تكفي جولة بسيطة بين ثنايا صفحات التواصل الاجتماعي، ليتقن المراقب البسيط قبل الخبير المتابع، حجم السخريّة ومدى الاستهزاء من قرارات يوسف الشاهد، حين لا تخصّ هذه السخرية ولا يعني هذا الاستهزاء القرارات ذاتها، بل صورتها ضمن البعدين «الأخلاقي» وكذلك يتعلّق الأمر بالأبجديات المؤسّسة للاتخاذ القرار عامّة والسياسي على وجه الخصوص، علمًا أنّ يوسف الشاهد يحتلّ إحدى أعلى المقامات السياسيّة في البلاد، وقد جاء إلى هذا «الكرسي» (قصر القصبة) ليقطع (افتراضًا) مع «الأساليب العتيقة» في مجال اتخاذ القرار وممارسة السياسة، لنجد أنّ الرجل يتراجع عشيّة عن قرار اتخذه أثناء فترة الصباح.
أعمق من الأزمة ذاتها، أيّ وقوع البلاد بكاملها ومعها كامل المشهد السياسي، ضمن دوّامة خطيرة، من الممكن أن تؤدّي بالجمل وما حمل (أيّ البلاد والعباد) إلى «الهاوية»، عدم «الوعي» السياسي، أيّ عدم وعي «الطبقة السياسيّة» بخطورة هذا «الإرتجال»، حين نشاهد منذ سنتين (على الأقلّ)، تجاذبات وصراعات وحتّى حروبًا، داخل «الصفّ» ذاته، أكثر بكثير من «الصراع» الطبيعي (الديمقراطي) بين طبقات الحكم السياسي…
طوّر العمق الشعبي في تونس سلاح السخرية، وعمّق هذه «الموهبة» على صفحات التواصل الاجتماعي، أو سهلت هذه الوسائط انتشار هذه السخرية وشيوع هذا الاستهزاء، لتكون «الصورة» (الإعلاميّة) مجرّد صدى أو هي «ومضة» عن الواقع السياسي. يشتغل الكثيرون ويعمل أخرون على هذا «الوتر» ليس من منظور «الهواية» أو «التطوّع»، بل صارت «جهات سياسيّة» تعمل من خلال هذا «الوتر» عبر ما يلزم من «استثمارات» واتكالا على «محترفين»، لكن تعجز «نظرية المؤامرة» أن تكون «الجواب المثالي»، حين تجد هذه السخرية ويلقى هذا الاستهزاء من «الرافعات» في قرارات السياسيين ومن التصرفات على المنابر الإعلاميّة، أيّ المعلوم من الأمر من الجميع بالضرورة، ما يجعل السخرية تبلغ مداها والاستهزاء أقصاه، ممّا يدفع علميّا للحديث أو السؤال عن مدى ما تملك هذه الحكومة ومدى ما يحوز رئيسها من «احترام» وما هو حجم «التقدير» القائم، لأنّ لا أحد يفكّر في وجود «حكومة» (أصلاً) لا تحوز الحدّ الأدنى من «الاحترام» والقدر الكافي من «التقدير»…
الأزمة في أوّلها ومنبتها وجوهرها ومداها ومنتهاها، لا تكمن في تصرّفات أقوال يوسف الشاهد وأفعاله، تجاه مجمل المشهد السياسي، ضمن منطق الفعل وردّ الفعل، حين تأتي هذه الأشياء (في ذاتها) من أبجديات الممارسة الديمقراطيّة، بل في علاقة يوسف الشاهد بذاته، أيّ بثقافته وضميره وأساسًا الأدوات الحسيّة ووسائل قراءة المشهد القائم، مع ما يملك هو من معه ومن يسنده ويمارس إلى جانبه دور الاستشارة (افتراضًا) من جدلية التحليل، أي قراءة الواقع واتخاذ القرار، في جمع بين «مصلحة البلاد» والتراوح (العادي والطبيعي) بين الفعل المطلوب والفاعلية الضروريّة.
يوسف الشاهد، عديم التجربة سوى من مرور «الكرام» على منصب في وزارة الداخليّة، وهو الذي صعد إلى منصب «رئاسة الوزارة» أساسًا على ما يحمل من «طهارة» (مفترضة)، أيّ أنّ «عدم الخبرة» صار دليلا على «عدم التلوّث» أسوة بذلك الجحفل (المحفل) من «التكنوقراط» الذين أتحفنا بهم محمّد الغنوشي بناء على «وصاية/أوامر» من (سيء الذكر) «حكيم القروي» وقد ثبت بالدليل المادي أنّ «هؤلاء» مجرّد «أحصنة طراودة» لجهات لم تر فيهم سوى مجرّد أدوات غير قابلة لإعادة الاستعمال….
مع ما يلزم من احترام للفرد في بعديه الأخلاقي والانساني، يقدّم يوسف الشاهد الأداء الذي يملك، بل يجب أن نعفي الرجل من كامل المسؤوليّة التاريخيّة، وإن كان يتحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة، ليكون السؤال (خارج نظريّة المؤامرة) عمن وضعه في هذه «المهمّة» وكلّفه بهذا «الدور»…
ضمن كلّ القراءات، سواء «الساذجة» حدّ النخاع أو التي تستبطن «نظريات المؤامرة» حدّ النخاع (هي الأخرى)، نرى عجزًا من هذا «الخبير الفلاحي» عن قراءة «الأرض» السياسيّة القائمة أمامه، ومن ثمّة لا همّ له سوى التراوح بين انتظار «الوحي» من لدن الجهات التي جعلته «الحاكم بأمره»، أو الارتجال، ليكون «الخطأ»، بل أخطر من (هذا) «الخطأ»، التراجع عنه بأخطاء أفظع، لتكتمل الصورة التي تعمّقت يومًا تلوى يوم…
لم ينزل يوسف الشاهد من السماء ولم تلده «بجعة» كما في الخرافة ولم يرم به البحر بين ثنايا الزبد الذي يذهب هباء، هو يمثّل خلاصة هذا المشهد الذي أراده مُخلصًا لمن وضعه وأراد ذاته مخلّصًا للبلاد والعباد، أو على الأقلّ للجهة السياسيّة التي أرادت منه أن يكون «جسرًا» أو مطيّة لعودة «المجد» الأثير، أو «صاحب الكرامات» الذي على يديه، ستكون «المعجزة».
يوسف الشاهد، وغير يوسف الشاهد، ممّن يمارسون السباق ضمن نفس المضمار، في عجز تام عن أيّ قدرة عن قراءة (مهما كانت بسيطة) للمشهد السياسي القائم/القادم. هم (جميعًا) يرون أنفسهم أو هم يحلمون ويستمنون أنفسهم في صورة «النبيّ» الذي يقول، فيسمع الناس، ويأمر فتكون الطاعة كاملة والاستجابة دون حدود…
الناس بصدد ممارس حقّهم الطبيعي في السخرية والاستهزاء، حين لم يعد من الممكن، لا تغطية مثل هذه «الحوادث»، أيّ عدم علم العوام والصفوة، أن وزيرًا رفض منصب الوزارة وأنّ رئيس الوزراء حذف (بالتالي) الوزارة، أو (أساسًا) منع الناس من السخرية أو تعاطي الاستهزاء. فقط، وجب استباق هذه الردود وأساسًا تقدير المسألة قبل وقوعها. هي أزمة جامعة وعجز مستشر في كامل شرايين الطبقة السياسيّة، فقط السخرية من الشاهد والاستهزاء منه، بسبب منصبه وليس (فقط) فعله. سخر يوسف الشاهد ممن سبقه ونقده في لهجة «الواثق من أمره»، وها هو يسقط إلى نفس الدرك أو ما هو أقلّ مرتبة وأدنى درجة…. ليكون السؤال (من منطوق علمي) عن «التالي» وكيف سيحطم الرقم القياسي في استثارة السخرية ودفع الناس إلى السخرية… مسلسل هزلي مبكٍ، يستحقّ جائزة أفضل سيناريو، حين يحتلّ «الشيخان» بل يتقاسمان دور «الكتابة» وكذلك «الإخراج» وأساسًا، البقاء خارج «المشهد» (مشهد الشاهد) الذي يستحقّ من الشفقة أكثر ممّا يستوجب من الإدانة، أو ترقّب «جائزة» أفضل «كوميديا» سياسيّة…