الجزائر بين وجوب «التثوير» ولزوم «التقويم»…

7 نوفمبر 2024

ملاحظة قبل البدء: لفظ «التثوير» يعني إقامة «الثورة وترسيخها، ففي حين يذهب لفظ «التقويم» نحو «المقاومة» واعتمادها.

 

 ======================

 

المتابع لمحتوى الحوارات الدوريّة التي يدلي بها الرئيس عبد المجيد تبّون لوسائل إعلام جزائريّة يلاحظ دون أدنى عناء أنّ الرجل عبّر أكثر من مرّة في مرارة عن وجود «جبهة رفض» تسعى ولا تزال تعمل ما استطاعت للوقوف في وجه الإصلاحات التي أقدم عليها، وأنّ هذا «العائق» وإن عرف تراجعات هامّة وأكيدة، إلاّ أنّه لا يزال من القوّة والفاعليّة ما يجعل النتائج المحصّلة دون ما يرجوه رئيس الدولة وبالتالي ما يُرضي المواطن العادي الباحث عن الرخاء كما الأمن في أوسع المعاني. يدرك رئيس الدولة في الآن ذاته، وهو الذي تدرّج في المناصب ضمن سلّم الدولة التنفيذي، استحالة تحصيل «السلم الاجتماعيّة» في اتكال فقط على «اقتصاد السوق» أي اعتماد ليبراليّة تستثني بل تلغي دور الدولة الاجتماعي التي بشّر بها بيان فاتح من نوفمبر المجيد، وكذلك استحالة أن تواصل الدولة ممارسة دور «البقرة الحلوب» التي ينحصر دورها في تصدير المحروقات مقابل توريد المواد الاستهلاكيّة دون حساب، مع ما على الدولة من التزام بتوفير المواد الأساسيّة، أقلّ بكثير من أسعار السوق، ممّا يرفع بمرور السنين من حجم الدعم ويذهب به نحو أرقام فلكيّة.

هذه الاستحالة كما تلك، تدفع للقيام أو بالأحرى الإقدام على «إصلاحات» تمكّن في الآن ذاته من المحافظة على «الدور الاجتماعي» للدولة، كما ترفع من قدرة قطاعات الإنتاج (خارج قطاع المحروقات) على التحوّل من دور هامشي، بقيت عليه على مرّ العقود السابقة، لتكون القلب النابض كما المحرّك الأهمّ للاقتصاد الجزائري…

TOPSHOT-ALGERIA-VOTE-POLITICSرهان أخر على الجزائر أن تكسبه، ويخصّ «الطبقة الطفليّة» التي تعاظم دورها وتحولت إلى أخطبوط، لا همّ له سوى تحقيق المكاسب دون أدنى إضافة لاقتصاد البلاد، بل هو النزيف الذي لم ينقطع.

مشكلة هذه الطبقة أنّها نشأت منذ ثمانينات القرن الماضي خاصّة بين أحضان الدولة وعلى تخوم إدارتها، وبالتالي لا تشكّل ذلك «الآخر» البيّن الذي يسهل تعريفه، بل هي تتلوّن بحسب الطرف الحاكم، في تراوح بين الحصول على نصيب من ريع الدولة، من جهة، وتهريب (في الاتجاهين) البضائع والخدمات التي تضمن أرفع مكسب…

أحسّت هذه المافيا، أنّ التغلغل داخل دواليب الدولة، وإن تناقص على مدى السنوات السابقة، إلاّ أنّه يمكّنها من «أسلحة» تدافع بها عن وجودها. علمًا وأنّها تحسن تغيير الخطاب واستبداله، بأن تردّد «خطاب السلطة» في العلن وفي الآن ذاته تمارس دورها الطفيلي دون انقطاع…

نقطة قوّة هذا الأخطبوط هي في الآن ذاته نقطة ضعفه، حين لا يملك القدرة على مسك ذاته، والامتناع مؤقتا عن استنزاف مقدّرات الدولة، ممّا يسهّل على أجهزة الدولة ضربه، من خلال ترسانة قوانين محاربة المضاربة كما التهريب.

من نافلة القول الجزم بعدم قدرة الدولة استئصال هذا السرطان، فقط من خلال الوسائل الردعيّة، لما يملك من قدرة على التلوّن، بل أقصى ما يمكن تحصيله يكمن في «تحجيم» هذا الكائن الطفيلي…

يستحيل تحقيق النصر المطلوب، في وجود «عقد اجتماعي» يربط الدولة بالمواطن على قاعدة مقايضة السلم الاجتماعيّة بتوفير الرخاء الاقتصادي، على قاعدة توزيع ريع المحروقات، لأنّ هذا الشكل من العقود، هو من زرع داخل الأفراد غريزة النهم والذهاب أقصى ما يمكن في ازدراد، أشبه بالوحوش الجائعة مقدّرات الدولة…

لا يمكن القضاء على هذا الأخطبوط، دون إلغاء الغريزة التي أدّت إلى وجوده، بمعنى أن يكون إلى جانب الأدوات القضائيّة لمحاسبة الخارجين عن القانون، سعي جديد/جدّي للتأسيس لما يمكن أن نسميه «العقد الاجتماعي» البديل، الذي يقوم بل يتأسّس على قاعدة «تقديس» قمة العمل المنتج بعيدًا عن المضاربة والتهريب وكلّ أشكال الربح غير المنتجة.

من نافلة القول الجزم أنّ «العقد الاجتماعي» البديل لا يأتي بقرار رسمي ولا يمكن بل يستحيل التأسيس له فقط، من خلال محاربة المافيات جميعها دون هوادة، بل يستوجب أوّلا الانتقال بالفرد/المواطن من دائرة «القاصر» الذي يرى أنّ من حقّه العيش على مقدرات الدولة دون بذل أدنى جهد، إلى أن يتحمّل مسؤولياته على قاعدة أنّ العمل الجادّ والفعلي يمثّل السبيل الأوحد والأعلى قيمة والقادر دون غيره، على تأمين الانتقال من الفرد العاجز إلى المواطن المنتج.

قطاع الإعلام يأتي في المرتبة الأولى على مستوى صياغة «العقد الاجتماعي» في الصيغة التي ينادي بها الرئيس تبّون، وأمام ما نراه من استمرار من وجود «مافيوزي» صغير داخل كلّ فرد، يمثّل (في أقصى درجات التغاضي) الدليل المادي على عدم قدرة إن نقل عجز منظومة الإعلام القائمة عن الوفاء بهذا الدور، لأنّ المهمّة أبعد من ترداد الخطاب، لتكون العبرة بالنتيجة أيّ تشخيص الوضع الذي أقدم عليه الرئيس تبّون…

 


اترك رد

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي