«الديموقراطيّة» في الجزائر: لمن وكيف؟؟

25 نوفمبر 2024

من القواعد الثابتة في اللغة العربيّة «أنّ الشيء بنقيضه يُعرّفُ»، ومن ثمّة يجوز السؤال أو هو الجزم بالأحرى، أنّ الصفة التي ترشّح بها الرئيس عبد المجيد تبّون، للانتخابات الرئاسيّة الفارطة، أيّ «مترشّح حر”» تستدعي لزومًا وضرورة ودون أدنى شكّ وجود «مرشّح غير حرّ»…

كان بالإمكان، وهذا الخيار يتساوى مع الأخر، حين لا أفضليّة علميّة أو أخلاقيّة لأيّ منهما، اعتماد صفة «مرشّح مستقل» بمعنى الاستقلاليّة عن الأحزاب، ليكون المقابل «غير مستقلّ»، بمعنى أنّه يستند إلى حزب أو إلى ائتلاف…

هذا الرُهاب/الفوبيا من الأحزاب يجد تفسيره، في تراجع بل تردّي وضع الكيانات السياسيّة في الجزائر، بصفة جدّ متفاوتة، لكنّ جميعها فقد الكثير من «وزنه» ضمن جميع معاني الكلمة. الكبيرة منها صارت متوسطة، والمتوسطة تراجعت لتكون صغيرة، في حين صارت الصغيرة تستوجب مجهرًا لرؤيتها…

ولّى زمن «الزعامات التاريخيّة» التي كانت قادرة على «هزّ التاريخ».

الحسين آيت أحمد (جبهة القوى الاشتراكيّة) المستند إلى عصبيّة جهويّة.

عبد الحميد مهري (حزب جبهة التحرير الوطني) المستند إلى عصبيّة ثوريّة.

محفوظ النحناح (حركة مجتمع السلم)، المستند إلى عصبيّة دينيّة (إخوانيّة).

الأحزاب الثلاثة تراجع بريقها وخفّ تأثيرها، بل فيها من صار إلى انشقاقات بُعيد رحيل هؤلاء «الزعماء»…

رحيل الزعامات التاريخيّة صاحبه تراجع وضع هذه الأحزاب. سواء أفلت أو تراجعت، فالأكيد أنّ «عصرها الذهبي» قد ولّى….

أسباب هذا التردّي يفسره بالبعض بما يرونها «مؤامرة» من السلطة (حينها) رغبة في «تقزيم» هذه الكيانات. توصيف يمكن أن يمثّل تفسيرًا (بمعنى رواية التاريخ)، يقبله هذا ويسلّم به، أو يرفضه ذاك وينكره، بنسب متفاوتة جدًا، بل متناقضة أحيانًا، لكن يستحيل قبوله في صورة «التبرير» من قبل من يتلبّس دور «الضحيّة» المفعول بها، وليس دور «الشريك» الفاعل…

يمكن الجزم أنّ الأحزاب في الجزائر قد فوّتت فرصة تاريخيّة للنهوض والتحوّل إلى ما هو دورها الطبيعي والمطلوب في أن تكون ذلك «الوسيط» بين القاعدة الشعبية من جهة، وبين الماكينة المكلّفة بفرز النخب السياسيّة الماسكة لمقاليد السلطة…

فوّتت هذه الكيانات فرصة الحراك الشعبي الذي اندلع سنة 2019، لتتحوّل من لعب دور «الكمبارس» إلى تقلّد «الأدوار الأولى» فوق خشبة المسرح السياسي في الجزائر.

لم تعِ قيادات هذه الأحزاب أنّ الأمر لا يتلخّص في دفع القواعد إلى الخروج إلى الشارع كلّ جمعة، بل كان دورها (أي القيادات) أن تفهم أنّ مجرّد خروج إلى الشارع، دون الحاجة إلى الأحزاب، يمثّل «ورقة صفراء» في وجهها. أيّ أنّ مجرّد التظاهر، وإن كان ضرورة، إلاّ أنّه عاجز كلّ العجز عن تمكين الشخصيات السياسيّة، سواء الحزبيّة منها أو المستقلّة/ من التحوّل إلى زعامات هذا الحراك، وادماج هذا «البحر البشري» ضمن قواعدها…

لم تفهم السلطة كما المعارضة حينها أنّ الحراك لم يكن «قوّة فاعلة» بل هو «طاقة كامنة»… تمّ التعامل معه طابعًا أمنيّا/سياسيا، في حين أنّ المطلوب لم يكن سوى الحاجة إلى ترجمة صدى هذا الصوت الهادر في وعي النخب، الحاكمة حينها أو المعارضة أو حتّى المستقيلة…

بعبارة أخرى، الحراك جاء شبيها بجسد شديد الضخامة، ينقصه عمود فقري، في حين أنّ السلطة كما المعارضة كانت من الخواء أشبه بعمود فقري في أشدّ الحاجة إلى جسد.

يصعب الإجابة عمّن فوّت «الموعد التاريخي» بين الطرفين أو عن أسباب ذلك، سوى القول بل هو الجزم، أنّ الحراك كان يدري ما يرفضه دون القدرة على تطوير ما يريد، في حين أنّ النخب حينها، سواء الحاكمة أو المعارضة أو المستقيلة، جميعها لا تدري ماذا تريد، في حين أنّها تريد إلزام الجميع بالموانع التي ترسمها.

النقطة المضيئة التي حملها الحراك هديّة للجزائريين، سواء النخب جميعها أو العمق الشعبي بكامله، أنّه جاء سلميّا بالفطرة، وليس بقرار فوقي، أيّ فعل سياسي يريد إبداء صورة حسنة، لا يصدّقها الجميع أو الأغلبيّة.

téléchargerتحتاج هذه «السلميّة» إلى قراءات عميقة، على السلطة الراهنة كما طيف المعارضات (إعادة) الغوص فيها، على قاعدة أنّ الحراك لم يكن فعلا «عقلانيا» ليخفي ما يضمر، بل كان عاطفة جياشة، تجد قوّتها ووقودها، في ما هي عليه من عفويّة وشفافيّة.

لذلك على السلطة الراهنة كما طيف المعارضات ومجمل النخب العود إلى عمق «الحراك السلمي» في أبعاده الرمزيّة وفهم أنّ «السلميّة» تمثّل قطعًا وقطيعة مع «العنف الداخلي» رغم أو بالأحرى بفعل ثورة متواصلة منذ الاستعمار الفرنسي كلّفت عدّة ملايين من الشهداء، دون أن نغفل «عشريّة سوداء» التهمت ربع مليون جزائري، بالرغم من شلال الدماء أو ربّما بسببه…

علامات عديدة تؤكد هذا البعد «السلمي»، بدءا بضمور الإرهاب في الداخل إلى أبعد حدّ، وانعدام تهديده. كذلك انعدام أو يكاد عدد الجزائريين من الشباب خاصّة، الذين قرروا الالتحاق بالجماعات الإرهابيّة سواء في العراق والشام أو حتّى ليبيا وعمق الصحراء الكبرى…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي