وصفة الشاهد: «الداء هو الدواء» ومصالحة «الأعداء»…

30 أغسطس 2016

من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ يوسف الشاهد لم يدرس «علم الإجرام» ولا علم له بأصول لعبة الشطرنج، ولم يقرأ التاريخ، كما لم يخالط البشر (في تونس)، إن لم يكن عديم المعارف بما هي «الفلاحة»، سوى «المعدّلة جينيّا»…

الرجل أشار إلى «واقع مزرٍ»، بل «كارثي»، دون أن يذهب أو يكلّف نفسه عناء البحث عن «الجهة» أو «الجهات» التي تقف وراء هذا «الواقع المزري» أو هو «الكارثي»، كأنّ وكيل الجمهوريّة أو حاكم التحقيق، يعالج جريمة ويبحث في سبل إصلاحها أو هو يأمر بذلك ويباشر الأمر بنفسه، دون أن يطرح سؤالا واحدًا، بل السؤال الذي تتأسّس من خلاله مهمّته، أيّ «البحث عن الجاني» أو عن «الجناة»…

 

دون البحث أو هو الغوص في الأسباب الحقيقيّة التي تقف وراء حال «الدمار» الذي يعيشه الاقتصاد التونسي، يذهب يوسف الشاهد في تحديد «المعالجة»، أيّ هو ذاك الطبيب الذي يشخّص المرض دون تشخيص «سبب العلّة» ومن ثمّة يشير إلى العلاج أو هي الأدوية…

 

ذهب يوسف الشاهد في طرح «الكيّ» في صورة الحلّ «الأوحد والوحيد» لمرض، يبدو جليّا أنّ «علاجه» ليس مضمونًا، بل من الممكن أو هو المطروح أن «يموت المريض» أثناء «المعالجة»

لا يمكن لحكومة قامت على المحاصصة بين «القبائل السياسيّة» ووزراء يرون المنصب (ومنافعه) من باب «الغنيمة» وكذلك من باب مراقبة الجميع للجميع، أن تذهب قيد أنملة على درب أيّ صنف من المعالجة…

 

المسألة لا تعني النوايا الرائعة لرئيس الوزراء هذا، الجاهل بأبسط قواعد التعامل السياسي، ولا بصدق خطابه وترويجه لوجوب «الوقوف» من أجل تونس. هو علم الفراسة، بل قراءة المشهد في تجلياته القائمة وكذلك (وأساسًا) تطوراته القادمة…

 

الأزمة الأولى والأساسيّة، بل هي «الوباء القاتل» إن لم نقل الفيروس الذي ليس له دواء (بعد)، يكمن في الأنانيّة المطلقة وغياب الثقة على جميع المستويات، سواء داخل الطبقة السياسيّة ذاتها، أيّ ضمن الأحزاب والتشكيلات السياسيّة وبينها، أو نزولا إلى المجتمع المدني، ومن ثمّة كامل طبقات المجتمع….

لا يمكن لما قدّم يوسف «الشاهد» من «وصفة» أن تكون جيّدة في ذاتها أو سيئة، بل (وهذا علم الطبّ) في مدى توافقها مع «جسد المريض» أيّ «قابليته للدواء»…

 

في بلد انعدمت فيه «الثقة» يصعب بل يستحيل الحديث عن «تضحية» من قبل «الفئات الشعبيّة» خاصّة وأنّها ترى وتشاهد بأمّ العين، وزارة «الأربعين وزيرًا وكاتب دولة» إضافة إلى جملة من «المصاريف» (نصب بورقيبة أنموذجًا) التي شكّلت ترفًا في بلد «عاري المؤخرة» الذي يبحث عن «خاتم ذهبيّ»…

 

في بلد أصحت تستعمل وزراء (في نسبة كبيرة) من «ذوي الاستعمال الواحد»، يستحيل بل هو سابع المستحيلات، أن تحدّث الوزير أو كاتب الدولة خارج منطق «الغنيمة»… دون أن ننسى ونغفل حالات «الفساد» الثابتة والتي تورّط فيها هذا الوزير أو ذاك…. أيّ نحن أمام «وزراء جياع» (في أغلبهم) يريدون «التعبئة» قبل «التغيير القادم» (الذي قد يأتي أشبه بالزلزال)…

concombreلا يمكن للعمق الشعبي، وكامل الفئات الفقيرة والمتوسطة (التي تمثّل السواد الأعظم) أن تفهم طلبات «التقشّف» وكذلك «شدّ الحزام» سوى في صورة «ضحك على الذقون»، أيّ عمليّة «اسبلاه كبرى»، خاصّة وأنّ «الدولة» تعتزم مصالحة «كبار اللصوص» الذين أفرغوا البنوك وجعلوها على حافة الإفلاس ورفضوا ويرفضون (في وقاحة غريبة وشديدة)، خلاص الديون، بل جعلوا من «إغلاق الملفّ» (مطلب اتحاد الأعراف) شرطا لما يدّعون أنّها «معاودة الاستثمار»…

 

من يوسف الشاهد إلى الباجي قائد السبسي وصولا إلى راشد الغنوشي، هناك «يقين» (مرضي بل انفصامي) بأنّ «العمق الشعبي» سيتبع الحكومة ويسير وراءها، كما فعل اليهود مع موسى عليه السلام، حين عبر بهم البحر…

 

يوسف الشاهد غبيّ (أو هي السذاجة في أرقى حالات التخفيف)، والباجي تجاوز سنّ «التفكير القانوني» وراشد الغنوشي تقوقع ضمن «منطق البيعة غير القابلة للفصل»، في حين أنّ السواد الأعظم لهذا الشعب المتوتّر، لن يعطي قيمة لما هو مقام (سي) يوسف أو (سي) الباجي أو حتّى (الشيخ) راشد، حين مسّت وستمسّ اجراءات الحكومة «اللحمة الحيّة» أيّ قوت يومهم وأساسيات حياتهم…

هناك اصرار غريب لكنّه قابل للتفسير، للذهاب بالتضحية نحو الفئات المتوسطة والفقيرة، مقابل «إغلاق ملف المصالحة» (الماليّة)، أيّ تطبيق منطق «المافيا»، حين يتمّ مسح «ديون» بمليارات الدينارات التونسيّة، مقابل بيع منزل من عجز عن سداد قرض…

 

هناك رغبة في استغلال حالة الفقر، لجعل الطبقة الشغيلة (كما تفعل الرأسماليّة دائمًا) تنافس بعضها البعض. هذا جزء من الخطّة، لكن قراءة مقارنة لوضعيات سابقة في تونس ولوضعيات مماثلة عبر العالم، تجعل اليقين لا يقبل الدحض، بأنّ هذه الطبقات «المسحوقة» ستخرج على القانون وتكسر عصا «الطاعة» (الديمقراطيّة)، حين لا يفهمون أو هم لا حاجة لتفهمّ أن الانتخابات التي أنتجت «مجلس نوّاب الشعب» الذي صادق على أقول (سي) يوسف، بل صفّق له طويلا، هو برلمان جاء نتيجة «انتخابات ديمقراطيّة»…

لم يدرس يوسف الشاهد عند الأمريكان أنّ الديمقراطيّة أشبه بالشجرة التي وجب أن تطعم من يستظلون بها، وأنّ لا جمال لها في ذاتها، أيّ (مجرّد) صورة جميلة تفاخر بها تونس البلدان، ولم يع ولن يعي الباجي أنّ «حبل الصبر» أقصر (عند العمق الشعبي)، من «حبل الكذب»، في لم يفهم راشد الغنوشي أنّ غالبية عمقه الشعبي (أيّ النهضوي) يتبعه من باب الخوف وغياب البديل، وأساسًا من باب «حفظ البيعة» وعدم «اثارة شماتة الحاقدين»…

 

كذبة الاصلاحات السياسيّة لن يصدقها اقتصادي واحد (يحترم نفسه)، لأنّ لا اصلاح في بلد يعيش ويتنفّس بل تسري في عروقه دماء أو هي كريّات تتوزّع بين المافيا السياسيّة والتهريب المعتمد رسميا، فقط في أقصى حالات، تطبيق لوصفات «الممرّض» يوسف الشاهد التي أوصى بها «طبيب» البنك الدولي، وهو يضع البلاد بين خيارين أحدهما «الانفجار الشامل» والثاني أمله لا يتعدّى أمل الجياع في وليمة «كافيار»…


47 تعليقات

  1. نبيل رميدة

    ههه … في الصورة احسن تلخيصا للمقال …

  2. عبد الله التونسي

    اهنئك استاذنا على المقال الرائع و ارجو ان يقرأه من ذكرتهم لعلهم يرجعون الى الجادة

  3. لكنك يا اخ نصرالدين لم تتطرق الى الكم الهائل الى الاضرابات التي ستكون بسبب تسريح العمال الذين سيشملهم الطرد …
    الرأسمالية تلتفض اخر انفاسها لان العالم اجمع قد اطلع على عوراتها التي باتت مكشوفة و لن يسترها شيء …
    لقد استدرجوا من حيث لا يعلمون حذركم الله جل في علاه و لكن الناس انفسهم يظلمون.

  1. تعقيبات: birkenstock outlet store

  2. تعقيبات: ecco shoes women outlet

  3. تعقيبات: rossi sergio

  4. تعقيبات: Mountain Hardwear jackets online

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي