سواء من قال أنّها «القدرة الربّانية» أو «القضاء والقدر»، أو توغل في «نظريّة المؤامرة»، عليه أن ينظر إلى المشهد (السياسي) التونسي ليوم 20 ديسمبر 2015، في صورة «الرموز» المتقابلة وإن كانت متناظرة أحيانًا ومتنافرة أحيانًا أخرى.
كمثل «قانون الطبيعة» أو ربّما «قانون الغاب» (السياسي)، حزب يولد وحزب ينشطر مكمّلا رحلة شاقّة من العراك المادي والتلاسن البذيء، لنقف أمام تشكّل المشهد من جديد أو هو مثل «مباراة كرة القدم»، واحد يغادر بقرار من «الممرّن» وآخر يعاود اللعب.
منطق «كرة القدم» لا يمكّن من التعبير الحقيقي عن منطق «كرة السياسة» في تونس:
المرزوقي يعلن اليوم ميلاد حزب «جديد» على أنقاض «بناءات سابقة» في حين يعلن محسن مرزوق «الانشقاق» (علنًا) أو هو المرور إلى الفصل والانصراف إلى حزب جديد.
هو تشابه فعلا، أو بالأحرى نقاط لقاء (عفويّة):
أوّلاً: العداء الشديد والقطيعة الكاملة (كلّ من موقعه وحسب موقفه) مع «نداء تونس»،
ثانيًا: الرجلان طال مكوثهما خارج الريادة السياسيّة (الفعليّة)، حين بقي المرزوقي «منزويا» وبقي مرزوق في «ظلّ» الباجي وتحت حراسة ابنه، ليفلت كلّ منهما من «عقال» الشكليات المقيتة وينطلق كلّ منهما (على طريقته) في تأسيس حزب ما بعد «الهزيمة». هزيمة محمّد المنصف المرزوقي في الانتخابات، وهزيمة محسن مرزوق أمام «شركاء الأمس»… كل منهما يحمل أسفل الحلق مرارة، سواء مرارة «الهزيمة» أو «غدر الأخوة»…
كل منهما يعتقد بقدرته على اللعب في «مساحة مفتوحة» (بالمفهوم الكروي)، أيّ ذلك «العمق الشعبي» القادر (هذا وذاك) على تحويله إلى «معين انتخابي»:
ـ محسن مرزوق: يعتقد بقدرته على تعبئة رصيد من «الندائيين» الغاضبين والرافضين لتحالف «النداء» مع حركة «النهضة»، ولما يقول أنه سعي للتوريث وكذلك «سوء إدارة» وانعدام القرار.
ـ محمّد المنصف المرزوقي: يرى بأنّ الفرصة أمامه ليكون «الخيار الجديد» بين الخيارات المتعاركة صورة ومتحالفة أصلا.
وجب الجزم أنّ كلاهما يلعب على «كتلة بشريّة» حقيقيّة، عندما لا يزال جزء ممّن صوّت للمرزوقي يعادي (بالجملة وإن كان بدرجات متفاوتة) النهضة والنداء والجبهة، ويرى في «المرزوقي» (الشخص والمشروع والرمز) الجهة الوحيدة، القادرة ليس فقط على تكوين «الطريق الثالث»، بل (وهنا أهميّة الخطاب) «اعادة احياء المشروع الثوري في البلاد»، حين ترى عديد «المراجع الثوريّة» أنّ كلّ «الطبقة» (الحكوميّة على الأقلّ) «خانت أهداف الثورة»…
ممّا يعني أنّ المرزوقي (ومن معه) سيلعبون (وفق خطة طبعًا) على مسار الرفض (الايديولوجي) وكذلك (ما يسميه البعض) «الانتكاسة الثوريّة» في البلاد.
في المقابل جزء من العمق الانتخابي للنداء يرفض خيارات الباجي لأسباب أيديولوجيّة، ويعتبر «التوافق/التحالف» مع النهضة ليس فقط فعلا «معيبًا» بل «خيانة» للتموقع الذي أنشأ «نداء تونس» (أوّلا) وكذلك «نكثًا» للوعود الانتخابيّة ثانيا، وأيضًا مخالفة صريحة مع «منطق الغنيمة» (الانتخابيّة) ثالثًا…
يشترك «حراك تونس الإرادة» مع «حركة فداء» في خروج كلّ منهما من معركة «إخوة أعداء» وثانيا (والأهمّ) أنّ هذه المعركة لم تحسم بعد، حين لم يركب أو لم يلتحق الكثيرون من «رفاق الساعات الأولى» بحزب المرزوقي الجديد، سواء لرفضهم (ربّما) التوجه القائم، أو كما بدا على مواقع التواصل الاجتماعي من نقد لاذع لعديد الأسماء التي أتى اسمها ضمن قائمة المؤسّسين، في حين لم يحسم محسن مرزوق معركته مع «شركاء الماضي» (هو الأخر) على مستوى «الميراث» أي القواعد والجهات، وكامل (أو جزء) من ماكينة النداء الرهيبة…
مشهد جديد ومشهد غير مألوف، يرفض «التثنية» أو منطق الثنائيات المتقابلة، بل نحن (على مستوى المشاهدة) أمام صورة أشدّ تعقيدًا من صورة «النزال الثلاثي في مقبرة» في الغرب الأمريكي (الفيلم من اخراج سارجيو ليوني)، حين سيعادي الكلّ الجميع في تونس، أو ربّما كما عادة السياسة والسياسيّة، ترتيب العداوات والاستعاضة عن بعضها بتحالفات «وقتيّة»…
هذه الاستعاضة الأوليّة، أو السعي لحسم المسألة داخل «الحلقة الأصغر» قبل المرور إلى «الحلقة الأوسع» ستجعل «الأقربون أولى بالهزيمة»، ممّا يعني أنّ «حراك تونس الإرادة» سيدخل في حرب ضروس مع النهضة ليس فقط، تحديدًا للحدود الفاصلة بين الطرفين، بل أوّلا لتحديد «مساحة كلّ طرف»، وثانيًا رسمًا للحدود، وثالثًا (وهذا الأخطر) تصفية لحسابات عالقة منذ الانتخابات، حين كسب المرزوقي 45 في المائة من الأصوات بفضل عمق النهضة. النهضة التي ترى في المرزوقي «ناكرًا للجميل» (الانتخابي)…
على الضفّة الأخرى لن تكون الحرب أقلّ ضراوة من حرب النهضة مع شريكها في الترويكا. عمق دستوري/تجمعي/يساري/حداثي لم يكمل المعركة، ولم يحدد المساحات ولم يرسم الحدود، والأهمّ لم يقم بجرد «الحسابات» السابقة، سواء منها القريبة أو عند فتح «الدفاتر القديمة»…
يمكن الجمز (بمنطق كرة القدم) أنّ «البطولة» (السياسيّة) على وشك الانطلاق، بطولة الوصول إلى «عرش قرطاج» أوّلا، حين الجزم داخل جماعة المرزوقي، عندما صرّح عدنان منصر للإعلام مرّة: «أن الباجي لم يكمل عهدته الانتخابيّة»، وحين اليقين ذاته داخل جماعة مرزوق، بل أشدّ فظاعة: «بأنّ الباجي غير قادر على الحكم»…
ممّا يعني أنّ مرزوق والمرزقي يتفقان حدّ التطابق في أمر واحد: إزاحة الباجي…
المقاربة والمقارنة بين مرزوق ومرزوقي في يوم 20 ديسمبر بالذات ممتازة ومفيدة جدا، المبارزة بين الإثنين على كرسي رئاسة ينتظر شغوره في أي وقت..كانت متوقعة منذ مدة ولكن ليس بهذه الصورة ..خلنا وتقريبا تيقنا لوقت ما أن مرزوق سيرث السبسي بإنقلاب سريري مثل سناريو بن علي مع بورقيبة، ولعل إستعجاله للأمر فضح أمره فالتقف الجبنة غيره..
سؤال مهم في تقديري لا أجد له إجابة واضحة في هذا المقال هو كيف سيتمكن كل منهما من إيجاد قاعدة شعبية حقيقية وما هي توقعات نجاحه لتجميع قاعدة شعبية… ومن أكثر منهما حظا…هذا من جهة ولكن من جهة ثانية ..هما ليسا وحدهما في الميدان فالنهضة قد تدفع بمرشح لها لن يكون مرزوقي ولا مرزوق ثم النداء سيدفع بمرشحه ..أو ربما مرشح واحد لكليهما ..