هل بدأت قطر في دفع فاتورة كأس العالم؟

14 ديسمبر 2022

فجأة وعلى حين غرّة، وعلى «صوت رجل واحد» ارتفعت عقيرة عدد غير هيّن من وسائل الإعلام في أوروبا، تتحدّث عن «رشاوى» قدّمتها دولة قطر إلى عدد من «النوّاب الأوروبيين»…

ليس المجال للدفاع عن دولة قطر والقول بعدم صدقية الأخبار الواردة، أو تأكيد هذه المعلومات والجزم بالجريمة، لكن ما يجلب الانتباه وما هو صادم، يكمن في أنّ «الانزعاج» لدى الغالبيّة العظمى من وسائل الإعلام هذه، مبالغ فيه أمام مثل هذه «الجرائم»، ممّا يؤكّد أنّ الوازع ليس طبيعة «الجريمة» في ذاتها، أيّ في بُعدها المجرّد، بل (وهنا السؤال) في هويّة «دافع الرشوة»، حين تزخر سجلات البرلمان الأوروبي بعشرات «الفضائح الأخرى»، حيث استطاعت «مجموعات ضغط» عديدة في مجالات عدّة، أكثر من مرّة، ليس فقط «قلب المعادلات» عند التصويت، بل صاحت بأعلى الصوت مفاخرة بالقدرة على «التأثير» الفعلي (بمقابل) في قرار النوّاب.

Bar5المثال الأكثر جلاء عن منظومة «التأثير المفضوح» في البرلمان الأوروبي يكمن في قيام مجموعة ضغط تتبع صناعة المبيدات من خلال «الدفع» (المالي) «دفع» نوّاب الاتحاد الأوروبي إلى تأجيل الموعد الأقصى لاستعمال أنماط من المبيدات، سنة بعد سنة، بتعلّة «منح الفرصة» للإعداد لأنظمة بديلة عن هذه «المبيدات».

إيمانويل ماكرون كان وعد أثناء الحملة الانتخابيّة لفترة الرئاسة الأولى، بمنع صنف من المبيدات، هو glyphosate ليعدّل رأيه هو الأخر، أسوة بنوّاب البرلمان الأوروبي، ويؤجّل المنع لسنوات عديدة، دائمًا بذات التعلّة، أيّ «ترك المجال لإيجاد البديل»…

الصادم في الأمر ما أعلنته النائب في البرلمان الأوروبي، الفرنسيّة ليلى الشايبي، عن «الهامش القائم» بين ما هو «ملزم بالقانون» وفق «التشريعات» القائمة في المجلس، مقابل ما هو «مرفوض أخلاقيّا»، حين وجب، وفق ما أعلنت ليلى الشايبي أنّ على النوّاب، التنصيص مسبّقا على موقع البرلمان على الانترنت (المفتوح للعموم) على المواعيد مع جماعات الضغط، لتضيف أنّ الأمر يتّخذ «بعدًا أخلاقيا» غير موجب بالقانون. ممّا جعل العدد الأكبر من النوّاب «يتغاضى» عن أداء هذا «الواجب الأخلاقي» دون أن يثير الأمر أيّ حساسيّة، سواء على المستوى القانوني أو الإعلامي…

بتعلّة وجوب الاستماع إلى جميع الأطراف المؤثرة والمتأثر عند اتخاذ أيّ قرار أو الاقدام على أيّ تصويت، يمنح المجلس الأوروبي أيّ نائب حقّ سماع أو هو واجب الانصات إلى مجموعات الضغط، التي لا تتوانى عن تأمين عمليات «السماع» عبر دعوات عشاء فخمة وحفلات استقبال في أرقى النزل، وسط تسليم عام وقبول من الجميع، بمثل هذه «التصرّفات» التي لا يخفى على أحد أنّ الهدف منها ليس مجرّد «إبداء الرأي» بل التأثير في آلية أو هي بالأحرى «عقليّة» النوّاب عند التصويت، مع التأكيد أنّ فرص «إبداء الرأي» (هذه) استطاعت من خلال «الحجّة والبرهان» (أيّ المال والهدايا) تغيير الاتجاه العام، بل قلبه من النقيض إلى النقيض في عديد المرّات.

عندما يعتبر الكاتب الفرنسي «إيف أود» Yves Eude في كتابه الشهير «غزو العقول» La Conquête des Esprits أنّ «أنصاف الحقائق أخطر ألف مرّة من الكذب» وعندما نسلّم جدلا بثبوت «الجريمة القطريّة»، يكون من المنطق والأخلاق، البحث عن «أنصاف الجرائم الأخرى» وأساسًا، كيف تعامل ذات الإعلام الأوروبي مع هذه «الحقائق».

أهمّ «الجرائم» ما أقدم الرئيس السابق للمفوضيّة الأوروبيّة البرتغالي «جوزيه مانويل بارّوزو»، علما وأن هذا المنصب يوازي في البروتوكول منصب رئيس دولة، عندما «قفز» (اللفظ اعتمدته معظم وسائل الاعلام) بمجرّد ترك منصبه على رأس المفوضيّة» ليحتلّ منصبًا رفيعًا في أحد أهمّ بنوك الأعمال في العالم، بنك «جولدمان ساكس»…

Barأخطر من القفز السريع والمفاجئ من منصب يوازي منصب «رئيس دولة» إلى أحد أهمّ بنوك «البزنس» اليقين أنّ العلاقة بين (هذا) «الرئيس» و(هذا) «البنك»، سابقة بكثير لعمليّة الانتداب، بمعنى أنّ «الانتداب» في ذاته يشكّل مجرّد «مكافأة» أكثر منه الحاجة إلى «كفاءة» بعينها.

بصريح العبارة : قدّم «جوزيه مانويل بارّوزو»، خدمات جليلة لبنك «جولدمان ساكس» طوال وجوده على رأس المفوضيّة العليا للاتّحاد الأوروبي.

يحقّ بالمنطق والأخلاق والقانون (وفق ما هو معتمد في التشريعات الأوروبيّة) طرح ما يلي :

أوّلا : ما هي الخدمات التي قدّمها «جوزيه مانويل بارّوزو» إلى «مشغله»، أيّ «بنك «جولدمان ساكس»، والأهمّ : كم لهذا البنك وأمثاله من «خدم» من أمثال هذا «الرئيس» (السابق).

ثانيا : ما الذي جعل المنظومة التي ثارت من أجل «شرفها المهدور» ونادت بالويل والثبور أمام «المال القطري» تكتفي أمام «قفزة» بارّوزو بمجرّد «اللوم» الخفيف جدّا حيال «عدم التريّث» في الانتقال من منصف الرئاسة إلى مسؤول في البنك، حين كان عليه وعلى البنك احترام فترة الامهال [أشبه بالعدّة في الشرع الإسلامي] وعدم المجاهرة بالانتداب على رؤوس الأشهاد.

ثالثًا : لماذا أعلن البنك عن الانتداب ولم يعفِ «خادمه» شرّ الفضيحة؟؟؟؟

الجواب على قدر كبير من البساطة : إدارة البنك تريد أن تخبر الخاصّ والعامّ، أنّها كما ملكت «خادمها» هذا الذي وفّر لها «خدمات جليلة» أثناء وجوده على رأس المفوضيّة، هي لا تزال تملك أمثاله، وبالتالي على أيّ جهة تبحث عن «خدمات» أن تتصل بها، مع الدفع طبعًا.

من أعراف البرلمان الأوروبي غضّ الطرف أمام حالات النوّاب الذين يسترزقون من دول مثل قطر وغيرها، لا تبحث سواء عن «كلمة خير» في حقّها على قاعدة أنّ «إطعام الفمّ، يكسي اللسان حياء»، خاصّة من موائد دول «غير معادية»….

على عكس «الدول العدوّة» التي تسعى من خلال الاختراق والاستقطاب إلى «التأثير الفعلي والفاعل»… عندها تكون العصا الغليظة…

السؤال الأهمّ : من فجّر (هذه) «القنبلة» القطريّة، وأهمّ من ذلك في هذا التوقيت والأشدّ أهميّة بهذه الحدّة؟

الجواب بسيط : ما دفعته دولة قطر من دراهم معدودات إلى «نكرات» عديمة التأثير، وجب أن تدفع عشرات أمثاله إلى «فتوّات» البرلمان وغيرهم، خاصّة أنّها (أيّ قطر) نجحت أيّما نجاح في تنظيم كأس العالم…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي