26 نوفمبر 2015

Photo 30

«نحن شعب يعشق الخضرة ويفنيها، لنجعل من العالم صحرائنا قاحلة»، هزّ القول الجموع الكافرة بأصول التجارة المقنّنة وراحوا في لغط يهيجون علّ القائل يتراجع عمّا صدح به من كلمات صادمة. تراءى لهم في الأفق البعيد خيال برج، يبحث عن خضرة يهشّ بها على قطعانه الجائعة، فكان الصراع بين جناح يبغي أن تهيج القطعان على ما تبقّى من خضرة قائمة، وجناح قال بقطع ما تبقّى من الخضرة وتقديمها في صحون فاخرة!!!

«يا أيّها القادم من خضرة نضرة، نفوسنا أقرب إلى صفرة الصحراء الفاقعة»، هكذا صرخ من اعتلى المنبر وراح يحاكي الرياح في صفيرها ويعاند الزوابع حين تثور على صحار لا حدّ لها. حينها جاءت من وراء الأفق دودة تتلوّى كمثل الحكايات المائلة، وقالت بعد أن حمحمت لحظة وأخرى همهمة على المنابر العالية: «لنا نصيب في هذه الخضرة، حين نرث مثل القطعان أو يزيد قليلا عن حاجاتنا».

تعالى الصراخ على حواشي الخضرة وراح التراب إلى خوف من هذه الأقدام الهادرة، وطأطأ الزرع رأسه علّ الخرفان تغفل عمّا ترى. حينها أفاق عصفور من سكرته وفرك العينين في لوعة حارقة وقال: «من ذا الذي جاء يزعج راحتي، ويتهالك على حقولي العامرة؟»… ضحك الخرفان حتى الاستلقاء وراح الدود إلى الاختباء خلف الخرفان الضاحكة، فقد ألف الدود غدر العصافير في حين كانت الخرفان بالأمر جاهلة. صفّر العصفور لحنا أيقظ الخرفان من دهشة، جعلها تنطح بعضها وتغالي في العنف حدّ الدماء السائلة.

انقرضت الخرفان من يومها، وازداد العصفور شراهة علّه يعوّض ما فات من أيّامه الضائعة…

 


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي