منذ أن تمّ تحديد الرابع من شهر ماي 2017 تاريخًا للانتخابات التشريعيّة في الجزائر، انطلقت أجهزة الدولة ووسائل إعلامها في حملة متواصلة لا هوادة فيها، أساسها توسيع قاعدة الأحزاب المشاركة وكذلك الرفع من عدد المقترعين، في «هوس» لم ينقطع ولم يعرف الراحة، إلى حين إغلاق مكاتب الاقتراع.
نجحت الدولة في إنجاز الهدف الأوّل في امتياز، حين «أقنعت» أو هي «دفعت»، وفي رواية أخرى «أغرت» أو (ربّما) «أغوت» بالمشاركة، جميع الأحزاب، أساسًا التاريخيّة أو الوازنة على مستوى «الصورة الاعتباريّة» وكذلك «الوزن الشعبي»، إلاّ أنّها «لم تنجح» أو هي «فشلت» (بعض الشيء) في التقدّم بعدد المقترعين ونسبتهم من جملة «الهيئة الناخبة»، أي العدد الإجمالي للمسجلين في القائمات الانتخابيّة، دون اعتبار من يملكون (افتراضًا) الحقّ في التصويت…
تطرح «مطابخ السلطة» (جميعها) منذ إعلان النتائج سنة 2012 السؤال ذاته، وتدور ساقيتها (أو سواقيها) ليس بحثًا عن «إجابات» نظريّة، بل عن «حلول» تضمن تلك «الصورة» التي يحلم بها «الطبّاخ» (الأكبر)، حين يتدافع الناس إلى صندوق الاقتراع وهم في حماس شديد من أجل اتمام هذا «الواجب». من تابع التلفزيون الحكومي على مدى يوم الانتخابات، يلاحظ خطابًا قائمًا على نقطتين. أوّلهما ذلك «التذكير» المتواصل بوجوب «الالتحاق» بمراكز الاقتراع، وثانيا (وهنا الخطر) تداول «الجوق الإعلامي، وكذلك جميع الضيوف، على نفي «تهمة» لم يطرحها أحد، على الأقل، أيّ «علاقة» هذه النسبة «المتدنيّة» (نسبيّا) بما هي «شرعيّة» النظام…
وجب القول أنّ تدنّي نسبة المشاركة أو (بالأحرى) عدم ارتفاعها كما يحلم «مطبخ النظام» نغّصت الفرحة ولم تجعل يوم «الإعلان» ذلك «العرس الموعود». فقط، تداعت الأصوات الرسميّة ومن يمثل دور «الصدى» على المستوى الإعلامي، إلى «التنسيب» أو هو «التقليل» من «تأثيرات» (هذه النسبة المنخفضة).
في مقابل «هوس الدولة» ودعوتها الدائمة إلى «المشاركة»، جاء خطاب الأحزاب أو هي «القائمات» باهتًا (عمومًا) سواء على مستوى «معاضدة» مجهود الدولة في الدعوة إلى المشاركة، أو طرح «برامج» (بالمعنى الحقيقي للكلمة)، أيّ ما تقترحه على المواطن/المقترع إجابة عن أسئلة يعلمها هذا المواطن وقد حفظها عن ظهر قلب، ويذهب من أجلها وبناءً عليها «المقترع» (أي من ذهب)، يأمل ويرجو ويتمنّى (والتمنّي طلب المستحيل)، أنّ تحوّل عمليّة «الاقتراع» (هذه) «البرامج» إلى «فرحة الحياة»…
فوق «الزحام الانتخابي» خيّم «ظلّ الدولة» بشدّة، رغم سعيها «للانسحاب» بما يكفي، طمعًا في «صورة» ذلك «الازدحام» (الموعود) أمام مكاتب الاقتراع، وكذلك طمعًا (وهذا الأهمّ) في جعل «الاقتراع» (المزدحم) يتحوّل إلى «انتخابات» (جميلة)، التي بدورها تؤسّس لما هي «الديمقراطيّة» (الموعودة)، أو هي «صورة الديمقراطيّة» الضروريّة لاكتمال «الصورة السياسيّة» المرجوّة من وراء كامل هذه المنظومة…
منذ انتهاء «العشريّة السوداء» (على الأقلّ) لم تعد «الدولة» (أيّ «المطبخ السياسي») ترغب في احتلال واجهة الإعلام ومن ثمّة الظهور «في صدارة المشهد السياسي»، وبالتالي جاءت الحاجة إلى «وجود» أحزاب ضمن المشهد السياسي، تضمن هدفين:
أوّلا: الانضواء تحت «مشروع الدولة»، الخارجة لتوّها من «عشريّة سوداء»، وهي (أيّ الدولة) مثخنة بالجراح، ولم تشف بعد من عديد الندوب، ومن ثمّة صارت تحمل (دائمًا الدولة) «هاجسًا» (وجوديّا)، متحفزّ للسيطرة على «مجمل المعادلة» من باب الاستعداد للمعارك القادمة (افتراضًا)، وفوق ذلك «ضمان الانتصار» الساحق والسريع (دون نقاش)…
ثانيا: تقديم «الصورة» الأمثل لما هي «الأحزاب» المؤسّسة (بكسر السين) لما هي «الديمقراطيّة» المطلوبة سواء تجاوزًا لما خلّفت «العشرية» من آلام، أو لتقديم «البديل» (الديمقراطي) الذي يمثّل «النقيض» (الفعلي والفاعل) لما هو «المشروع الإرهابي»…
نسبة المشاركة المعلنة لانتخابات 2017 تثبت أنّ «تربية» (هذه الأحزاب) لم تكتمل (بعد) أو ربّما (ونقول ربّما) تشوبها عديد «الهنّات»، حين ركّز «صاحب المطبخ» (بحكم تكوينه وهاجسه وحاجته) على «نقاوة الصورة» (الديمقراطيّة) أكثر من رهانه على «القدرة الفعليّة» لهذه الأحزاب. إضافة إلى «سوء أداء» قيادات هذه الأحزاب (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي أساسًا) حين يحاول كلّ من «ولد عبّاس» من جهة كما «أويحيى»، نطق مفردات «ديمقراطيّة» (رنّانة) من خلال التذكير والتأكيد على «الولاء» أشبه بما كان يفعل «الموالي» أمام «الحاكم بأمره» زمن العبّاسيين…
هناك صراع داخل «ذات الدولة» (وبين أجنحتها)، بين ما هي «غريزة الوجود»، أيّ دولة قويّة وجيش أقوى ومخابرات أشدّ قوّة، من ناحية، مقابل «غريزة الصورة» (الديمقراطيّة)، الضروريّة للتسويق السياسي، إضافة إلى أنّ «صاحب المطبخ» (ككلّ الجزائريين) يريد العمل وفق نظريّة «كن فيكون»، في حين تحتاج هذه «الأحزاب» إلى (بعض) «الوقت» وكذلك إلى دربة (طويلة) لتستوي داخل «فرن الطبّاخ»، على نار شديدة الهدوء…
وجب التأكيد أنّ الأحزاب جميعها ليست على المسافة ذاتها من هذا «المطبخ»، لكنّ جميعها، قَبِلَ دخول عمليّة «الاقتراع» وهو يعلم أنّ الرهان بالخسارة أقرب إلى الحلم بالفوز (أو يعادله)، خاصّة (وهنا الخطر بل المصيبة) تحوّل «الفرز» (قبل الاقتراع) من أجل اعداد القائمات، إلى ما يشبه «الحرب الحقيقيّة» قبل «صورة الاقتراع»….
يمكن الجزم (في نصيحة لصاحب «المطبخ») أنّ لا «حزب جبهة التحرير الوطني» الذي عرف «الموت السريري» في انتخابات 1991، ولا «التجمّع الوطني الديمقراطي» الذي تمّ «صناعته بالكامل» داخل (هذا) «المطبخ»، قادر على تقديم «المطلوب»، أو حتّى «الافضل» (نسبيّا)… هما أشبه بحصانيين في نهاية العمر، لا يجوز دفعهما إلى «سرعة» أكبر… في حين تأتي الأحزاب الأخرى جميعها (ودون استثناء) حاملة للفيروس الذي أصاب الحزبين الأكبر في البلاد، ممّا جعل هذه الأحزاب «صورة» عن هذا أو ذاك، في تراوح بين «الشكارة» [كيس المال الفاسد]، مقابل ذلك «السباق» (الفردي) من أجل «كرسي» (مهما كان الثمن) تحت قبّة المجلس….
يحتاج «المطبخ» (أو بالأحرى صاحبه) إلى وقت أطول ليفهم أنّ غياب «الإرهاب» وكذلك «انعدام» الحاضنة الشعبيّة لهذا الإرهاب، دليل على وجود «عقد ثقة» بين «رأس الدولة» من جهة، مقابل «الجسد الشعبي»، ممّا يعني وجوب «تغيير الوصفة» أو ربّما (ونقول ربّما) إعادة «التجربة»، على أساس الجمع، ليس فقط الممكن، بل المطلوب، بين إرساء «ديمقراطيّة حقّة» من جهة، مقابل «دولة قويّة» و«جيش أقوى» وكذلك «مخابرات أقوى»…
الخلاصة:
ساذج (دون استعمال ألفاظ مرادفة من باب احترام الألقاب والمناصب والمقامات) من في السلطة وخارج السلطة في الجزائر، يعتقد بأنّ «التجارب الانتخابيّة» القادمة ستقدّم نسبة «مشاركة» أفضل، بل يمكن الجزم أنّ «جياد السباق» بلغت أقصاها، وفي نسخة أخرى «منتهاها»، مع التأكيد أنّ «إحياء الرميم» شديد الكلفة، إنّ لم نقل يدخل في خانة الخيال غير القابل للتجسيد……
23 تعليقات
تعقيبات: canada goose sale
تعقيبات: black emu boots
تعقيبات: merrell on sale
تعقيبات: cole haan shoes store
تعقيبات: chanel store paris