يمكن الجزم دون أدنى نقاش أنّ إعدام الشيخ «نمر باقر النمر» يمثّل «البيان الأوّل»، الذي تريده قيادة المملكة العربيّة السعوديّة متجاوزًا للمملكة (النظام والقيادة السياسيّة) ليشمل ويكون نيابة عن «التحالف الاسلامي لمكافحة الارهاب»…
لا يمكن لأيّ كان أن يعتبر هذه الخطوة التصعيديّة الخطيرة (أيّ الاعدام) ذات بعد «قانوني» بحت (أي التشريعات المعمول بها في المملكة، مهما كان الموقف منها)، أو هي ذات شأن «داخلي» (أي علاقة دولة بأحد رعاياها حين يغيب معنى المواطنة في المملكة)، بل هو «إعلان حرب» (بأتمّ معنى الكلمة)، وأخطر من «إعلان حرب»، حين يمثّل انتصارًا من السلطة الحاكمة وانحيازًا إلى كلّ «الأطراف» (السعوديّة والاقليميّة والدوليّة)، التي تريد أن تشعلها «حربًا ضروسًا» بين كلّ من السنّة والشيعة…
لا تتعلّق المسألة بالموقف «الفقهي/الشرعي/السياسي» من هذا المذهب، أو بالأحرى من المذاهب الشيعيّة، ومدى قبولها أو الاعتراف بها ضمن «الذات الاسلاميّة»، ولا تحديد (شكل) «العلاقة» مع هذا «العدوّ» (حين تعادي السعوديّة إيران من منظور «مذهبي»)، بل الوقوف على التأثيرات «الجيوستراتيجيّة» لهذا العمل، الذي يمثّل بحق «القادح» أو هو «الشرارة» في منطقة أشبه بمخزن جميع براميل البارود في العالم.
يمكن الجزم أنّ السلطات السعوديّة أقدمت على هذا «الاعدام» من منطلق الرغبة في إعادة تشكيل المنطقة على أساس «جبهة جديدة» أو هي «الجبهة الأهمّ» في تناس أو تجاوز أو حتّى هدنة إن لم نقل «صلحا»، مع جهات كانت السعوديّة معها في حرب، وهي اليوم (بهذا الاعدام) تقف معها بل «سواسيّة» في حلف ضدّ إيران وضدّ الشيعة…
هناك خلط مرضي ورغبة في مزج الأوراق والدخول بالمعادلة الاقليمية في متاهات جديدة، المملكة العربيّة السعوديّة التي تعيش الآن حروبًا على الجبهات التالية، سواء كانت حروب قتالية أو مواجهة اقليميّة:
أولا: الحرب (العسكريّة) على اليمن، التي يمكن الجزم (حين نكون غير صارمين) أنّها «لم تحقّق (بعد) أهدافها»، حين غرقت «دول التحالف» (أي المملكة أساسًا) في الرمل اليمني وعجزت في «القضاء على خصومها» ومن ثمّة تنصيب «نظام موال»، واغلاق ملفّ هذه «الحديقة الخلفيّة»…
ثانيا: الحرب على إيران، حين اشتدّ الموقف السعودي منذ امضاء الاتفاق النووي بين كلّ من إيران والولايات المتحدة، التي رأت فيه الرياض، أنّه نصر لجارتها «اللدودة»، وكذلك (وهنا الخطر) سيجعل إيران تستقوي على جيرانها في المنطقة، دون أن ننسى رفع الحظر الذي سيفتح أجنحة نظام طهران أكثر من ذي قبل.
ثالثا: الحرب على سورية، ودخول «الدبّ الروسي» على الخطّ، بأسلحة استراتيجيّة في المنطقة وخطاب واضح من القيادة الروسيّة، بأنّ موسكو لم تأت من باب «المزاح»، وأنّها «لن تتراجع أمام مصالحها».
رابعًا: الحرب على الاخوان، التي ساهمت فيها السعوديّة (بمعيّة الإمارات)، في مصر، حين مثلت هذه الدولة وتلك «الراعي الرسمي والعلني» لانقلاب السيسي، مع ما صاحب ذلك من عداوة مفتوحة (ومفضوحة) من قبل وسائل الإعلام السعوديّة للإخوان ودعمًا غير مسبوق للانقلاب.
حاجة السعوديّة إلى حلفاء في حروبها المفتوحة، وتراجع حلفائها (التقليديين) قليلا، بل عدم جديتهم في الوقوف إلى جانبها (قطر وتركية مثلا)، دفعها من منطق براغماتي، إلى «إعادة ترتيب العداوات» والسعي (وهنا التحوّل) إلى جعل «أعداء الأمس» بمثابة «حلفاء اليوم»…
إشارات الغزل التي أرسلتها ولا تزال السعوديّة ترسلها إلى «الطيف الاخواني» والقول والتأكيد أنّ «الملك سلمان» غير من سبق، ترمي إلى «الرفع من القدرات القتالية»، ومن ثمّة تحويل الاخوان من «أعداء تاريخيين» إلى «حلفاء استراتيجيين»، لتعيد بهم المملكة «السيناريو الأفغاني» في اليمن، وتذهب فيه إلى أقصاه في كلّ من سورية والعراق….
إعدام الشيخ «نمر باقر النمر» يمكن الجزم أنّه يمثّل «المهر المطلوب» لزواج المصلحة بين القيادة السعوديّة، وكامل الطيف المعادي للمذهب الشيعي من منظور عقدي، أيّ «السلفيات» (جميعها) وطيف من «الاخوان» (غير هين) وبالتالي على هؤلاء (وفق المنظور السعودي) أن يعتبروا «الرياض» رأس الحربة في مقاومة «المذهب الشيعي» (أوّلا) وكذلك (بل أساسًا) محو الخلافات القائمة (على المستوى العقدي) بين كلّ من هذه الجماعة والمذهب الوهابي، ممّا يعني تركيز «قوس قزح اسلامي» سنّي (أي «الحلف الاسلامي المعادي للإرهاب)، تكون السعوديّة فيه القلب والقيادة السياسيّة، والمذهب الوهابي، القلب والقيادة الدينيّة/الفقهيّة…
تأتي كلّ هذه التحولات الدراماتيكيّة، في زمن لم تعد المملكة ترقد على «خميرة ماليّة» لا تنضب، ومن ثمّة يمكن الجزم أن الرياض التي لم تكن (طوال تاريخ آل سعود) تملك من الأسلحة غير المال، قد دخلت في «مقامرة» خطيرة وقد تكون مميتة، لأنّ هذه الحرب، تتطلب:
أوّلا: رجالا تريدهم السعوديّة من هذا الطيف الاسلامي، ليكون السؤال عن مدى استجابة هذا «الطيف الاسلامي»، واللون الإخواني، وقدرته على تناسي ضغائن الأمس والعداوة التاريخيّة مع الوهابيّة/
ثانيا: مالا، في زمن صار السؤال في السعوديّة ليس عن توفير المال للحروب، بل ضمانًا لهذا «الرخاء الاجتماعي» (الداخلي)، الذي يمثّل الضمان «الأوحد» ضدّ أي تحركات اجتماعيّة قد تعصف بالنظام،
ثالثًا: سلاحًا، توفره الولايات المتحدة ومن معها ضمن الوفاق الغربي على المنطقة، ضمن شروطها وبما يخدم مصالحها…
الأكيد وما لا يقبل الجدل:
أوّلا: تخطي السعوديّة خطوة لا يمكن التراجع عنها، وهي بالتأكيد «اعلان حرب» في المنطقة،
ثانيا: يلعب النظام السعودي كامل مستقبله في عمليّة «قمار» خطيرة، حين يستبطن إعادة «السيناريو السوري» تجاه إيران وعلى نطاق أوسع
ثالثًا: لا تسيطر القيادة السعوديّة على عامل الزمن أو كامل المنظومة التي تريدها تحت يديها، حين ثبت (بالتاريخ) استحالة السيطرة على أيّ «تنظيم جهادي» وحمايته من الاختراق والانفلات.
من ثمّة يمكن الجزم، أنّنا دخلنا «حربًا» أخطر ممّا جدّ في أفغانسان وأوسع ممّا يحدث في سورية، لأنّ الجغرافيا أوسع والرهانات أقرب إلى خيار بين الحياة والانتحار.
83 تعليقات
تعقيبات: ugg buy
تعقيبات: Lafuma store online
تعقيبات: shop online chanel
تعقيبات: buy oakley sunglasses
تعقيبات: prada heels sale