العارفون والعاملون في المجال السمعي البصري، يعلمون علم اليقين ويدركون بما لا يدع للشكّ الفوارق، القائمة بين البثّ المباشر من جهة مقابل المادّة المسجّلة، سواء على مستوى الإدراك أو الإعداد أو التنفيذ أو المونتاج، وأساسًا قدرة استدراك الأمر في الحالة الثانية. لذلك، على المستويين الأخلاقي والمهني، ومن ثمة القانوني، تلتزم وسائل الإعلام المسموعة وخاصّة المرئية [في الدول التي تدّعي الديمقراطيّة، أسوة بتونس] بتعريف المشاهدين سواء بالإعلان صراحةة أو بالشارة أعلى يمين أو يسار الشاشة أنّ البث مباشر أو أنّ المادّة مسجلة.
الأمر معمول به في مجال كرة القدم، حين يتمّ إدراج لفظ «Live» في إشارة إلى المباراة المنقولة مباشرة، ويتمّ نزع اللفظ عند الإعادة أو الاستشهاد ببعض المقاطع ضمن نشرات الأخبار والبرامج الرياضيّة. في الشأن السياسي، المبدأ [نظريّا وأخلاقيا وحتّى قانونيا] ذاته، حين وجب [وفق قواعد العمل السارية ضمن القنوات الفرنسيّة مثلا] الإشارة والتمييز بين البثّ المباشر والمادة المسجلة، لأنّ على خلاف الرياضة، التي لا تتغيّر فيها نتيجة المباراة سواء شاهدنا مباشرة أو مسجلّة بعد عشرات السنين، فإنّ الأمر شديد الخطورة، حين يمكن نزع الشؤائب والتأكيد على نقاط القوّة لتنقلب الصورة تمامًا، ويصل الأمر ـ في بعض الحالات ـ حدّ طرح السؤال وتمكين السياسي من الإجابة عديد المرّات إلى حين الحصول [أسوة بالمسلسلات والأفلام] على «اللقطة المثالية»، مثلما جدّ مع مهدي جمعة ـ عندما كان «سيّد القصبة» ـ في حوار مع «القناة العموميّة»، وقد فضحته ساعة يده البادية على الدوام أثناء الحوار، حين يمكن للمختصين تكبير صورة هذه الساعة، ومن ثمّة معرفة متى لعب المقصّ ومتى تدخّل الرقيب.
الحوار الذي أجرته قناة «الحوار التونسي» مع وزير الدفاع الوطني والمرشّح المستقل للانتخابات الرئاسيّة 2019، عبد الكريم الزبيدي، لا يخرج عن زوايا النقد هذه، حين لم تشر القناة إلى الأمر، في استبطن غير معلن بأنّ اللقاء مباشرًا، لكن عديد الصحافيين العاملين في المجال السمعي البصري، أكدّوا في ما يشبه الإجماع القطعي أنّ الحوار مسجل وأنّ «المقصّ» أدّى دوره.
أمام هذه الحقائق الثابتة بشهادة الشهود مع ما يلزم من المؤيدات التقنية، يكون الانتقال إلى البحث في المحتوى، ليس فقط من خلال قراءة مباشرة لعقل «عبد الكريم الزبيدي» الرجل والطبيب والوزير والمترشح إلى الانتخابات الرئاسيّة، بل ـ وهذا الأخطر ـ «منطق المقصّ»، بحثا في ما ترك، و(أقلّ أهميّة) التنجيم بما تمّ حذفه، إلى حين يفرج «التاريخ» أو يقرّر «داهية الإعلام المرئي» سامي الفهري الافراج، حين لا يمكن البتّة أن يفلت «كنز» بمثل هذه القيمة من «صاحب القناة»، الذي قطعا ودون نقاش يرى في المادة الخام ذلك «التأمين على النجاح» في حال وصل (سي) عبد الكريم إلى سدّة الحكم في قرطاج.
من الأكيد وما لا يقبل الجدل أو حتّى مجرّد التشكيك أن «غرفة عمليات مشتركة» أشرفت على الإعداد والتصوير، وأهمّ من ذلك عملية المونتاج، وأنّ من أجاز البثّ لا يمكن أن يكون سوى «ممثلا شخصيا» للسيّد الزبيدي في اتفاق تام وتوافق لا تشوبه شائبة مع أحد كبار المسؤولين عن القناة، إن لم يكن «صاحب القناة» بعضلاته.
ليس المجال للحكم على بلاغة (سي) عبد الكريم الزبيدي أو تقدير مدى العلاقة (المفترضة لدى البعض) بين فصاحة لسانه وأهليته للجلوس على عرش قرطاج، فقد حكم روما زمن الضغائن والدسائس المؤامرات، امبراطور لسبعين سنة بالتمام والكمال، وكان يعاني من تأتأة شديدة وتشويه في الوجه وقصور في اليد وعرج في رجله، وقصور شديد في إحدى عينيه
البحث [بمعنى السؤال وليس الاتهام] يخصّ المنطق الذي أجاز تمرير اللحظة التي عجز فيها (سي) عبد الكريم الزبيدي عن ذكر عنوان الكتاب، علما (لمن لا معرفة له بكواليس هذه المقابلات الاعلاميّة) أنّ اللقاء يتمّ على قاعدة اتفاق يشمل التفاصيل ودقائق الأمور، وكذلك لا ثقة [بالمفهوم المطلق ومعنى التسليم التام] في الطرف المقابل، خصوصا طاقم المترشح في علاقة بطاقم القناة. إذا، كيف مرّت تلك اللقطة التي كلّفت الرجل سيلا من السخرية والاستهزاء وتحوّل الاهتمام من قراءة محتوى الخطاب إلى البحث عن عنووان «الكتاب المفقود».
بالمعنى الصحفي المباشر، يرتفع السؤال من «كيف مرّت تلك اللقطة» إلى «من مرّر» والسؤال هنا [من منطلق صحفي] يسعى إلى وضع إسم تحت مسمّى وليس الطعن في النوايا والتشكيك في الضمائر، حين يكون اليقين بأنّ مريم بلقاضي لم تحمل سيفا لمبارزة وزير الدفاع، بل يشهد الجميع أنّها (بلغة كرة القدم) كانت تمكّنه من تمريرات تجعل محاورها «راس راس» [كما يقول أهل تونس] مع الحارس وأحيانًا مباشرة مع الشباك…
بلغة كرة القدم، هناك من «خان» خطّة التسلّل التي طبقتها وعملت من أجلها «غرفة العمليات المشتركة»، ومن الأكيد أن الأمر لم يكن عفويا بل «زلعة» [بلغة أهل تونس] عن سابق اضمار وترصّد وتنفيذ.
بلغة أهل روما وأباطرتها: لم يطعن «يوليوس قيصر» سوى ابن عشيقته ومن هو في مقام ابنه «ماركوس جونيوس بروتوس»
على عبد الكريم الزبيدي وسامي الفهري البحث عن «بروتوس» هذا، وإلا سيكون مسلسل رمضان القادم في قناة «الحوار التونسي» تحت عنوان : «سقوط قناع بروتوس»…