جاءت استقالة رضا بلحاج مدير الديوان الرئاسي ذات منحى «درامي»، أو يريد البعض أن يقدّمها في «دراميّة» المشهد الأخير من أكثر مسرحيات شكسبير الأكثر دراميّة وسوداويّة وحزنًا، كأنّنا أمام رائعة حنّا مينا «نهاية رجل شجاع» أو هو (بتعريب المثل التونسي): «الرجل الذي (كان) يسدّ أبواب البلاء»؟؟؟؟
هل إلى هذا الحدّ تمثّل استقالة رضا بلحاج أو هي تأتي كمثل انهيار «سدّ مأرب»؟؟؟؟
أهمّ من الاستقالة ذاتها، نصّ الاستقالة، وما ذهب إليه الدارسون من «استنطاق» للنصّ أو هو (علم) «التأويل»، بل أحيانًا (الكثير من) «التعسّف» إن لم نقل «تطويع النصّ» في هذا الاتجاه أو ذاك….
مهما تكن زاوية القراءة، يحمل النصّ ويحيل على «مرارة» (غريبة) حين نعلم أنّ الرجل، كان (إلى حين الاستقالة) ومنذ أن كان وزيرًا في حكومة الباجي، أقرب الرجال إليه وأكثرهم طاعة وأشدّهم انضباطا للبجبوج، بل احتلّ الرجل (أي رضا بلحاج) مكانًا هامّا ضمن «المربّع» الذي طالما ما صاحب الباجي في حلّه وترحاله….
هذه المرارة التي لا يمكن انكارها، تأتي أقرب أو هي «لوم المحبّ» (اللاذع) لمن يحبّ (أيّ الباجي)، ليس فقط للهجر والهجران، كمثل «شعراء الغزل»، بل (وهنا الأهميّة) أنّ «الباجي» (ربّما) «أساء الظنّ» بهذا «المريد» (المطيع)….
هو أقرب إلى العزل أو هي «إقالة» اتخذت شكل «الاستقالة». النفي القائم ضمن الاستقالة على أنّ «الرجل غادر بمحض إرادته» هو أقرب، بل هو «تكذيب» يعلم صاحبه أنّه اليقين، أو (بالأحرى) هو «يقين لدى الخاصّة والعامّة»، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ (نصّ) «الاستقالة» يأتي ويمثل «وسيلة» لأمرين:
أوّلا: درء «الشبهات» والتأكيد أنّه يغادر «الرئاسة» بعد أن «أكمل المهمّة» (وفق النصّ) وهنا يكون السؤال عن «ماهيّة» (هذه) «المهمّة»، وثانيا والأمر مهمّ أيضًا أنّه يغادر بملء إرادته، وليس مدفوعًا أو تحت أيّ ضغط.
ثانيا: يؤسّس رضا بلحاج من خلال الاستقالة إلى العود إلى «الحياة السياسيّة»، أيّ أن الرجل، سيأخذ من الوقت ما هو ضروري من باب القانون أو حتّى الإعداد، بما يليق بهذه «الانطلاقة» (الجديدة)…
من الأكيد وخلاصة الرسالة، أنّ الرجّل «أدّى الواجب» وأنّه ليس «من أتباع الباجي» (الذين لا يملكون إرادة) بل (وهنا لبّ المرارة) قادر على «الطيران» (بأجنحته) بعيدًا عن «قفص القصر الرئاسي»…
ضمن الدائرة الأوسع للوضع العام في البلاد، لا تقدّم هذه الاستقالة ولا تؤخّر، أيّ أنّها (بلغة القدامى) لا تمثّل «خيرًا يذكر أو شرّا ينكر»، حين لا يمكن لأيّ كان أن يتخيّل أنّ (سي) رضا بلحاج، قادر على «قلب المعادلة» (في البلاد) أو حتّى الحسم في أيّ من «المعادلات» (الصغرى) التي تكوّن مجتمعة «المعادلة» (الكبرى)…
فقط ضيق الأفق وتعقيدات «المعادلات» (المتداخلة)، جعل أو هو يلزم الإعلام كما الطبقة السياسيّة، بأنّ تهلّل لأيّ حادث، بل تعتبره «نقطة انقلاب» (بالمعنى الهندسي الرياضي) point d’inflexion للمسار السياسي بأكمله…
رضا بلحاج، اختار منذ البدء أن يكون في صفّ «رئيسه» وأن يبقى «مديرًا للديوان» بعيدًا عن «ضوضاء» الحركة والعنف الذي صاحب الانقسام، أو هو أراد أن يكون أقلّ ظهورًا بل وارتباطا وتؤثّرا بهذا «الانفصال»، حين فضّل أن يكون أقرب أو هو «رجل الرئيس» وليس «ولد ماكينة» (الحزب)…
إنّها «الشرنقة» التي تغادر وضعها القديم لتدخل حياة جديدة، أو ربّما (أو هو شبه التأكيد) أنّ الرجل لم يعد «رجل الباجي» وعليه أن يتعلّم «العوم» (بمفرده)، بعد أن «ولد» (سياسيّا) في «حجر» (الباجي)، عندما يكون الجزم أنّ الرجل (أي رضا بلحاج) مثلّ «نكرة» (بأتمّ معنى الكلمة) قبل أن يصطفيه رئيس الحكومة (آنذاك) ضمن «خاصّة الخاصّة» أو «نخبة النخبة»….
كان الرجل قبل 14 جانفي محاميا لم يبرز ولم يستطع نجمه ولم يكن (مثل العديد من المحامين) ذلك «الأسد» في وجه بن علي…
علم الاجتماع السياسي، مطالب بدراسة ظاهرة «التحوّل السياسي» في تونس، من باب «صورة» هذا التحوّل من خلال الاستقالات والانقسامات والصراع، وليس هذه التحوّلات في ذاتها، التي أصبحت (على مستوى الشكل) ليس فقط «ممجوجة»، بل (وهنا الخطورة)، سيصطفي الإعلام منذ الغد «ظاهرة» (اعلاميّة أخرى)، تغطّي «الاستقالة»، بل تدخل بصاحبها إلى طيّ الكتمان ومجال النسيان، إلاّ في حال برز من خلال فعل آخر أو تحرّك جديد…
نحن في بلد أشبه بقطعة من الثلج أو الجليد وقد بدأت شمس صيف قائض تحتلّ كبد السماء، حين لا فائدة من الصراخ أو المناداة أو التنبيه بأنّ الحرارة ستحوّل قالب الجليد إلى ماء سائل، حيث يتمّ المشهد أمام مرأى وعلى مسمع من الجميع، وكذلك تأتي سرعة الذوبان أقلّ ممّا تلاحظه العين المجرّدة، لذلك (مثل هذه الاستقالة) لا يمكن أن نغفل عنها، ونعتبرها دون تأثير أو عديمة القيمة، وأيضًا لا يمكن الخروج إلى الشارع والصراخ أنّها ستقلب الأوضاع…
حرب البسوس الدائرة في تونس الآن وحرب «الاستنزاف» الدائرة راهنًا تدفع جميع الأحزاب والكيانات السياسيّة، والشخصيات الاعتباريّة، إلى قراءة هذه «الاستقالة» من باب «النفع» كما «الضرر»، وأيضًا، سيعمل «المحيط التقليدي» (للرجل)، أيّ «النداء» (القديم) إلى قراءة «الاستقالة» من باب «الاستفادة» أو منح أيّ «جهة معادية» من الاستفادة منه…
لا غرابة أخي، إبن أبي و أمّي، نورالدّين الفرجاني، فالباجي تتلمذ على أيدي بقايا البايات، و غلمانهم من الجيش الإنكشاري، و المفسد الأكبر، و لذلك كان لا بدّ له ان يتأثّر بهؤلاء “أكلة الرّجال”، و منذ 17 فيفري 2010، كنت أنت يا نورالدّين اوّل رجل اكله، و أقصاه، انسيت!؟ ثمّ عاد و تخلّص من كثر آخرين، من جملتهم العكرمي، و الهمّامي، و سمير بالطيّب، و البكّوش، و فوزي اللّومي، و البيدق الطّريّ محسن مرزوق، و أخيرا رضى بالحاج، و ها هو الآن يريد التّخلّص من احمد نجيب الشّابي. و لكنّ من سيأتي بأجله، أكيد، سيكون “كمال مرجان” المسنود من السّواحليّة، و معه لن يفلح دهاء، و تكتيك الباجي. و الأيّام بيننا. و السّبب ليس دهاء مرجان، و لكن “القيم الإجتماعيّة للسّواحليّة”، الذين تربّوا عليها، و هي عدم طعن أيّ واحد منهم لأخيه من الخلف، كما فعل، و يفعل بقيّة العريبة من الجنوب، و الوسط الغربي، و الشّمال!؟ نعم، و الدّليل “الصيّاح الجندوبي، و غديرة الزّغواني، و مؤخّرا تصويت معظم أهل جهات الوسط، و الشّمال، و الجنوب الغربي لنداء تونس، و غيرهم من المجرّبين منذ عهد البايات، و المفسد الأكبر، و زين الفاسقين!؟”. و المثل يقول: اللّي يجرّب المجرّب، عقله مخرّب. هذه هي الحقيقة. الله يقدّر الخير، آمين، سلام.
تستاهل طيارة لا طيارة شوية عليك…
شكرا على الصاروخ
لماذا لم يتم التطرق لدور زوجته القاضية، وأهميتها في حياتها السياسية، ودورها في ربطه بدوائر السياسية في تونس وخارجها.
علينا التمييز بين المعلومة والاستنتاج…