رغم اعتراف فرنسا «المتأخر» (جدّا) بأنّ ما جدّ في الجزائر (بين 1954 و1962) كان «حربًا» وليس «عمليّة حفظ النظام»، فالجزم قائم لمن لا يزال يحمل (في عقله وفي فؤاده) الحدّ الأدنى من «قيم ثورة نوفمبر المجيدة»، أنّ «تطبيع» العلاقة (بالكامل) مع هذه «الحضارة» التي دمّرت البلاد وأفنت العباد، لا يزال يحتاج إلى أشواط عديدة، بل هي خطوات (قد تكون مؤلمة)، لكن على فرنسا الإقدام عليها، إن كانت (فعلا وحقيقة) تريد (لمصلحتها قبل مصلحة الجزائر) أن تتجاوز ما لا تزال تعيشه من «كوابيس مؤلمة»…
الأزمة مع فرنسا، تتجاوز (ما يراه بعض السذج من الجزائريين وكثير من الاستعماريين الفرنسيين) «الإرث المؤلم المشترك». ربّما يكون «إرثًا» بالمفهوم اللغوي المباشر، أو هو كذلك فعلا، لكنّه لا يمكن أن يكون «مؤلمًا» للطرفين بالدرجة ذاتها، ومن ثمّة لا يمكن بل يستحيل أن يكون «مشتركًا»، لأنّ معنى «الاشتراك» (وهنا الجريمة)، يجعل كلّا من «الجلاّد» وكذلك «الضحيّة» في درجة واحدة، ومن ثمّة يتمّ تجاوز «جريمة الاستعمار» (أو هي جرائمه)، إلى نمط من «المواساة» (المتبادلة).
أنهى اتفاق «إيفيان» بين جبهة التحرير الوطني، ممثلّة في «الحكومة المؤقتة للثورة الجزائريّة»، الحرب مع فرنسا في بعدها العسكري، وأحالت الصراع إلى أبعاد سياسيّة مباشرة، لكن لا أحد في الدنيا، مهما كان نفوذه ومهما ارتفع مقامه قادر على:
أوّلا: أن يلغي الجريمة في بعيدها الأخلاقي والتاريخي وأن يشملها بأيّ عفو كان.
ثانيا: أن ينفي الحقّ في الوصول إلى الحقيقة، كلّ الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة
ثالثا: أن يلغي واجب إصلاح ما أمكن إصلاحه، حين يستحيل (من باب الجزم) القدرة على العود بالتاريخ إلى الوراء…
إبراهيم سنوسي، جزائري، من صلب شهيد أهدى ذاته وروحه فداء لحلم الحريّة والانعتاق من الظلم وكسر أغلال الطغيان، يسعى منذ سنوات، دون كلل أو ملل، دون إعياء أو وهن، أن يستعيد ما استطاع من «تاريخ» الجزائر والعود به إلى الجزائر.
المسألة تعني التاريخ، على اعتباره «المعلومة» التي تتأسّس عليها «الذاكرة»، لكن تعني «الشرف» المهدور وأيضًا «العرض» المستباح الذي جعلته فرنسا لذاتها على مدى 132 سنة وما يزيد «إقطاعًا» لا تجوز مراجعته…
الأزمة القائمة في فرنسا ومعها والتي يثيرها هذا «الشهيد» (الحيّ)، تتجاوز «الجماجم» الجزائريّة المعروضة في متاحف فرنسيّة، ويكون واجبًا العود بها إلى أرض الوطن، لتنام راضية مرضيّة بين تراب سالت عليه دماء هذه الأجساد، تتجاوز إلى طرح الاختلاف (أو هو التناقض) بين «المشروع الوطني» الذي أسّست له جبهة التحرير الوطني يوم فاتح نوفمبر ولا تزال، وما هو «المشروع الاستعماري» (البغيض) الذي استباح المحرّمات وهتك عرض الشهداء، تحت تسمية «التاريخ» أو هي «الموضوعيّة» أو (ربّما وهنا المصيبة) أنّ هذه الجماجم تأتي وتمثّل «جزءا من تاريخ فرنسا» (الذي لا يجوز التنازل عنه)…
هو التاريخ بالتأكيد، وهو الماضي بالتأكيد، لكنّه الحقّ فوق ذلك، حقّ غير قابل للقسمة أو التجزئة أو التقادم أو التنازل أو هو النسيان التي تلعب عليه فرنسا الاستعماريّة وبعض أذنابها في الجزائر من خونة فقدوا الضمير أو أغبياء يفتقدون الأخلاق…
إذا كانت فرنسا (الدولة الرسميّة القائمة بمؤسساتها الفاعلة ومسؤوليها البارزين) تحاول تدوير الزوايا وتربيع الدوائر، حين لا تعترف بجرائم الدولة ولا تعتذر عنها، وفي الآن ذاته، «تقدّر» (الكلمة نطقها أكثر من مسؤول) «آلام الشعب الجزائري»، فالواجب تجاه ثورة لا تزال (على الأقل) «مشروعًا أخلاقيّا» تلزمنا بأن نقف تجاه هذا «التطبيع» وأمام هذا «الاعتداء على مقدساتنا» لأنّ الشهيد الذي هو من الأحياء عند ربّه، لا يمكن أن يكون أو أن يتحوّل إلى قيمة عابرة بين شعب ينتابه النسيان أو تتهدّده الغفلة…
إبراهيم سنوسي، شهيد فعلا، دون أدنى مبالغة وفي معان لا تحمل المزايدة، لأنّ الشهداء (الأمس واليوم) عندما انطلقوا في مهامهم، لم تقف أمامهم «موازين القوى» ولم «اعتبارات السياسة» (مهما كانت)، لأنّ «الشهادة» عقيدة وواجب وفي الأساس «أساس الوجود»، حين لا يمكن سواء لمن لفظهم التاريخ أن يتنكروا لماضيهم ويتركوا شهداءهم أو يتنازلوا عن حقوقهم.
لم تتنازل جبهة التحرير الوطني إبان حرب التحرير عن شبر من أرض الوطن، كذلك لن نتنازل عن جمجمة واحدة من جماجم شهدائها، المعروضة للفرجة في هذا المتحف أو ذاك…
19 تعليقات
تعقيبات: patagonia nano puff jacket sale
تعقيبات: karen millen outlet
تعقيبات: ugg on sale
تعقيبات: vibram five fingers where to buy
تعقيبات: cheap mulberry bags