ليست المرّة الأولى ولن تكون الأخيرة، بل سرى الأمر في مواقع التواصل الاجتماعي سريان النار في أكبر خزّان بنزين: «أصحاب الحسابات» (عندما لا نملك الدليل المادّي عمّن يقف وراء كلّ حساب) ينصّبون نفسهم ليس فقط «مدافعين» عن هذه الجهة أو تلك، سواء كانت حزبًا أو دولة أو تنظيمًا من أيّ شكل كان، بل يستبطنون «الحديث» نيابة عنها، ويصير الواحد (عن قصد أو عن لاوعي) يتحدّث بضمير «الجمع»، مثل قوله، أنّه في «حال هجوم» هذه الدولة على تلك، «سيكون موقفه» (كذا)…
كذلك، هناك خلط مرضي بأتمّ معنى الكلمة، بين مواقف الأشخاص وتصرفاتهم، ومواقف الدول وقراراتها، حين يعتبر الكثيرون أنّ «التشابه» بين موقف «مثقف» (أو أي شخصيّة اعتباريّة) وموقف هذه الدولة أو تلك، يأتي (بالضرورة) الدليل الأمثل على «التبعيّة» أو هي «العمالة»…
هي حالة ذهنيّة أو حالة تلبّس (بالمفهوم السيكولوجي للكلمة) «عوالم خياليّة» وكذلك «علاقات وهميّة»، كأن يقول أحد أنّه «سيقف إلى جانب هذه الدولة ضدّ تلك» كأنّ المعادلة في مجملها تترقب موقفه أو أنّ وكالات الأنباء الكبرى تتنظر تصريحه.
تأبين حركة حماس لسمير القنطار جاء كمثل التسونامي الذي أفاض كأسا ملآنة، بل فاضت من كثرة الذين ليس فقط «أغاضهم» قرار حماس وتصريحها وتصرفها، بل (وهنا المرض العضال) صاروا (أو البعض منهم) إلى «إصدار فتاوى تكفيريّة» وأخرون (من باب أضعف الأيمان) أعلنوا في بيانات حماسيّة «سحب الدعم» عن الحركة، محذرين من عواقب هذا «السحب» على الحركة ومقامها وحتّى مستقبلها، بل وجودها أساسًا… علمًا وأنّ هذا «الدعم» لم يتجاوز البتّة «الدعاء» (الذي علم الاستجابة له عند الله سبحانه).
كذلك مثل عدم سماح سلطات مطار القاهرة للجامعيّة التونسيّة أمال القرامي «زردة» (بمفهوم الفايسبوك) تبارى خلالها عدد كبير بين «الشماتة» حينًا أو «السخرية» أحيانًا أخرى، معتبرين أنها «شربت مقلبًا» (بالتعبير الدارج المصري) على أساس أنّها «تناصر السيسي»، وأنّ هذا النظام «لم يكف وفيّا» (لها)…
هنا نلاحظ خلطا بين موقف أمال القرامي المعادي للاخوان والمناصر للسيسي ولكل من يعادي الاخوان، من جهة، وافتراض (وهنا الخلط) أن تكون «علاقة عضويّة» بينها وبين النظام. الأمر الذي يفترض «جدلا»، أن يوليها نظام السيسي، «حدّا أدنى» من «المعاملة المتميّزة»… قد (وأقول قد) تتوافق أمال القرامي في موقفها من الإخوان وضرورة خروجهم من السلطة مع «منظومة الانقلاب» (في مصر) وعلى رأسها السيسي، لكن قد (وأقول قد) تختلف معه حدّ التناقض التام، ومن ثمّة من «الخطأ» (إن لم تكن كلمة أخرى) الحكم على الأمر (أي منع دخول) من زاوية «التوافق» في مسألة الإخوان…. كذلك لا تمنع المسألة طرح سؤال العلاقة القائمة إجمالا، بين المثقفين والأنظمة…
سمة عامّة زحفت كذلك على المنتديات الاجتماعيّة، مجرّد قول رأي، يحيل ليس على التصنيف بل على الولاء والتبعيّة، وحتّى العمالة والتوظيف المخابراتي.
من الأكيد أنّ العديد من «المثقفين» سقطوا إلى درك هذا النمط من التعامل مع بعض أو عديد الأجهزة، لكن (من باب الأخلاق والنزاهة الأدبيّة والعلميّة) يستحيل التعميم ويستحيل كذلك توجيه التهم دون بيّنات لا تقبل الدحض…
تضخّم خطير جدّا في «أنا» الفايسبوكي، عموم المتعاملين يتخيلون ذواتهم جزء فاعل بل «الأكثر فاعليّة» ضمن معادلات الصراعات الدوليّة، حين تأتي الكتابات على هذه المنتديات أشبه ما تكون «بيانات حكوميّة» أو «مواقف دول»… هذا يكفّر وذاك يأمر بالمقاطعة، والأدهى أن يصل الأمر حدّ اتهام صحفي صراحة وعلنيّة وبالكلام المباشر أنّه: «أنت لا تكتب ما أريد»، كأنّ على هذا الفاعل الاعلامي (الصحفي أو غيره) أن يستبق الزمن ويستبطن حاجيات هذا «الحاكم» ويأتيه بما يريد…
أخطر من هذه «الأفعال» الحالة الذهنيّة التي أسّست لها وجاءت بها، حين الخلط «المرضي» (فعلا) بين كلّ من «العالم المادي» من جهة، مقابل «العالم الافتراضي»، لينقلب العجز (الفعلي والحقيقي) في الأوّل مدخلا لصناعة بطولات «تعويضيّة» في الثاني، هذا دون الحديث عن «الحسابات المقنّعة» التي يمارس خلالها أصحابها ما لا يملكون ممارسته بصريح الوجه…
كمثل ممارسة العادة السريّة في انزواء وفي الظلام وبعيدًا عن أعين الأخرين، يمكّن الفايسبوك من ممارسة «أعمال سريّة» غير قادرة على التحوّل أو هو «مغادرة الفضاء الافتراضي»، ليصبح (وهنا الخطورة السيكولوجيّة) هذا الفضاء، ليس وسيلة تواصل وأسلوب للتبادل، لا يعوّض العالم المادي بل يكمله، يتحوّل إلى «عالم بديل»، حيث «البطولات الوهميّة» وكذلك «الجولات الخياليّة»…
من المفهوم بل من المعقول، أو هو من المطلوب، أن يعوّض «العالم الافتراضي» نظيره المادي، زمن الطغيان والجبروت، حيث يحتكر الطاغية الشارع ويمنع في عنف شديد أو تحرّك فيه، ليتراجع «النضال» (تحت أسماء مستعارة أحيانًا) إلى الانترنت، ليس من باب الخيار، بل البحث عن مجال (أو مجالات) لا يستطيع «الرقيب» السيطرة عليها (بالكامل)…
الآن وقد صار من هبّ يستطيع قول ما أراد، لا تزال الحسابات «الافتراضيّة» (ذات الأسماء الوهميّة والصور المستعارة) تعمّر الفايسبوك، والحال أنّ حال التسيّب لم يعد يبرّر مثل هذا التصرّف.
أزمة هذا الجيل الذي مارس الحب والكراهيّة والغزل والسياسية عبر الانترنت، أنّه لم يعد يفصل بين العالمين المادّي والافتراضي، بل صنع في الافتراضي (من باب الادمان) عالمًا بديلا، صار يلقي به على العالم المادّي، لذلك ينزعج هذا أو ذاك، من كتابات صحفي (لم يقابله طوال حياته) حين «يتحوّل» (هذا الصحفي) إلى غير الصورة المرسومة له في الذهن وغير الدور المنوط له ضمن توزيع الأدوار في العالم الخيالي…
لم يعد الفايسبوك «منتدى للتواصل الاجتماعي»، أصبح (في نسبة غير هيّنة) فضاء لصناعة «ذات» (بديلة) عن تلك الفاشلة أو العاجزة في الفضاء المادّي، ليكون مقدار العنف (اللفظي) على الانترنت، متناسبًا مع حجم العجز في الفضاء العام…
أزمة ستتعمّق في السنوات القادمة بالتأكيد…
1. الفاصل بين العالم المادي والإفتراضي بدأ يتذلل وينمحي بحكم أن الإفتراضي أصبح يرافقنا في كل مكان .. والتكنولوجيا بصدد دمج المادي والإفتراضي حيث سيستحيل الفصل بينهما عن قريب.. لست أدري كيف ستتشكل سيكولوجيا الأشخاص مع هذا الإندماج التام ..
2. هل أصبح الإفتراضي أكثر صدقا من المادي!؟ بما أن أكثر الناس لديهم الإستعداد عن التعبير بما داخلهم وكشف زوايا قناعاتهم وآراءهم في الفضاء الإفتراضي..
الافتراضي يمكن من النقيضين:
أولا: ارتداء كل الاقنعة دون خوف
ثانيا: التعري بالكامل دون خوف
على عكس العالم المادي، الذي يرفض (عادة) الاقنعة ويجرم “التعري” أو يستهجنه
عبارة مثقف لفتت انتباهي,
ما هو تعريف المثقف؟
هل أن الإسترزاق من مهنة معينة كالتعليم بمستوياته مثلا يرتقي بمن يمارسها الى رتبة مثقف؟
ما هي المعايير التي تعطي لأستاذ لقب مثقف و لا تعطيها لجراح أو مهندس؟
هل هذه عبارة تستعمل لاضفاء مصداقية لأقوال لاعلمية قصد تسويق آراء؟
سي عادل:
أهلا وسهلا بك قارئا ومعلقا، لكنك خرجت عن موضوع المقال
ثانيا: لا أعتبر أن استعمال مثل هذه العبارات يخدمك بما يجعلك تتفوق عن من تصف