أكثر من مرّة، عبّر أكثر من طرف عن رغبته أو أمنيته أو هو الحلم والتمنّي أن يقدم الجيش أو بالأحرى قيادته على قلب النظام الحاكم وإعلان الأحكام العرفيّة وأساسًا وضع من يحكمون في السجن، أو في ألطف الحالات في الإقامة الجبريّة، مع أمنية خفيّة/معلنة بأنّ يشكلوا (أي أصحاب هذه الدعوة/الحلم) الواجهة السياسيّة/المدنيّة/الديمقراطيّة لهذا الحكم العسكري.
من منظور علمي بحت وجب لتحقيق هذه الأمنية أن تتوفّر وجوبًا جميع الشروط التالية :
أوّلا : توفّر الرغبة لدى القيادة العسكرية الماسكة للقرار ضمن الجيش التونسي بضرورة الاقدام على قلب النظام الحاكم.
ثانيا : توفّر الشروط الماديّة لنجاح هذا «الانقلاب» بمعنى قدرة الجيش على ضبط الأمور داخليّا، أيّ تحييد جميع القوى الرافضة بالتأكيد لهذا «الانقلاب».
ثالثًا : القدرة على تسويق «الانقلاب» لدى دول الجوار وعلى المستويات العربيّة والافريقيّة وأساسًا الأوروبيّة والأمريكيّة، على أنّه «ثورة 2.0».
أسوة بجيوش العالم وما هي التقاليد العسكريّة في غالبيّة الدول، لا يُسمع للمؤسّسة العسكريّة في تونس «صوت سياسي»، بمعنى خروج ضابط برتبة محترمة والتعبير صراحة على وسائل الإعلام عن موقف سياسي من الوضع السياسي أو ممن يمسكون مقاليد الحكم في البلاد.
أكثر من ذلك لم تورد أيّ جهة إعلاميّة أو سياسيّة أو مخابراتيّة موثوقة (من داخل تونس أو داخلها) أيّ موقف أو قرار من أيّ جهة عسكريّة تعبّر من خلاله عن موقف شخصي أو هو موقف هذه «المؤسّسة الصامتة» من مجريات الأحداث في البلاد، وأساس (وهنا السؤال) إن كانت توجد رغبة (وإن كانت في شكل جنيني أو هلامي) في «قلب نظام الحكم»…
يذكر جزء هامّ من مشاهدي المسلسلات أنّ القناة الأولى العموميّة عرضت طوال النصف الأوّل من شهر رمضان الماضي مسلسل «الفرقة 27»، ساهمت المؤسّسة العسكريّة في انتاجه.
غير معلوم محتوى السيناريو الذي تقدّم به كاتب السيناريو والمخرج يسري بوعصيدة، وما هي التحويرات أو الاقتراحات التي رأت المؤسّسة العسكريّة إدخالها على النصّ، لكنّ العارف بأسلوب تفكير هذه المؤسّسة وطريقة الاتّخاذ القرار فيها، يجزم بالتالي :
أوّلا : لم ينل المخرج أيّ تمويل أو دعم مادي أو بشري ومن ثمّة الإذن بالتصوير، قبل موافقة المؤسّسة العسكرية على السيناريو في نسخته النهائيّة.
ثانيا : لا يمكن للقناة الأولى العموميّة بثّ أيّ حلقة من مجمل الحلقات، قبل الحصول على الموافقة الصريحة والمعلنة (أو ربّما المكتوبة) من قبل «الرقابة العسكريّة» سواء كان الرقيب ضابطا يتولّى المشاهدة والتدقيق أو هي لجنة أدّت هذا الدور.
من ذلك يمكن الجزم، دون الإقرار إن كان السيناريو في نسخته الأولى نال موافقة القيادة العسكرية أو تمّ تطعيمه بأفكار ومقترحات «عسكريّة»، أنّ ما شاهده المتفرّج يعبّر عن رأي هذه المؤسّسة بل هو موقفها من جملة ما يجري على الساحة السياسيّة.
من يشاهد المسلسل [انقر هنا لمشاهدة الحلقة الأولى] يفهم أنّ موقف المؤسّسة العسكريّة هو التالي :
أوّلا : لا وجود لما هو «إرهاب» بالمعنى المتداول، أيّ أطراف إسلاميّة متطرّفة، لجأت إلى السلاح من منطلق ديني، بل (وهنا خطورة) ما شهدته البلاد من هذا الداء، لا يعدو أن يكون سوى صنيعة «مافيا» التقى عندها «المال السياسي الفاسد» في تداخل مع «أباطرة التهريب»، حين تقوم هذه الأطراف بصناعة «الإرهاب» بغاية تركيع الدولة أو في أدنى الحالات جعلها ضعيفة دون القدرة على التصدّي لهم.
ثانيا : تورّط مؤسّسات إعلاميّة في تبييض الفساد من خلال التركيز على «الإرهاب» من باب تعجيز القوى الأمنيّة والعسكريّة، والتغطية على الفساد والتهريب…
ثالثًا : تورّط «مخابرات أوروبيّة» ما (الأقرب من دولة ذات ثقافة لاتينيّة)، في صناعة هذا الإرهاب بصفة مباشرة.
من الغريب أنّ بثّ المسلسل رغم خطورة الرسالة «العسكريّة» التي يحملها مرّ مرور الكرام على مستوى الإعلام التونسي، لكن الأكيد قائم بأنّ الرسالة وصلت إلى المعنيين بها…