أهميّة أو بالأحرى خطورة الفيديو الذي صدر على حساب «وكالة الأنباء الجزائريّة» الرسمي على يوتوب، عن سعي المخابرات الفرنسيّة لصناعة الإرهاب داخل الجزائر [انقر هنا لمشاهدته]، لا تكمن أوّلا وقبل كلّ شيء في كمّ المعلومات المقدّمة، بل أساسًا وقبل أيّ شيء أخر، في قرار النشر أوّلا والأهمّ من ذلك صدور الفيديو على حساب «وكالة الأنباء الجزائري»، الجهاز الإعلامي الرسمي للدولة الجزائريّة، وليس، كما كان عديد المرّات عبر وسائل إعلام تنتمي إلى «القطاع الخاصّ»، يعلم الجميع، بل هو اليقين أنّ هذه المنابر حصلت على المعلومات من «الأجهزة الجزائريّة»… مقالات لم تتجاوز السقف المرسوم (من قبل هذه «الأجهزة»)، ودون أن يلزم هذا النشر الدولة الجزائريّة بأيّ موقف (رسمي).
عند مشاهدة الفيديو، نقف أمام دولة تخاطب دولة أخرى، أو بالأحرى جهاز استخبارات دولة يتّهم جهاز استخبارات الدولة الأخرى، بصفة مباشرة ودون مواربة. خطوة لم تأت نتاج حالة غضب عابر أو نزوة اللحظة. الخطير في الأمر، أنّ الفيديو يمثّل خطوة مدروسة، جاءت بناء على قراءة رصينة وقصد مدروس، مع الاستعداد الفعلي والفاعل لأيّ «ردّ فعل» ممكن ومتخيَّل، من النقيض إلى النقيض…
الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ خزائن الأجهزة الجزائريّة تزخر بعدد غير قليل من أمثال هذه القضيّة، لا تقلّ خطورة أو بالتأكيد هناك ما هو أخطر ممّا جاء في الفيديو، لكنّها لم تر النور، وربّما لن يتمّ الكشف عنها للعموم أبدًا…
يمكن الجزم بل هو اليقين، أنّ الأجهزة على ضفتيّ المتوسط (أيّ الجزائريّة كما الفرنسيّة) تملك بينها «خطوط اتّصال»، وفي أسوأ الحالات «خطّ يتيم» ينقل الرسائل بينها. ليكون السؤال عن الأسباب التي دفعت الأجهزة الجزائريّة إلى تعليق العمل بجميع هذه الخطوط، بما في ذلك «الخطّ اليتيم»، بل أخطر من ذلك، نقلت التخاطب من الكواليس المغلقة إلى المجال الإعلامي المفتوح، وفوق هذه الخطورة خطورة أخرى، حين سمّت الأطراف جميعها، بالتصريح المفضوح دون أدنى تلميح؟
وعاء الرسالة والظرف التي جاءت عبره، شديد الأهميّة بل هو بالتأكيد رسالة منفصلة في ذاتها، ليكون السؤال عن الأسباب الذي دفعت الأجهزة الجزائريّة لتعتبر أنّ «الكيل قد فاض» وبالتالي «للصبر حدود»؟
قراءة متأنية لمتن الرسالة، أيّ الفيديو، تجعل اليقين قاطعًا، بأنّ الخطر الأكبر يكمن في قرار المخابرات الفرنسيّة، التحرّك داخل «الملعب الجزائري»، من خلال سلكها الدبلوماسي وفي توريط لمؤسسات الدولة الفرنسيّة، أيّ المركز الثقافي الفرنسي. أكثر من ذلك، هدف هذا التدخّل تمثّل في «صناعة إرهاب محلي» يتمّ تفعيله عند الحاجة، بحسب الغاية وفق الطلب، داخل الحدود الجزائرية أو أيّ مكان أخر عبر العالم…
جميع هذه النقاط، أو بالأحرى مجمل تفاصيل كلّ نقطة بمفردها، سواء تعلّق الأمر بالنوايا ألخفيّة للطرف الفرنسيّة، أو بهويّة الشخصيات الفاعلة، وأكثر من ذلك بالأهداف المنشودة، وختامه بالنتائج الحاصلة، تمثّل جملة من الخطوط شديدة الحُمرة، ليكون المجموع ورقة حمراء في وجه فرنسا…
مهما يكون الردّ الرسمي الفرنسي وكيفما جاءت قراءة وسائل الإعلام الفرنسي لهذا الفيديو، سواء على مستوى الأثر المباشر أو التحاليل التي تتبع، اليقين قائم بأنّ علاقات الجزائر بفرنسا، لن تكون (وفق التعبير الدبلوماسي) قائمة في المستقبل «على الاحترام المتبادل»…
سؤال فقط: متى وأين سيكون «الشوط القادم»؟ أكثر من ذلك: هل سيكون اللعب أمام الجمهور أم في الأقبية السريّة؟