الإسلاميون في تونس : هل انحلّت عقدة من لسانهم؟؟؟؟

14 فبراير 2021

عاشت التيّارات الإسلاميّة منذ تأسيس تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر، ضمن هاجس الريبة والخوف، ومن ثمّة قامت شخصيتهم (في جانب كبير منها) على «غريزة البقاء» سواء تعلّق الأمر بالذات البشريّة في بعدها الفردي، أو «الجماعة» على اعتبارها مؤتمنة على «المشروع» بمعنى «الوراثة على الأرض»…

ساهم العنف الذي تعرّض له «الطيف الإسلامي» إلى تكريس عقيدة/عقدة «التفوّق/التميّز» عن باقي المجتمع وخاصّة عن «السلطة الطاغية»، لذلك قدّموا أنفسهم بل هم اعتقدوا أو بالأحرى ترسّخت لديهم قناعة أنّهم «زبدة المجتمع» أو هم «الفئة الناجية» التي عليها «إنقاذ المجتمع»، بل وصل الأمر ببعض الجماعات المتفرّعة عن «التنظيم» في مصر (في سبعينات القرن الماضي) في قراءة جدّ ذاتيّة لكتابات شهيد الحركة «السيّد قطب»، حدّ القول بضرورة «إعادة أسلمة المجتمع» على اعتبار المجتمعات في البلاد الإسلاميّة بين «ضالّة» و«كافرة»…

لذاك جاءت جميع كتابات «الطيف الإسلامي» أو هي تراوحت بين «الدعوة والتبليغ» من جهة، وبين «تشخيص الكفر/الضلال» سواء داخل المجتمعات القائمة ضمن الفضاء الإسلامي، أو في بلدان «الشرك» (الدول غير الاسلاميّة). ضمن هذا الأساس انعدم «النقد الذاتي» وأيّ قراءة «موضوعيّة» (بالمفهوم النقدي) لمسيرة هذا الطيف بكامله، لأنّ أيّ نقد ذاتي (بمعنى نقد المشروع أو الأفراد وتصرفاتهم) يمثّل طعنة في المشروع ذاته، وأكثر من ذلك لا يعدو أن يكون سوى «خنجرًا» في يد «الأعداء»…

جميع الكتابات النقديّة التي صدرت عن أطراف اسلاميّة لأطراف إسلاميّة أخرى، كانت تقوم على أساس «العداوات التاريخيّة» (مثل ما هو قائم مثلا بين كلّ من «التيّار الوهابي» مقال «حزب التحرير»)، أو هو نقد أو بالأحرى انتقاد، إن لم نقل تكفير وإخراج من الملّة، تلا عمليّة انشقاق تلته قطيعة، مثل ما هو حال جميع «الجماعات» التي انسلخت عن «الإخوان المسلمين» تنظيميا، مع تمسّك شديد بكتابات السيّد قطب.

20210214_140758لا تختلف مسيرة ومسار «الطيف الإسلامي» في تونس عن هذا التوجه عمومًا، بدءا بما كانت «الجماعة الاسلاميّة» التي كانت «دعويّة» أكثر من سياسيّة [بالمفهوم الليبرالي للكلمة بمعنى الخروج في شكل حزب سياسي]، مرورًا بحركة «الاتجاه الإسلامي» التي حاولت وضع رجل في المجال «الدعوي» وأخرى ضمن الفضاء «السياسي»، وصولا إلى حركة «النهضة» خاصّة بعد 14 جانفي التي حاولت ولا تزال تسعى إلى اقناع الجميع في الخارج خاصّة، أنّها أقدمت على «عمليّة جراحيّة» [المؤتمر العاشر] تخلّصت من خلالها من «السرطان الدعوي»…

سواء اعتبرنا أنّ «النفس الديمقراطي» الذي صارت إليه البلاد أو هو تفاقم التناقضات داخل تفاصيل هذا الطيف، صدحت أصوات إسلاميّة بما كان «ممنوعًا» إن لم نقل «محرّمًا» أو هو من «الكبائر»، أيّ نقد الذات و«تعرية» هذه الذات أمام الأخر.

خرج القيادي عبد الحميد الجلاصي عن السرب وغرّد بمفرده، ولم تغفر له «صداقات إسلاميّة» هذا «العقوق»، ليس بسبب ما صرّح أو كتب (الموضوع) في علاقة بصواب أو بطلان القول أو التصريح، بل بسبب «الجرأة» ذاتها، أي أنّ صورة «الانشقاق» تمثّل طعنة للصورة «المثاليّة» التي يحملها الإسلاميون/النهضويون عن ذواتهم، وخصوصًا لا يزالون يسعون للترويج لها سواء لدى عمقهم الشعبي أو معاهد الأبحاث ومراكز الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكيّة.

صابر النفزاوي، هو الأخر رغم عدم إعلانه الانضمام إلى أيّ حزب، إلاّ أنّ كتاباته طالت من باب النقد أو هو التشريح التجارب الإسلاميّة في الحكم. رضا بلحاج الناطق الرسمي السابق بإسم حزب التحرير، هو الأخر بصدد تحرير كتاب يقدّم من خلاله نقدًا للتجارب الإسلاميّة في الحكم. من طالع «من الجماعة الإسلاميّة إلى الحزب الإسلامي» لعبد الحميد الجلاصي، أو «الإسلاميون… سؤال الدولة وأسئلة الحكم» لكاتبه صابر النفزاوي أو يستمع إلى رضا بلحاج أو يناقشه موضوع كتابه القادم، يحسّ بإصرار الثلاثة وإن كان بدرجات متفاوتة على :

أوّلا : أنّ الصمت والسكوت وحصر «النقد الذاتي» في أضيق دائرة ممكنة، لم يعد مجدٍ، بل يمثّل عائقًا أمام تطوّر «المشروع» مع تعدّد مفهوم اللفظ لدى هؤلاء الكتّاب.

ثانيا : أنّ الخطر الذي يتهدّد «المشروع» الذي قامت من أجله «الأجيال الاسلاميّة» لم يعد (كما تأصّل منذ عقود) قائما من «خارج المشروع»، بل التهديد الداخلي لا يقلّ (بدرجات متفاوتة) عن التهديد الخارجي، إن لم يكن أخطر.

ثالثًا : لا نكوص عن «المشروع» في أبعاده «المثاليّة» خاصّة، بل لا يتعدّى الأمر (من وراء هذه الكتابات) مجرّد «غريزة بقاء» (بمفهوم مغاير) تتطلّب جرعات من «الحوار» داخل هذه «الأطياف»، التي لا تأت (أيّ الجرعات) ترفًا وتلبية لإكراهات غربيّة عامّة وأمريكيّة خاصّة، بل مسألة حياتيّة، يتحدّد على أساسه واقع «المشروع الإسلامي» في مجمله.

رابعًا : يعتبر الكتّاب الثلاثة (بدرجات متفاوتة) أنّ مشروع «إنقاذ الأمّة» لم يعد وقفًا وحصرًا على «الطرف الإسلامي»، بل وجب أن يكون ضمن «أفق» يكون الإسلاميون طرفًا (مؤثرًا) ضمن هذا الجهد، على عكس «أطراف إسلاميّة» لا تزال تقول جهرًا أو هي تصطفي ذاتها وتقدّسها بعيدًا، بل وفي قطيعة مع «الطيف غير الإسلامي»…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي