جاء الباجي قائد السبسي رئيس البلاد شديد الإصرار وفي إلحاح لا حدود له، بخصوص مشاركة كلّ من «الاتّحاد العام التونسي للشغل» وكذلك «الاتّحاد التونسي للصناعة والتجارة والصيد البحري»، في «حكومة الوحدة الوطنيّة»، بل وترك الباب «نصف مفتوحًا» أمام «الأحزاب الأخرى» التي عليها (في استثناء لحزب جليسه راشد الغنوشي) امتثال للتوجه العام أو هي «الطاعة الكاملة»…
اشتراط أو هي «إلزاميّة» حضور الطرفين «الاجتماعيين» تعني مباشرة (دون الحاجة إلى تفكير طويل) إلى أنّ الفترة القادمة، ستكون ليس فقط «صعبة»، بل ستشهد «تضحيات مؤلمة» تتطلّب وجود الجهات القادرة على «ضبط الشارع»، وكذلك «السيطرة على حراكه»، ومن أفضل من النهضة والندا ء واتحاد الشغل، في التحكّم في «هذا الشارع»، سواء على مستوى «التمثيل» أو «التحريك» أو أساسًا «الضبط» ومنع «الانفلات»؟؟؟
خطاب الباجي والرسائل التي أراد أن يوصلها إلى المتلقّي المحلّي والاقليمي والدولي، تأتي واضحة وشديدة الوضوح:
أوّلا: حكومة الوحدة الوطنيّة، بدعم «ثلاثي الشارع» إضافة إلى «ممثّل رأسمال» ستكون قويّة، بل ستقطع مع حكومات «الأيادي المرتعشة» أو هي «وزارات الخوف والترقّب»، حين تقوم وتتّكل على «سند صلب» (أوّلا)، وتكون مطمئنة (أكثر من حكومة الصيد) إلى قدرتها الذهاب أبعد في تطبيق السياسات المرسومة.
ثانيا: إضافة إلى الملفين الاقتصادي والاجتماعي، وتلميح الباجي إلى «عدم جدوى القروض»، يمكن الجزم أن تونس ستدخل (سواء أعلنت ذلك جهرًا أو فعلت الأمر في السرّ) في برنامج «إعادة هيكلة مرحلي» (وفق شروط البنك الدولي)، أيّ الحدّ من السياسة الاجتماعيّة والذهاب أكثر نحو «التخلّص» من القطاع العام، وكذلك الحدّ من تدخّل «صندوق التعويض» دون أن ننسى تراجع دور الدولة في مجالي الصحّة والتعليم…
يبدو واضحًا، أنّ معنى «الوحدة» يعني بل يأتي «وحدة» في مجابهة المطالب الاجتماعيّة، والذهاب نحو سيطرة أكبر على الشارع، حين لا يمكن لأيّ كان أن يجد أفضل من «الرباعي الحاكم» في السيطرة على هذا الحراك…
مسألة حكومة الصيد تأتي واضحة. الرجل أدّى ما يجب أن يؤدّيه وفق ما هو ممكن من شروط قائمة وظروف موضوعيّة، تركها «الذي قبله» (أي مهدي جمعة)، ومن ثمّة لا تعني مسألة تجاوز «حكومة الصيد» تجاوزًا للرجل، بقدر ما هي «القطيعة» مع «عهد سابق»، والذهاب من ثمّة إلى «حكومة قادرة» لا مانع من أن يكون الصيد على رأسها، مادام يعمل ضمن سقف «التوافق» ويحترم «الحدود الحمراء» القائمة من قبل «الشيخين»…
مشاركة «الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة» أمر مفروغ منه، لكن مشاركة «اتّحاد الشغل» تطرح أكثر من سؤال، ليس فقط، لأنّ هذا الاتحاد سيلعب دور «حارس الخمّارة»، بل (وهذا الأخطر)، حين تتباين القراءات داخل قيادة الاتحاد من مثل هذه الأطروحات، وأساسًا في فترة استعداد للمؤتمر القادم، القائم على استعداء البعض للبعض داخل أعرق النقابات في البلاد التونسيّة.
حكومة «الوحدة الوطنيّة»، يمكن الجزم أنّها تأتي بفعل «نصائح» الشركاء الأوروبيين والولايات المتّحدة، وكذلك بفعل «توصية» من المؤسّسات الماليّة العالميّة، التي تجمع كلّها على أنّ الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد منذ 14 جانفي، وخصوصًا، الحكومات التي أفرزتها الانتخابات، جاءت «رخوة» أكثر من اللزوم، أو هي «عديمة الشجاعة»، سواء لحسابات سياسيّة ضيّقة (خاصّة بالأشخاص) أو قراءات حزبيّة تعوّل على الانتهازيّة واقتناص الفرص أكثر من بناء منظومة حكم وقاعدة لتسيير البلاد.
الكرة الآن داخل «ساحة محمّد علي» بين أروقة اتّحاد الشغل، الذي عليه أن يوازن بين موازين القوى القائمة ضمنه (راهنًا) وكذلك الحقّ الطبيعي (سياسيّا) في انتهاز هذا الملفّ من أجل القيام بحملة انتخابيّة للمؤتمر القادم، سابقة لأوانها.
لكن قيادة الاتحاد، من الذكاء والفطنة، وكذلك الفراسة والحدس، ما يجعلها تفهم، بل هو اليقين، بأنّ «المعادلة» لا تأتي محليّة فقط، بين جنبات الفاعلين في البلاد (حصرًا)، بل إنّ «عين الربّ» (ربّ رأسمال العالمي أيّ البنك الدولي) يرعى البلاد، ومن ثمّة، هو أعطى «الإشارات الجمليّة» وكذلك «النصائح العامّة» وتبقى «التفاصيل» (التكتيكيّة) محلّ تفاهمات داخليّة، ومقايضات تهدف إلى تعديل الكفّة وليس نقض المعادلة….
حزب النهضة الخارج من «سكرة مؤتمر» الفصل بين الدعوي والسياسي، يدخل معركة الدمج بين السياسة والقضايا الاجتماعيّة، حين لا يمكن أن نتخيّل الباجي أو رئيس الحكومة القادم (مهما كان) سيمكّن النهضة من «مشاركة رمزيّة» وبالتالي البقاء خارج مرمى «النيران الشعبيّة» سواء ارتبط الأمر بالانتقاد اللاذع من قبل «الجبهة الشعبيّة» أو هي «انتقادات» الشعب الذي قام بالثورة لينعم بالرخاء، لتأتي «حكومة الثورة» مطالبة بمزيد شدّ الأحزمة…
الجبهة الشعبيّة لن تشارك في الحكم، لأنّ دورها منذ الأبد (على الأقل منذ انتخابات 23 أكتوبر) أن تبقى «الصوت المزعج» وليس «الشريك الفاعل»، لرغبة من «أهل النصح» (في الغرب عامّة) عدم وضع البيض في سلّة واحدة، وثانيا، ترك هذا الفصيل السياسي، يؤدي دوره في الصراخ بقوّة وراء عربة الحكومة، ليضرب رئيس الحكومة بالسوط لتتقدّم العربة في سرعة أكبر…
خلاصة:
حكومة «وحدة وطنيّة» تعني في المقام الأوّل لدى الباجي، توريط كبار الفاعلين وعدم تركهم ينعمون بالجلوس على الربوة، ترقبًا لسقوط الحكومة والحلول محلّها، بل يجب «توريط» القوى الكبرى، الفاعلة جماهيريّا وكذلك على مستوى الصورة الاعتباريّة في الخارج.
لذلك يمكن الجزم أنّ النهضة واتحاد الشغل سيذهبان إلى هذه «الحكومة» من باب الخوف «من عدم المشاركة» (الفعليّة) أكثر منه رغبة في جني الثمار وتقاسم الأرباح، حين يكون فرحًا من عاد من هذه الحكومة برأسماله سليمًا، أو خسر بعض ما يدفع عنه البلاء ويحميه من عين «دومنيك شتراوس كان» DSK الجالس في قبو الرئاسة، أشبه بمخرج سنيمائي يرقب أداء الممثلين…
لم أفهم الإطراء الذي أسبلته على الإتحاد (أو ما أسميه : بؤرة الفاسدين) “فطنة ..ذكاء …فراسة …حدس” … و لم أفهم كيف تقرأ الواقع دون الإشارة لما بدا من قياداته الحالية من تصرفات مؤداها تركيع الدولة و إفلاسها و الأمر سيان في توصيفك لجبهة الخراب بأنها تقوم بدورها و هل دورها و كل دورها “نطيحو النهضة” … و كل هذا في سياق رسم أكثر دقة لخارطة الواقع لا أكثر.
مقال قيم وموضوعي يجلب الانتباه