لمن لا يعلم ولا يدري ولم يسعف نفسه بالاطلاع على ثنايا التاريخ القريب جدّا، حركة المقاومة الإسلاميّة المعروفة اختصارًا تحت تسمية «حماس»، لا تزال إلى يوم الناس هذا، على الأقلّ شكليّا، فرعًا من فروع تنظيم الإخوان في جمهوريّة مصر العربيّة، حين لم يعلن أحد من الجناح الدعوي للحركة في غزّة، فكّ الإرتباط.
كذلك عندما تقيم «فصائل العمل الوطني والإسلامي» [القيادة السياسيّة المشتركة]، بالاشتراك مع «الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينيّة» [قيادة أركان بالمعنى العسكري المباشر]، في غزّة، بيت عزاء للراحل قاسم سليماني وتصرّ على «نعي (هذا) القائد الكبير» [كما جاء على الصورة]، بمن في ذلك حركة حماس، سواء القيادة أو الجناح العسكري، أيّ «كتائب القسّام»، نعلم ونرى وندرك ونقف بل نتيقّن بما هو «انفصام خطير» بين هذه الحركة الجهاديّة التي لا يزايد عليها أحد، لا على مستوى الوقوف في وجه العدوّ الصهيوني الغاشم، ولا (وهنا الأهمّ) مرجعيتها الاخوانيّة البيّنة والصريحة على المستويات الثلاث : الدعوي والسياسي والعسكري، مقابل «جسم اخواني» عبر الوطن العربي وكذلك الاسلامي، متراوح بين كره مبطّن للراحل وما يمثّل وما هي الدولة أو بالأحرى المشروع، وبين عداوة مباشرة، بل شماتة صريحة بموته، حين اعتبر أحدهم أنّ «كافرًا قتل فاجرًا».
بمنطق القراءة السيكولوجيّة والتعمّق الأنتروبولوجي وكذلك علم الاجتماع السياسي، يمكن طرح سؤالين، بخصوص مدى سلامة العقل الجمعي الاخواني، وكذلك على هذا العقل، بخصوص ما يلي من تناقض مرضي بمفهوم علم النفس السريري :
أوّلا : ما الذي يجعل أبى عبيدة ومن معه ومن وراءه من الجسم العسكري للحركة ومعيته من القيادات السياسيّة، تُكبر دور الراحل، وتعتبره «خسارة لفلسطين» ؟؟؟
ثانيا : ما الذي يجعل العقل الإخواني وما هو وعيه بالتاريخ ورهانات الحاضر وتحديات المستقبل، ليس فقط لا يرسل رصاصة واحدة إلى غزّة المحاصرة، بل تقبل أن يتولّى الأمر من هم [حسب ذات العقل] «أعداء الأمّة من الروافض» ؟؟؟؟
اجابة عن السؤالين قد (ونقول قد) نقبل لفظا وتصريحًا ما قد يراه البعض بأنّ «ظروف المنطقة» وكذلك «توازنات المرحلة» وأيضًا «رهانات المستقبل» تجعل «منظومة الإخوان» بمن فيها التنظيمات السياسيّة والدول ذات ميولات صريحة، لا تستطيع ارسال السلاح والذخيرة، ليكون السؤال في صيغة أرفع : ما الذي جعل هذه «المنظومة» [التنظيمات والدول] ترى في فلسطين من «الموانع» (الشرعيّة) وتعفي نفسها بالتالي من «التورّط»، في حين ترى (أو هي رأت بل تيقّنت) بتوفّر «الشروط» (الشرعيّة) ضمن الحالة السوريّة، لتنزل «المنظومة» [التنظيمات والدول] بطمّ طميمها، وترتمي بل تغرق في المستنقع السوري، بمئات الآلاف من الرجال وآلاف الأطنان من السلاح، دون أن نغفل ملايير الدولارات ؟؟؟؟
كذلك، أليس تركيا، حليفة الإخوان ونصيرهم ورافع رايتهم وحامي حماهم، دولة أنجزت «معجزات» اقتصاديّة وصاحبة جيش جرّار وصناعة عسكريّة جبّارة، قدّمت غوّاصة كما عرض الإعلام، متقدّمة اقتصاديّا وعسكريا على إيران (وفق كتابات عديدة مناصرة لتركية). ليكون السؤال البسيط في جزأين :
أوّلا : لماذا ترضى تركية وزعيمها رجب الطيّب أردوغان، وهو الذي لا يُخفي طموحات بلاده (المشروعة) بريادة كامل المجال السنّي، أسوة بما كان لمن هم «أجداده» من «آل عثمان»، بأنّ يقاتل مجاهدو «حماس» بسلاح «صفوي»؟؟؟
ثانيا : ما الذي تملكه إيران لترسل السلاح وتفتقده تركية؟؟؟؟
في تونس مثلا، وفي علاقة بما هي مناهضة التطبيع جاهدت «حركة النهضة» وناضلت وأبلت جهدًا ضخمًا جدّا، لتفادي طرح المسألة على التصويت في البرلمان، وأكثر من ذلك ادراج الأمر في الدستور، على اعتبار الأمر (وفق ما يصرّح به قادة الحركة في مجالسهم) سيتسبّب في احراج «مجاني»، أمام المراجع الغربيّة، ليأتي الرئيس الحالي قيس سعيّد (المحسوب على إيران وفق قراءات نهضويّة) منذ المناظرة التلفزيونيّة، ليندّد بالصهيونيّة ويفصل في أمر «التطبيع» على اعتباره «خيانة».
أسّست الحركة، بل هي لا تزال تعمل وتنظّر وتتنفّس وفق «فقه الضرورات» الذي تحوّل أو كاد إلى «فقه المحرّمات»، مثلما ردّ الأستاذ الشيخ راشد الغنوشي في الكتاب/الحوار الذي أجراه معه الصحفي الفرنسي من أصول إيطاليّة «أوليفي رافانيلّي»، عن سؤال بخصوص «ضحايا العمليات [الاستشهاديّة] التي تقوم بها تنظيمات فلسطينيّة داخل العمق الفلسطينيّ، بأنّه يندّد بالعمليات التي تصيب «المدنييين» من الصهاينة.
لمن لا يُصدّق، الكتاب متوفّر عند الأخ والصديق عبد الحقّ زموري [انقر هنا للاتصال بالسيّد عبد الحقّ زموري للحصول على نسخة مدفوعة الأجر].
شكّل التأبين والتعزية من قبل حركة المقاومة الاسلاميّة «حماس»، لكلّ من سمير القنطار ومن بعده عماد مغنيّة وصولا إلى قاسم سليماني، صفعة بالمعنى الحقيقي للكلمة للوعي الجمعي الإخواني»، حين يرى (هذا الوعي) أنّ «درّة التاج الإخواني» حركة حماس تتسلّح وتجد المدد والدعم العسكري، من لدن من ينصر ويدع «النظام العدوّ» في سورية، بل الأخطر من ذلك يرون ويشهدون أنّ «الجوهرة فوق التاج الإخواني» أيّ كتائب القسّام، على لسان الناطق بإسمها تذهب طويلا في تثمين دور إيران [العدوّة]، مع شكر عابر وخفيف لمن قدّم المال حصرًا…
منذ اعدام شهيد الحركة السيّد قطب، وتوالي الهضيبي والتلمساني على رأس التنظيم في مصر، قلبت المنظومة الاخوانيّة وما يردفها من تنظيمات، في فترات متتالية بفعل الزمن المطلوب للارتداد، ظهر المجنّ، وصارت تهادن أو تعمل إجمالا على مهادنة الأنظمة بل والسعي كما فعلت حركة الاتجاه الاسلامي في تونس عندما بدلت الثوب لتصير حركة النهضة، ولم تتوان المنظومة البتّة على «الاستقواء بالكفّار (غير المسلمين)» للانقلاب على الانظمة العربيّة كما كان الحال في سورية.
تميّز تصرّف المنظومة الاخوانيّة (التنظيمات والدول) تجاه «الذات» أو هو «المحيط» البشري، بحال من الانتهازيّة وحتّى المبالغة ضمن حدّين :
أوّلا : عنف شديد بل مبالغ فيه، تجاه «الذات» التي يرى الغرب ضرورة تحطيمها، كما جدّ في سورية.
ثانيا : ودّ شديد بل مبالغ فيه، تجاه «الذات» التي يرى الغرب ضرورة وجودها، كما هو الحال في تونس، حين تتبارى قيادات النهضة في التسأسيس لمصالحة وطنيّة شاملة مع النظام القديم، لا تحلّ تعفّن الماضي، بل تؤجّل التفجير.