروع النهضة، وهذا ما نرى…


4 تعليقات

  1. فريد البعطي

    تحليل فيه كثير من الأحكام المبنية على وقائع تاريخية وعلى دراية بواقع الأمور و بموازين القوى التي تأثر في هذا الواقع لكنه لم يلامس حقيقة الثورة الحقيقة التي تشهدها النهضة في طرحها الفكري و نقدها الذاتي و رؤيتها الإستراتيجية لإدارة مشروع وطني إصلاحي منفتح على الداخل و الخارج و لعل مخرجات المؤتمر العاشر للحركة و الذي هو مؤتمر مضموني ستؤكد مقومات هذه الثورة في الرؤية الفكرية،في الهيكلة،في سبل إدارة المشروع الوطني الإصلاحي ذي المرجعية الإسلامية عبر رؤية إستراتيجية تهتم بمختلف المجالات(سياسية،إقتصادية، مجتمعية، ثقافية….) ً. حركة النهضة ستقدم نفسها كمشروع وطني منفتح على مختلف فئات المجتمع و على مختلف طاقاته. مشروع ضامن للحريات، للديمقراطية، لسيادة الشعب و فاعل في إدارة الشأن العام و بناء علاقات دولية تحترم مصلحة الوطن و سيادته. كل هذه الأهداف تقتضي عدم المسارعة إلى الحكم و عدم الإبتعاد عنه.

  2. هي كما قلت سيدي اتعظت من فترة الحكم المنسوب اليها وفهمت ان العقدة والمنفعة الكبيرة في احتلالها موقع الدولة العميقة وهي حرة في فهمها في هذا الواقع المتحول. لكن ما مدى التزامها بادبيات المسار الثوري واهداف الثورة؟ لانه ما يقعد في الواد كان حجرو. اما ما ينفع الناس فيمكث في الارض واما الزبد فيذهب جفاء. فاين تتموقع النهضة؟ فيما ينفع الناس ام في الزبد؟ وهذا خارج التكتيك. محبة

  3. فاضل البلدي

    تحليل يدل على دراية -لكن هل يمكن القول :ان النهضة قد استفادت من التاريخ وتعلمت أن التدافع السلمي أفضل لها وللوطن من التدافع العنيف وأن عليها أن تقدم مصلحة الوطن على مصلحة الحركة والحزب وأن تستوعب الوطن وتتدرج به بمنهاج الرفق الى التحولات العميقة المطلوبة مراعية مختلف التحديات التي يظهر أنها استوعبتها وفهمتها بعد أن شاركت في السلطةوتمكنت من الاطلاع القريب على ما كان خافيا عنها
    لكن هناك نقص ينبغي أن تتداركه وهو حسن الاستثمار للمكاسب المتراكمة وحسن التواصل مع الناس بما فيهم قاعدتها التي لم تستوعب بالقدر الكافي طبيعة التحولات الحادثة عند القيادة-
    واذا كانت النهضة قد تصالحت مع مجتمعها وخرجت من الفكر الاقصائي ومنطق التشابك وتحرص على وقاية الوطن من التدافع العنيف فان خصومها وخاصة اليسار الاستئصالي وطابور الفرنكفونيين لم يتطوروا ولم يستوعبوا طبيعة التحولات وبقوا في مربع الأحقاد الاديولوجية والثقافية وخادمين للأجندات الأجنبية غربية أو شرقية-

  4. هشام هربق

    تحليل عميق شكرا لك اخي العزيز

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي