يقف محمّد (الشهير بطارق) الـــبوعـــزيـــزي، ويـــحي (أبـــو إبـــراهيم) الســـنـــوار، كلّ على طريقته ووفق أسلوبه وراء «فعل» هزّ العالم، بل قلب الموازين، على الأقلّ لدى قطاعات واسعة جدّا من شعوب العالم.
يقف التشابه عند هذه النقطة. الاختلاف بينها شديد، الأوّل أتى فعله في حال غضب شديد ودون عي، بعد أن أشعل سيجارة، متناسيا أنّه سكب على نفسه، قبل دقائق سائلا شديد الالتهاب، في حين أنّ الثاني، فكرّ مليّا وخطّط وأعدّ العدّة وضبط ما يلزم في دقّة شديدة، أو بالأحرى ما استطاع من شروط النجاح.
الـــبوعـــزيـــزي فرد، في حين أنّ السنوار جماعة، أو بالأحرى على رأس جماعة، استطاعت أن تعمل في سريّة مطلقة وتخفي أسرارها عن العالم، بل هي خادعت جميع أجـــهزة المــــــخابرات التي تراقبها، أو في الأقلّ لم تتمكّن (أيّ من هذه الأجهزة) من جمع ما يكفي من الدلائل، لإطلاق أجهزة الإنذار، على الأقل إفشال عمليّة «طـــوفـــان الأقـــصـــى» كليّا أو على حتّى جزئيّا. في حين جاء فعل الـــبوعـــزيزي تحت تأثير حالة غضب، سببه صفعة من امرأة، تعمل في جهاز رقابة الأسواق التابع لبلديّة ســـيـــدي بـــوزيد، غضبت لكرامتها أمام بائع متجوّل، تفوه تجاهها بعبارات اعتبرتها مساسًا بكرامتها…
لكن، في الحالتين وقف العالم أمام فعل لم ينتظره أحد، على الاقلّ في تفاصيله. علمًا وأن حالات عديدة من الانتحار حرقًا جدّت في تونس قبل وبعد تاريخ 17 ديســـــــــمبر/كانون الاوّل 2010، دون أن تثير ما أثارت حالة البـــوعـــزيـــزي. كذلك لم يكن أحد ليصدّق، داخل فــــــلســـطيـــن وخارجها، أنّ بإمكان أيّ كان، أن يأتي ما أتته «كـــتـــائـــب القسّام» يوم 07 أكـــتوبر/تشـــرين الثاني 2023.
وجب التذكير، أنّ البـــوعـــزيزي لم يكن ينوي أو يفكّر في الانتـــحار، خاصّة أن يتحوّل إلى «أيقونة» (رغم أنفه)، فإنّ قيادات الـــقسّـــام لم تكم تصدّق أن تتمّ عمليّة «طـــوفـــان الأقـــصـــى» بذلك اليسر وتلك السهولة، علمًا وأنّ مصادر من داخل الـــحركة أكددت أن الخطة كانت تقضي بأسر ما يقارب العشرين من جـــنـــود الـــعدوّ فقط…
الاستشراف، الذي صار علمًا إن لم نقل مجموعة واسعة جدّا من الاختصاصات، حاول من يمارسه، الإحاطة بهذا الشكل من «التحوّلات الاستراتيجيّة»، رغبة في فهم الأسباب واستقراء الدوافع، وخاصّة التدقيق في الآليات، وأشدّ من ذلك، الاستعداد لأيّ «حدث طارئ»، ولِمَ قلب الفعل وتحقيق الانتصار، أكثر من ذلك اعتماد هذه «الوصفة» من أجل مفاجأة الخصوم والعالم بعمليّات تأتي أشبه بالضربة القاضية.
السؤال الذي يهزّ جميع المهتمين بمجال العاملين في مجال الاستشراف من أكاديميين وسياسيين وعسكريين وكذلك الرؤوس المدبّرة في أجهزة الاســـتخبارات في العالم: متى تكون «الضربة» القادمة، وعلى الأخصّ من سيطلقها، وأشدّ من ذلك، هل ستكون «عفويّة» أم «مفتعلة»؟
وجب التذكير أنّ «نظريّة المؤامرة» صاحبت وفسّرت مثل هذه «الأحداث»، مثلما كان الحال مع «11 سبـــتمبر»، حين لا تزال عديد الأصوات تردّد وتصرّ أنّ «ما خفي أعظم»، كما قال مختصّ في قياد الطائرات، في الولايـــات المـــتّحدة، حين أكّد في إصرار شديد، استحالة أن يقود الطائرات التي ارتطمت بالبرجين والبنـــتاغون، من لا يملكون من تجربة سوى قيادة طائرات صغيرة. كذلك، أكّد مختص في مجال البناء استحالة انهـــيار البـــرجين بالطريقة التي شاهدها العالم، أيّ بالكامل، بفعل الارتطام بطائرة، مؤكدا أن ما شاهده يستدعي تفخيخ قواعد البرجين بكم معتبر من الـــمتفـــجرات…
وجب التذكير أنّ المؤامرة تمثّل إحدى أدوات صناعة التاريخ، لكن يستحيل أن تمثّل التفسير الأوحد له…
كذلك يأتي اللعب/التلاعب بنظريّة المؤامرة سواء تأكيدها بالكامل أو نفيها بالجملة، جزءا من أدوات الصراع عبر العالم. لذلك كان الشكّ كبيرًا في ما يسمّى «الربيع العربي»، على عكس «طوفان الأقصى»، حين يستحيل أن يقف وراء العمليّة أعداء فلسطين».
عند هذه النقطة يكون التناقض كاملا بين كلّ من البوعـــزيـــزي والســــــنـــوار. الأوّل مجرّد «قادح»، حقيقة بالصدفة، لبرميل بارود، لم يكن هو من وضعه في مكانه. على عكس الثاني الذي ليس فقط اختار نوعيّة البارود وقدّر الكمّ، بل هو كذلك من اختار «القادح» وضعه في مكانه، ومن قرّر لحظة التفــجير…