فئة قليلة أو هي تُعدّ على أصابع يد واحدة من يحقّ لهم الدهشة والانبهار أثناء احتفالات العيد العشرين لمن سمّاها «الملعون إلى يوم الدين إن شاء الله» حسني مبارك «علبة الكبريت»، حين وجب التذكير (من باب المعلومة المجرّدة) أنّ مشروع «الجزيرة» (برمّته) كان في الأصل أشبه بما هو «طفل الأنابيب» من زواج «متعة/مصلحة» بين نظام آل سعود مقابل قناة البي بي سي، حين رغب «حماة الحرمين» في تلطيف الصورة والانفتاح على العالم، وتقديم (أو بالأحرى تمويل) إعلام يقطع أو (في الأدنى) يتباين (في الحدّ المطلوب) مع الخطاب الحجري الجامد الذي كانت وسائل آل سعود، ولا تزال «تنقط» به مواطنيها والعالم.
سقط المشروع عند أوّل امتحان، حين حاولت قيادة «القناة الأنبوب» تغطية «ملفّ اليمامة» (فضيحة عمولات صفقة الأسلحة بين البلدين) عبر حوار مع «معارض سعودي» فكانت «المعارضة» (السعوديّة) «القاطعة»، ليكون «الطلاق» بيّنا ودون رجعة ولا تراجع فيه.
قبل أو حتّى دون أن تتمّ القناة (الوليدة) ما هي (شرعًا) «أشهر العدّة» قفز الأمير (الوالد) حمد آل تاني على الفرصة، و«لهف» المشروع، في حركة تستحقّ «التقدير» على اعتبارها من «أذكى القرارات» التي قلبت الإمارة المنسيّة على حافة جغرافيا الخليج والمركونة على تخوم تاريخ الجزيرة العربيّة، إلى أحد أمهر اللاعبين في المنطقة، بل (وهنا الخطر) تصدّرت الموقف في عديد الملّفات (ما يسمّى «الربيع العربي» أنموذجًا)، متفوقة على «الشقيق الأكبر» المملكة العربيّة السعوديّة…
فهم الأمير (الوالد) أنّ بالإمكان تكذيب «بن المقفّع» وشبيهه الفرنسي «لامارتين» وإعادة كتابة حكاية «الضفدعة» (القطريّة) مقابل «البقرة» (السعوديّة) على نحو جديد. صارت «الجزيرة» (القناة والبرامج والمشروع) «هويّة الإمارة» الأولى، وصار السفراء في الدوحة يقدّمون الاعتماد إلى القناة قبل أمير البلاد…
من باب «التأريخ» وكذلك «ذكر الواقع» استطاعت «الجزيرة» (في نجاح منقطع النظير) أن تفتح الأفق العربي على «عالم جديد» أو هو «عالم مفقود» (تاريخيّا)، أي وسيلة الإعلام «راعية للديمقراطيّة» بل صارت «وليّ» (في المذكّر) من «لا وليّ له»…
نجحت «الجزيرة» رغم النسخ الكثيرة عنها، التي جاءت من باب التقليد أو المواجهة، أن تصنع لها تلك المرتبة أو هي «الصورة» غير القابلة للنسخ، ممّا أزعج أو هو أغضب الجار قبل العمق العربي، إلاّ أنّها (أيّ القناة) رسّخت (في نجاح كبير) صورة «القناة المستقلّة» أو بالأحرى «غير الخاضعة» (وفق مبدأ «الولاء والبراء») لمنظومة الحكم في الدوحة، أيّ أنّها «كسرت» (أو حطمت) «صورة نمط الحكم» (الخليجي) القائم على «البيعة» (ولا يزال) وعلى «الطاعة» (الكاملة) التي لا تحمل السؤال أو مجرّد التشكيك…
مثلما قامت مملكة «آل سعود» على حلف استراتيجي ورابط عضوي مع «الوهابيّة»، قامت إمارة «آل ثاني» (هي الأخرى) منذ بروز «الجزيرة» (على الأقلّ في الجانب الإعلامي) على حلف استراتيجي ورابط عضوي مع «منظومة الإخوان»، ممّا جعل «الجزيرة» (القناة والبرامج والمشروع) كما هو الحال في المملكة المجاورة (أيّ السعوديّة) في الآن ذاته تخدم «مصلحة النظام» وكذلك «ترسّخ فقه الإخوان» سواء مباشرة عبر ظهور «الشيخ يوسف القرضاوي» في شكل «الإمام الرسمي للقناة» أو (وهنا الأهمّ) رسم سياسات القناة في توافق كبير أو هو اتفاق كامل مع «منهاج» هذه الجماعة الاسلاميّة…
ذكاء الجزيرة أو بالأحرى من يشرف عليها، أنّها استنجدت بغير «الاخوان» خدمة للمشروع السياسي لهذه القناة وهذه الإمارة. من باب (مجرّد) «التطعيم» وكذلك «التنفيذ» (لا غير)، للوصول إلى «تبييض» (هذه) السياسة، على خلاف مشروع «العربيّة» (الشقيقة اللدودة) التي رفضت أو عجزت أن تترك «المسافة القانونيّة» (مثل تنفيذ ركلة الجزاء) من باب احترام بعض ما يدّعيه المتلقون من ذكاء.
من مهازل التاريخ أو من صدفه أنّ «الجزيرة» التي أسّست لما يسمّى «الربيع العربي»، كانت أوّل ضحاياه (على مستوى نسب المشاهدة)، حين انقلبت من «راعية» الديمقراطيّة وكذلك «الحقّ العربي» (لجميع العرب)، ومن راعية «المقاومة» في لبنان (أيّ «حزب الله»)، إلى طرف معلن دون مواربة وشريك مباشر بالتمام والكمال في ما يعيشه الفضاء العربي من انشطار مفضوح بين شقيّ الصراع الدموي.
انخفضت بالتالي مسافة «الأمان» الفاصلة، أو هي انعدمت بين «فلسفة الحكم في قطر» من ناحية وهذه «القناة» (الموضوعيّة افتراضًا) حين يتعلّق الأمر بالانقلاب العسكري في مصر، أو مستجدات الأحداث في سورية، حيث تبنّت القناة «الخطاب الرسمي» في وضوح شديد وصراحة لا تحتمل التأويل، بل تحوّلت إلى «قناة حكوميّة» عاديّة، لا تختلف عن مثيلاتها في الفضاء العربي، أو هي (في أحيان عديدة) أشبه بما كان «صوت العرب» (من القاهرة) إبّان النكسة، حين عدّدت المحطّة المصريّة (حينها) انجازات واهمة، عدّدت «الجزيرة» (هي الأخرى) قتلى النظام السوري وأساسًا قتلى الحوثيين في أعداد ليس فقط مبالغ فيها، بل تفوق قدرة العقل على القبول أو قدرة المنطق على التصديق…
دخول (الدكتور) عزمي بشارة معادلة السياسة كما الإعلام في قطر، وخصوصًا وصول الأمير (الابن) تميم إلى السلطة، جعل القناة تفقد الكثير من وهجها، سواء رغبة من بشارة في إعادة تركيب «مشهد الحكم» وفق «قواعد جديدة»، أي التوازنات (الدقيقة جدّا) داخل «الأسرة الحاكمة»، أو (وهنا الأخطر) الجزم بأنّ «الجزيرة» (في نسختها المعهودة) تجاوزت «سنّ اليأس» حين تحوّلت إلى مجرّد «بوق دعاية» سواء للسلطة أو لمنظومة «الإخوان»، دون اغفال الصراع (الأخوي) بين تفريعات هذا التنظيم (داخلها)، سواء في مصر أو الأردن أو فلسطين، من أجل ريادة «القناة» أو صراع «الإخوان» (الأعداء) ذاتهم. كتب أحمد منصور (أحد نجوم القناة) عن «فضائح إخوان الأردن» فترة، ثمّ (لسبب «مجهول») سكت عن «الكلام المباح»…
مجمل هذه الأمور إضافة إلى تراجع «المشروع القطري» في المنطقة، حين تبيّن بالكاشف ودون الحاجة إلى دليل أنّ ليبيا لم تعد «محميّة قطريّة»، بل معلب «الجار» (اللدود) الإمارات، وأساسًا أنّ «نظام الأسد» لن يسقط، بل صار «شريكًا شرعيا» (في معادلة المنطقة)، وكذلك تحوّل اليمن من «نزهة أيّام معدودات» إلى أقذر «مستنقع في المنطقة»، وخاصّة التأثير (المحتمل) لهذا «المشهد» المرعب (جدّا جدّا) على «وجود» الإمارة من أساسه، جعل العقل «المدبّر» في الدوحة، يسرع بمعالجة «المنطق الإعلامي» كما «السياسي» القائم، أساسًا بتقدير مدى نجاح «المراهنة» على «جبهة النصرة»، أو بالأحرى الرهان على «أخونتها»، حين صرفت من أجل (هذا) «المشروع» قناة «الجزيرة» وقتًا «ثمينًا» رغبة في نقلها من «صورة الإرهاب» إلى «مصاف المعارضة المعتدلة». كلّ هذه الأمور دفعت إلى إعادة «صياغة» القناة على مستوى القيادة وإدارة التحرير وأساسًا الشكل الفرجوي والصورة المرئيّة…
هي أزمة «نظام» (بكامله)، حين تبيّن للأمير (الابن)، قبل مستشاريه، أنّ حسابات «حقل» الإخوان لم ولن تتوافق مع «بيدر» الإمارة أوّلا، وكذلك هو اليقين أنّ الدوحة وكامل المنظومة الخليجيّة ستدفع «ثمن» (ما) نتيجة «تطوّرات» الملفين السوري أوّلا والعراقي أساسًا للدور الذي مارسته الدوحة هناك (سقوط الموصل أساسًا). من ثمّة يأتي كامل «البهرج» على مستوى «إعادة ميلاد» (هذه) «القناة» في صورة جديدة، أشبه بميلاد جديدة، وسط تراجع أمريكي معلن (في المنطقة) وأساسًا قدرة صواريخ «الحوثيين» وما هي قدرة الطائرات الروسيّة المقلعة من قاعدة «حميميم» السوريّة…
الرجاء قائم والأمل معقود أن يحتفل الأحياء (منّا) ذات يوم، بالعيد الأربعين (أيّ سنّ الرشد) لهذه القناة، التي صنعت كلّ فصول الإعلام العربي…
24 تعليقات
تعقيبات: patagonia outlet colorado
تعقيبات: merrell shoes store
تعقيبات: mountain hardwear聽backpack聽sale
تعقيبات: emu boots online
تعقيبات: prada outlet