يوسف الشاهد وشفيق جرّاية: من الرأس ومن الذنب؟

16 يوليو 2017

الناظر إلى الواقع السياسي التونسي راهنًا، من كوكب المرّيخ أو من عطارد أو زحل، وعند اكتفائه بما هو باد على سطح «الواقع السياسي» التونسي، تأتي قراءته أو هو فهمه أقرب إلى قراءتنا أو فهمنا لحكاية «عنترة بن شدّاد» [يوسف الشاهد] مقابل «رأس الغول» [شفيق جرّاية]…

هذا التبسيط أو التسطيح أو هو الاستغباء [من الغباء] أو «الاستغفال» [من الغفلة]، الذي يمارسه ويروّج له، بل يصرّ عليه «إعلام الشاهد»، ليس فقط في حال من «القصور المعرفي» عن أداء المعنى، بل [وهنا الخطورة]، لا يحترم الحدّ الأدنى من ذكاء سكّان الكواكب الأخرى وحتّى المجرّات البعيدة، فما بالك بأهل تونس الذين (في غالبيتهم العظمى، بل الطاغية) يدركون بالحدس قبل المشاهدة وبالغريزة قبل المعرفة، أنّ (ما يسمّى) «معركة الفساد» (في تونس)، ليست بالسطحيّة التي يرّوج لها «الإعلام الشاهدي» (نسبة إلى الشاهد)…

 

عندما يكتشف سكّان الكواكب الأخرى والمجرّات البعيدة، أنّ (سي) يوسف الشاهد، لا يعدو أن يكون سوى «مرشّح» نداء تونس إلى منصب «رئيس الوزراء» وأن شفيق جرّاية لا يعدو أن يكون سوى «عُراب» نداء تونس هذا، يتفتق ذهن الساذج قبل الذكي والمغفّل قبل الفطن، أنّ يوسف الشاهد يدين (بطريقة أو بأخرى) بمنصبه في «قصر القصبة» بصفة مباشرة أو غير مباشرة، إلى «العُراب» شفيق جرّاية، الذي دفع المال الوفير دون حساب ودون انقطاع، ليصير هذا الحزب ما صار.

 

عند هذا الحدّ، لا يمكن لأحد من المتذاكين [متصنّعي الذكاء] أن يتلو علينا «محفوظات» الراعي والذئب، وأنّ الأوّل آل على نفسه حراسة «القطيع» [أيّ الشعب]، في حين أنّ لا همّ للثاني سوى «افتراس (هذا) القطيع/الشعب» بالكامل.

chafik-jaraya-diلا تعني المسألة في بعدها التقديري وضع سلّم يتراوح بين «النظافة المطلقة» مقابل «الفساد المطبق»، ومن ثمّة إدراج علامة إلى كلّ من يوسف الشاهد أو شفيق جرّاية، وآخرين عند اقتضاء، بل الجزم والاصرار أنّ «الكذبة الكبرى» بل عمليّة التحيّل التاريخيّة، تكمن (وهنا الخطورة)، في ادعّاء هذا أو ذاك في السلطة «النظافة والعفّة والعذريّة»، بمجرّد الزجّ بهذا أو ذاك في السجن.

مثلما كان الحال، عند انتقال الأمر بين عائلات اللطيّف وشيبوب وبن علي والطرابلسي. لم يكن الصراع صراع بين «النظيف» مقابل «الوسخ»، فقط «صراع مافيات» من أجل السيطرة من مقدرات البلاد العباد… من الأكيد ومن الضروري، بحثًا عن جماليّة الخطاب أن يجعل كمال اللطيّف ذاته «نصير المظلومين»، وأنّ يقدّم سليم شيبوب ذاته في شكلّ «الضحيّة»، لكنّها في المحصّل [البارحة كما اليوم] معارك مافيات تتوسّل مفاصل الدولة ضمن حرب البقاء/الفناء بينها، وبالتالي لا يمكن لرئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد أن يدّعي عذريّة أو نقاوة أو صفاء أو حتّى «رجولة» يتفوّق بها «أخلاقيّا» على خصمه وغريمه… فقط، كما هو حال البلاد منذ زمن بن علي (وهنا الخطورة) تطويع لأدوات الدولة وأجهزتها ضمن حرب البقاء/الفناء المتبادلة.

 

من دلائل دولة التخلّف والمافيات السيّئة والاخراج المترديّ، وهنا كان بن علي أفضل، بحث يوسف الشاهد عن تأمين الفعل المادي، أيّ إلقاء القبض على شفيق جرّاية، ومن بعدها احتار بعض الوقت ووجد بعد جهد «الغطاء القانوني»، في حين أنّ في «الدولة الديمقراطيّة» (حقّا)، يسبق «التطويع القانوني» جميع الأفعال الماديّة، وبالتالي لا يمكن لعون تنفيذ أن يحرّك اصبعًا دون أن يكون القرار السياسي مستندًا إلى قاعدة تشريعيّة/قانونيّة…

من السذاجة، بل هو الضحك على الذقون أو الاستحمار [أي اعتبار الشعب حميرا عافاكم الله]، تقديم أيّ قراءة لواقع [ما يسمّى] «الحرب على الفساد»، في صورة «أنقياء» يقابلهم «أشرار»، أو حتّى السعي إلى «صناعة سلّم» للنظافة/الوسخ، بل من السذاجة أو هو الاستحمار [عافاكم الله مرّة أخر] أن نحصر المشهد في الثنائي الشاهد/جرّاية، حين نجد أنّ الأستاذ/الشيخ/الرئيس راشد الغنوشي «عُراب»، وقارئ «فاتحة الكتاب» إبّان خطبة سمير الوافي المتهم أو المشكوك فيه في قضيّة «رشوة» من أجل «رخصة بيع الخمر»، لنعلم أنّ الجميع [لا استثناء] يسبح في الحمّام ذاته، وأنّ الجميع، أو الأغلبيّة يعاير الأخرين بعاهاتهم الجسديّة…

 

بعيدًا عن الأسماء وارتقاءً فوق هذا الحدث أو ذاك، أخطر ما في الأمر، هذه «اللاّمبالاة» الأخلاقيّة التي صارت اليوم، عندما نلاحظ «النهضاوي» [جدّا جدّا] شكيب الدرويش، يجهد نفسه بصفته الإعلاميّة وبصفة المحاماة، ليجد «مخرجًا» لسمير الوافي، وعندما نرى ذلك القطيع من «الرعاع» الذي كاد يحمل كلّ الأسلحة (ذات يوم) دفاعا عن «المصالحة» مع رجال أعمال فاسدين، ينقلب إلى «الطهارة» (ذاتها) عندما يتعلّق الأمر بشفيق جرّاية ومن معه، نفهم أنّنا أمام منطق «الرصيف» في أرخص مناطق الدعارة في العالم، عندما تلجأ العاهر إلى الشرطي المرتشي، ليخلصها من منافستها، بالاعتماد على قوانين تمنع الدعارة…

 

تقف تونس على بعد خطوات من الانتخابات البلديّة، وشعبها يشاهد طبقة سياسيّة، تنطق القول وتفعل نقيضه، بل صارت حالة الانفصام تشتدّ، ولا تستثني من يشرب الماء الزلال عمّن يكرع الخمرة، لنفهم حينها، أنّ العزوف عن التسجيل القائم والعزوف الانتخابي القادم، سيكون بمثابة الصفعة التي ستدوّي في البلاد قويّة، لكن آذان السياسيين في حلّ من سماع هذه الانذارات…


تعليق واحد

  1. …خشيتُ من ان تكون قد فارقتنا … رجعتَ “والعَودُ احمدٌ” … سُررتُ بذلك … استاذ نصر الدين.
    حاولنا ان نستلهم اخلاق الصحابة اقتداءً بهم في الكرم و الصدق و الامانة و حسن الخلق و الصبر على الناس و التفاني من اجل “قيم الدين و الانسانية” … في شبابنا … كانت قائمة الصحابة طويلة ولم يكن من ضمنها من عُرف عنه “المكر” او “التقيّة” … مع اخوانه … يسقط الآن “و منذ 6 سنوات هي تلك حالهم” من علّمونا الاقتداء بابي ذرّ و بسلمان من اجل “الدنيا و الآخرة”… في مكر معاوية و خداع عمرو بن العاص.من اجل السلطة و كرسي الحكم فقط …

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي