الإخـــــــوان و«الثـــــــورة الســـــــوريّة»: الاستثناء التركي و«قاعـــــــدة» الظـــــــواهري…

3 يناير 2025

قدّم «الإســـــــلام التركي» ذاته، خاصّة منذ وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى الحكم، في صورة القادر، ليس فقطـ، على حلّ معادلة العلاقة مع «الغرب» (بكامله) خارج منطق الصدام الاّبدي، بل من استطاع إقناع الـــــــولايات المتّـــــــحدة الأمريـــــــكيّة ومن ورائها الدول الأوروبيّة بأنّها، أي تركية (ومن سار في ركابها) ليس فقط من يستطيع حلّ معادلة العلاقة الرابطة بين كلّ من «الإســـــــلام» و«الحداثة الغربيّة» لأوّل مرة منذ الحروب الصلـــــــيبية على الأقل، بل من يملك من الأوراق ما يجعل من الأفضل التحالف معه، على الدخول في صدام ضدّه.

Coréeيمكن الجزم أنّ النظام القائم في أنقرة استطاع افتكاك هذا «الحيز» من المناورة بموازاة الحيز الغربي والأمريكي خاصّة، وفق منطق التلاقي في المصالح وليس الصدام بين الطرفين.

التقط طيف الإخوان ضمن الفضاء العربي بكامله هذا النجاح التركي في انتزاع «حيز مناورة» من الطرف الغربي، للاصطفاف وراءه، خاصّة وأنّ لا تنظيم اخواني عربي استطاع افتكاك أيّ حيز كان من أنظمة الحكم ضمن الفضاء العربي، رغم اعتماد الإخوان في مصر خاصّة، سياسة المهادنة تجاه النظام منذ وصول محمّد أنور السادات إلى الحكم، إلاّ أنّ هذا «الرئيس المؤمن» ومن جاء بعده، لم يعاملهم أبدًا معاملة «الشريك» و«صاحب الحقّ»، بل في صورة من هم دون «سنّ الرشد» (السياسي)، حين وجب، وفق من بيده مقاليد الحكم في القاهرة، التعامل معهم (أيّ الإخوان) اعتمادا على العصا أكثر بكثير جدّا من الجزرة…

استطاع حزب العدالة والتنمية الماسك لمقاليد الحكم في تركية، أن يملأ «فراغ اليتم» الماكث في دواخل الضمير الجمعي عند طيف الإخوان على المدى العربي بكامله…

لم ينزعج هؤلاء «اليتامى» من إصرار الرئيس (المؤمن) رجب الطيّب أردوغان أنّ نظام الحكم في بلده «علماني»، أبعد ما يكون عن صورة «نظام الشريعة» الماثل في مخيلة طيف الإخوان العربي، ولم يعتبروا التطبيع مع الكيان الصهـــــــيوني «خيانة» مثلما هو حال مصر، بل نظروا فقط وحصرا، إلى النجاحات الاقتصاديّة التي لا يمكن انكارها وما تلاها من تحوّل أنقرة إلى قوّة اقليميّة فاعلة، خير تعويض عن الفشل الذريع لتجارب الحكم الذي مارسوه في كلّ من تونس ومصر وليبيا والمغرب، على الأقلّ…

لم يطرح أيّ مفكّر إخواني بالجديّة المطلوبة أكاديميا، أسباب «هروب» هذا الطيف الذي لا يمكن إنكار، لا حجمه البشري ولا عمق تجربته، وأكثر من ذلك تصدّره للمشهد لسياسي في أغلبيّة البلدان العربيّة، إلى التجربة التركيّة والاستعاضة بها عن فشل تجاربهم في حكم أوطانهم…

ما جدّ مع التجربة التركية على المستوى السياسي/الأيديولوجي من تمجيد، قطع مع أدنى شروط الموضوعيّة في أغلب الحالات، يعيد ذاته ويستعيد الثوابت التي صاحبت تمجيد الرئيس رجب الطيّب أردوغان، ليرتدي (هذه المرّة) فجأة وعلى حين غرّة، أحمد الشرع «الطاقيّة السحريّة» ذاتها، التي «بيّضت» من صاروا إلى مقام «المعصومين» من الخطأ، وبالتي ممّن لا يجوز نقدهم أو الطعن بأيّة صفة كانت في ذواتهم (الشريفة)…

في صورة تتوافق مع نظريّة «النشوء والارتقاء» التي أسّسها عالم الأحياء البريطاني شارل داروين، لكن في سرعة البرق دون انتظار قرون عديدة، انقلب أبو محمّد الجولاني في رمشة عين إلى أحمد الشرع…

أغرب من حال الشرنقة هذا والانتقال إلى الشكل النهائي، اكتشف كمّ هائل من العمق العربي، سواء من يعتبرون ما جدّ في سورية «مؤامرة كونيّة» أو هي «ثورة مباركة» أنّ أحمد الشرع في صورته الحاليّة، يمثّل «المثال الأنقى» ويتمثّل، كما كان الحال مع رجب الطيّب أردوغان عند صعوده إلى الحكم، صورة/دور «الأبّ الغائب» لدى يتامى، عجزوا عن تفسير فشلهم داخل أوطانهم، فهرولوا إلى البحث عن خير العوض في التجربة الســـــــوريّة…

مثلما اعتبرت قيادات اخوانيّة (تونسيّة مثلا) التجربة التركية مثالا يحتذى به، لتكتشف عجزها عن تنفيذ الخارطة ذاتها في أوطانها، تعتبر أقلام إسلاميّة عامّة وإخوانيّة خاصّة نجاح التجربة «الثوريّة» (المسلحة) مكسبًا مكّن من تعديل مجرى التاريخ، ومن ثمّة العود إلى المجد السابق واستعادة النفوذ الذي كان.

لا أحد من الأقلام الإخوانيّة (المعروفة) تحدّث علانيّة وصراحة عن وجوب أو إلزاميّة اعتماد مثال التجربة (المسلحة) السوريّة ومنهاجها، بغية «تحرير» ما تبقّى من الدول العربيّة، خاصّة تلك التي عاشت تجربة «الربيع الغربي»، إلاّ أنّ حالة الاحتفاء وحال النشوة دفعتا صحفيين ينتمون إلى مؤسّسات إعلاميّة عربيّة «جدّ محترمة» (ماليّا) إلى تحذير/تهديد في لهجة الويل والثبور قيادات البلدان التي يحملون جوازات سفرها، بوجوب «الإقدام» على الإصلاحات/التنازلات المطلوبة، وإلاّ، لن يختلف مصير قياداتها عن مصير بشّار الأسد، دون ذكر من سيلعب دور أبو محمّد الجولاني…

مرّة أخرى يكون اليقين أمام «التجربة الســـــــوريّة» (المسلّحة) كما كان أمام «التجربة التونسيّة» (السلميّة)، أن من يتصدّرون ظاهر الثورة ليسوا من صنعوها، وكذلك (وهنا الأهميّة) من سيجني ثمارها لن يظهر على الصورة التي تروّج لها شاشات «جدّ محترمة» (ماليّا) …


اترك رد

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي