على مدار اليوم والساعة وحتّى الدقائق والثواني وعلى كامل وسائل الإعلام وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، تصفّق «منظومة الإخوان» (الفكريّة وكذلك الإعلاميّة والدعائيّة) لما تفعله «النصرة» في حلب، بل يصل حال «الوجد» بالعديد منهم في معظم الحالات، إلى إعلان الفرح (نيابة عن «النصرة») أشبه بمن هم «أبناء التنظيم»، لا فرق بينهما ولا فوارق…
لا تعني المسألة (في المقام الأوّل والأساسي) «المعتقد» (في ذاته)، بل البحث وكذلك الغوص (السيكولوجي) في أسباب هذا «التواري» خلف هذا «التنظيم» (الإرهابي حسب التصنيف الدولي)، وعدم القدرة أو هي الشجاعة على الخروج إلى العلن (من خلال القيادات الإخوانيّة) وتبنّي هذه المواقف «الإعلاميّة» من خلال «مواقف سياسيّة» واضحة وجليّة…
منذ أن فقد الإخوان الحكم في مصر، وظهر من خلال انقلاب السيسي، الذي جاء أقرب إلى الإزاحة من الانقلاب، تبيّن للإخوان أنّهم في عجز تام (في مصر كما في تونس خاصّة) على إتمام أمرين اثنين:
أوّلا: مقاومة «النظام القديم» أو هي «الدولة العميقة»، ومن ثمّة القدرة على «الحكم» (فعلا) بعدما جعلتهم الانتخابات يصعدون سدّة السلطة…
ثانيا: مقاومة المنظومة الدوليّة، القادرة ليس فقط على احداث تغييرات عميقة في بُنى الدول، بل هي المتحكمة (في جانب كبير) في مسارات السياسة ومصير الأممّ (المتخلفة)…
فضل الإخوان التواري (إلى حين) خلف الأحداث الجارية، خصوصًا أمام المشهد السوري، حين تبيّن بالكاشف ومن خلال موازين القوى على الأرض، أنهم فقط ليسوا القوّة الأفضل، بل (وهنا الخطير) عديمي الوجود أو هو التأثير في مسيرة الأحداث.
في خضم الأحداث الجارية (في علاقة بموضوع «الإرهاب») يرفض الإخوان أو هم في عجز مرضي على إصدار موقف واضح وجليّ لا يقبل التأويل ولا يحتمل التشكيك، من أيّ تصنيف للجهات المحاربة في سورية.
هم (وهنا الخطورة) يرون ويقرّون (وقد أعلنها راشد الغنوشي جهرًا) أنّ الحركة (أيّ النهضة) ستربح بالابتعاد عن الأضواء والجلوس على الربوة (عندما غادرت الترويكا الحكم) أكثر من بقائها في الحكم…
المسألة أعمق من «موقف سياسي» أو هي «انتهازية أمام الأحداث»، بل تعني عودة «الإخوان» من خلال التماهي مع «النصرة» (في ثوبها الجديد) إلى «الإرث القطبي» المشترك، حين تأسّست أو هي تماهت الحركات الجهاديّة (القاعدة وفروعها وبناتها) مع «فكر السيّد قطب» وكذلك لم تقطع الحركة الإخوانيّة صراحة وعلنيّة مع «حاكميّة» الرجل ورفضه للديمقراطيّة…
حين نريد أن تفسّر الأمور بنقيضها، لا يمكن بل يستحيل على حركات الإخوان (في تونس مثلا) الادعّاء أنّها «أفضل تلميذ في امتحان الديمقراطيّة» وفي الآن ذاتها «تصفّق» (جهرًا وعلانيّة) لما تفعله «النصرة» (الإرهابيّة)…
تريد النهضة التونسيّة (على سبيل المثال) أن تربح على الجبهات جميعها:
أوّلا: أن تكون السبّاقة في لعبة الديمقراطيّة، سواء على مستوى المرجعيّات أو الأداء أو الموقف من نتائج أيّ انتخابات.
ثانيا: تريد أن تستفيد من أيّ «فعل حربي» (انتقامي) ضدّ «نظام الأسد» سواء لإسقاطه (وفق مفهوم المصلحة التركيّة) أو (هنا مربط الفرس) جرد حساب بين الطرفين منذ «حماة» وما قبلها وما بعدها.
ثالثًا: تتحيّن الفرص لركوب الأحداث في سورية، حين يدرك «الإخوان» (في سورية) أنّ القوى الفاعلة على الميدان السوري (من المعارضة المسلّحة) مرفوضة (إلى حدّ الآن وفي جانب كبير منها) في (ما يسمّى) «مؤتمرات السلام» سواء في جينيف أو فيانّا.
يمكن الجزم أنّ «تغيير الثوب والتسمية» من قبل «نصرة» يمثّل فرصة ذهبيّة إن لم نقل الأخيرة أمام الإخوان في سورية، ليكون أو يكوّنوا «الذراع السياسي» لهذا التنظيم، الذي وإن جاء الأقوى حاليا (بين الفصائل المسلّحة) بعد تراجع (ما يسمّى) داعش، إلاّ أنّه «سيء السمعة» لدى الدوائر الغربيّة التي ترفض مجالسته في العلن رغم مساعدته في السرّ بالسلاح والمعلومات والخبرات…
يرفض الإخوان أو لا حاجة لهم لخسارة «الرصيد الديمقراطي» الذي بذلوا منذ بدء (ما يسمّى) «الربيع العربي» جهدا كبيرًا في جمعه وأساسًا في «اقناع» المرجعيات الغربيّة أنّهم «تابوا/تغيّروا» بل صاروا سبّاقين إلى الديمقراطية كما كان أجدادهم سبّاقين للصلاة في المساجد…
يدري الإخوان أو لا يدرون أنّ هامش المناورة بين «اللعبة الديمقراطيّة» (في أوطانهم) والتماهي مع «النصرة» ليس فقط مكشوف أمام الغرب، بل (وهنا العماء والجهل) أنّه هامش صنعوا الغرب وتتحكّم في مساحته دوائر القرار في الغرب، التي وحدها، أو هي تحتكر، سواء «شهادة الديمقراطيّة» وكذلك «شهادة التميّز» في سورية…
في خضم هذه «المعمعة» بين «الديمقراطيّة» في الأوطان (نهارًا)، مقابل «الجهاد» في سورية (ليلاً)، يريد الإخوان (كما هي العادة)، أن يعطوا لكلّ «صاحب مصلحة» (عندهم) ما يريده (بمقابل طبعًا)، لكنّهم (وهنا المصيبة) يعطون للغرب «الديمقراطيّة» حينًا مقابل «الجهاد» أحيانًا، مع جهل أنّ العلاقة مع هذا الغرب (وفق المنظور الغربي) لا تنبني على «الاحترام المتبادل»، بل (وهنا الخطورة) على «عقدة التفوّق» لدى الغرب، أساسًا على مستوى «المفاهيم» (في بعدها الفلسفي)، حين يدفع الغرب لهؤلاء الإخوان نحو «الديمقراطيّة» ليس إيمانًا بقدرتهم على النجاح، أو من باب «تلقين الببغاء»، في جعل قواعد هذه الأحزاب «تنتفض» (يومًا) لأنّ الغرب يعلم أنّ جعل «التنظيمات الاسلاميّة» تنتحر أفضل وأقلّ كلفة من ذبحها….