عند اندلاع «الأزمة» في سورية، أو هي «الأحداث» أو (ربّما) «الثورة»، فهمت تركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية أن الفرصة مواتية ليس فقط لغلق الحساب مع النظام «البعثي/العلماني» سواء على قاعدة الخلاف الأيديولوجي أو «ثارات» (الماضي)، بل «فرصة» ذهبيّة لتوسيع المجال الاستراتيجي شرقًا سواء بالدمج المباشر لهذا القطر أو جزء منه، أو (في أدنى الحالات) تنصيب نظام «تابع» أو هو «متعاون» إلى أقصى الحدود…
وجد «الفكر الإخواني» (الحاكم في تركية) في رغبة الغرب إسقاط نظام الأسد، «خير فرصة» ليس فقط لما يمكن تسميته «التدثّر بالتوجه الغربي»، بل (وهذا الأهمّ) مناسبة (ذهبيّة) لإفهام الغرب أمرين:
أوّلا: استحالة اسقاط نظام الأسد دون العون التركي أو حتّى مشاركة هذا «العضو في الحلف الأطلسي»..
ثانيا: صعود تركية لتتحوّل من «دور اقليمي» (هامشي) إلى «ماسكة» أوراق «السيادة» (في المنطقة) أو على الأقلّ التحوّل إلى «الشريك» (الفعلي والفاعل) في كلّ «مشاريع المنطقة»….
من ذلك قبل الأتراك أو عرضوا لعب الدور الذي لعبته باكستان في أفغانستان أثناء الغزو السوفيتي، أيّ أن تكون القاعدة الخلفيّة للمدّ بالمال والسلاح والرجال…
جاء الوضع في سورية نسخة مطابقة للوضع الذي قام في أفغانستان، أيّ «جهد داخلي» يعاضده «جهد خارجي» جاء (في الحالتين) عبارة عن «فيالق من المجاهدين» هزّهم الشعور ذاته الذي هزّ «إخوتهم» (مع فارق الزمان والأرض) إلى أفغانستان زمن الاتحاد السوفيتي…
في قراءة مقارنة للحالتين السوريّة والأفغانيّة يمكن ملاحظة ما يلي:
أوّلا: لم يستطع «المهاجرون» أو من تمّ تسميتهم «الأفغان العرب» التحوّل إلى «العنصر الفاعل» على أرض الواقع «العسكري» ومن ثمّة «السياسي» في أفغانستان، كما هو الحال في سورية، أين أصبحوا يمثلون عدديا وعلى مستوى القيادة، العنصر الفاعل، بل الحاسم والمحدّد…
ثانيا: موقع تركية جاء أكثر «تورطا» على المستويين العسكري والسياسي وخصوصًا الإعلامي،
ثالثًا: لم تكن «الجماعات المسلحة» في أفغانستان بعدد نظيراتها في سورية، ولم تكن تشهد بينها التناحر ذاته، لأسباب عقائديّة، بل كانت في أفغانستان على أساس قبلي وعرقي…
حسبت تركية أنّ دورها لن يتعدّى «راعي الحديقة الخلفيّة» الذي يحصد «المنافع» دون أن تمسّه «المكاره»، حين بقي «القتال/العنف» لسنوات منحصرًا داخل «الجغرافيا» (التركيّة) ليتحوّل أو هو «ورّط» الطرف التركي منذ أن صارت الولايات المتّحدة تراهن على الأكراد مباشرة ودون مواربة، ومن ثمّة تدفعهم لتجاوز «الخطوط الحمراء» (التركيّة)، سواء على مستوى «السيطرة على المجال الجغرافي» (داخل سورية)، من باب حرمان النظام، أو (وهنا الخطر) الشروع في «التأسيس» لكيان كردي، يمكن أن يشكّل القاعدة التي (قد) تتوسّع لتهدّد «وحدة الأراضي التركيّة»…
دخول القوّات التركيّة إلى «جرابلس» يأتي الدليل القاطع والاعتراف العلني والتصريح المفضوح، على محدوديّة الاتكال على «الجماعات المسلّحة» سواء لخدمة المصالح التركيّة أو الدفاع عنها… من ثمّة كان على «الراعي» (التركي) أن ينزل بمفرده إلى «الميدان»…
تجد تركية نفسها راهنًا في تقاطع معادلات متناقضة، بل هو وضع شديد التحرّك وعديم الاستقرار:
أوّلا: لا صديق للدولة التركية في الخارج يمكن الوثوق إليه أو القول أنّه لن يخذل أنقرة، كما هو حال التحالف بين طهران، دمشق والضاحية الجنوبيّة لبيروت. فقط تركية عضو في «حلف أطلسي» وكذلك «في تحالف دولي ضدّ الإرهاب» لا يريدان بل يرفضات التورط معها أو عوضًا عنها.
ثانيا: الانقلاب الفاشل أظهر «هشاشة الداخل»، بل كذلك «ضخامة المؤامرة»، حين لا يمكن سواء سيكولوجيا أو عسكريا ومن ثمّة سياسيا، الذهاب في التوسّع الخارجي، على قاعدة «قلب موبوء» وأيضًا «قاعدة» (داخليّة) «مهتزّة»…
ثالثًا: انعدام القدرة على إرضاء «حلفاء» (الأمس) مقابل «أصدقاء» (اليوم)، يجعل من هامش المناورة التركي في تناقص مستمرّ، بل ستكون مجبرة في القريب العاجل (بحكم سخونة الورقة الكرديّة) على «إرضاء» هذا ممّا سيغضب بالتأكيد «الطرف المقابل»…
تعلم القيادة التركيّة استحالة التعويل على «الحلف السنّي» الذي دغدغت به أنقرة عواطف دول الخليج التي رأت في «الحليف التركي) ولا تزال ترى مجرد رأس حربة وعامل بالمناولة، لمصالحهم في سورية ومن ورائها إيران وحتّى روسية والصين…
كما تعلم القيادة التركيّة، أنّ «اللعنة السورية» ستصيبها، سواء من خلال «تطوّر المشروع الكردي» (برعاية أمريكيّة مباشرة ومفضوحة) أو ما وجب دفعه في المقابل للحلف المقابل (أيّ سورية ـ إيران ـ روسية)، حين اليقين التركي جازم باستحالة القضاء على هذا «السرطان» أو استئصاله دون «التعاون» (أي بمعنى الرضوخ) للحلف السوري الإيراني الروسي…
كما هو العقل الإخواني، يسعى أردوغان حاليا إلى أمرين:
أوّلا: افهام حلف «سورية ـ إيران ـ روسية»، أنّ «الانقلاب على الانقلاب» (بمعنى الانقلاب على الولايات المتحدة وحلفها الأطلسي)، يستلزم «وقتًا» (أوّلا) و يستوجب «ثمنًا» (ثانيا)، ممّا يعني أنّ أردوغان، يريد أن يأخذ قبل أن يعطي، بل يرفع الثمن ويخفض «سرعة الاستدارة» أو هي «استدارة» دون قيمة.
ثانيا: إفهام الولايات المتحدة الأمريكيّة أنّ بإمكانه الانقلاب عليها وعلى حلفها الأطلسي، ومن ثمّة عليها أن تدفع هي الأخرى، وتترك له هامشًا أوسع للحراك في المنطقة (ضدّ الأكراد)….
يحلم الأتراك ويدعو أردوغان ربّه بالقدرة على الحفاظ على التوازن الإيجابي بين المعسكرين، لكن هذه القفزة بهلوانيّة خطيرة، خاصّة أن لا شبكة أمان في الأسفل…
لم يعد حلم أردوغان «الصلاة في المسجد الأموي» (على عادة «أجداده» سلاطين من آل عثمان)، بل ألاّ يحلم بوتين أو خليفة أوباما بالصلاة في كنائس إستنبول أو ربّما (وهنا الأخطر) في إحدى الكنائس الأرثوذكسية في الشطر الشمالي من قبرص (المحتّلة وفق العقيدة المسيحيّة الغربيّة)…
73 تعليقات
تعقيبات: Lafuma outlet
تعقيبات: vivienne westwood store online
تعقيبات: cheap merrell
تعقيبات: cartier love bracelet replica
تعقيبات: hermes bracelet replica