مثلما جرت العادة، وعن وعي أيديولوجي مقيت أو غباء (قد) يغفره حبّ الظهور على القنوات الفضائيّة والمحطّات الإذاعيّة، أو حتّى وسائل الاتّصال الاجتماعيّة، أخذت قضيّة الشهيد محمّد الزواري، في منطقها، لدى أعداد غير هيّنة بعدًا سفسطائيّا، سواء من هوّن من الأمر أو كذّبه أو من زعم أنّه محض خيال، في مقابل من قدّم في صورة «أجوبة» ما جادت به القرائح، شديدة التأثّر بأفلام التجسّس وما تحمل من تشويق…
وجب التذكير (من باب المراجعة العلميّة والتاريخيّة)، أنّ ميدان «الطائرات دون طيّار» يمثّل أحد أهمّ الرهانات العسكريّة في الحروب والنزاعات أو حتّى زمن «السلم» (بمعنى توقف القتال)، نظرًا لعامل واحد أوحد: حجم الفوائد الضخمة والهائلة الذي توفرها، سواء على مستوى المعلومات أو حتّى الضربات، قياسًا مع حجم الاستثمارات، سواء الماديّة أو البشريّة.
هناك كذلك عن وعي أيديولوجي مقيت أو غباء (قد) يغفره حبّ الظهور على وسائل الاتّصال الاجتماعيّة، من يزعم أنّ هذه «تكنولوجيا» صارت ليس فقط مباحة، بل هي أشبه بما هي «لعب الأطفال» أو هي كذلك، ومن ثمّة لم يعد من حاجة إلى «اختراعات جديدة» أو الاستثمار فيها، حينما صارت هذه «الطائرات» (وفق ذات الرأي) مجرّد بضاعة» (عاديّة) تُباع في متاجر (عاديّة)، لعامّة الناس، ولمن أراد الدفع والاقتناء…
إضافة إلى هذا «الطيف» المباح من المعلومات، أو هي التكنولوجيا المتوفرة (على قارعة التجارة) هناك طائرات أخرى، أو بالأحرى، خصائص ليس فقط مفقودة في (هذه) «المتاجر» (العاديّة)، بل هي من «الأسرار» (العسكريّة) الأشدّ غموضا:
أوّلا: المادة التي تصنع منها الطائرة، وتجعل رادارات العدوّ عاجزة أو هي في حالة «عمى» عن الشعور بوجودها، سواء عند الإقلاع والانطلاق، أو (وهنا الأخطر) دخول المجال الحيوي (للكيان العدوّ)،
ثانيا: تكنولوجيا التحكّم عن بعد، التي (في الآن ذاته) وجب أن تكون مرنة، سلسلة وتوفّر الاستجابة السريعة، كذلك عليها هذه التكنولوجيا أن تكون من التعقيد والصعوبة، ما يجعل «الجهة العدوّة» في الآن ذاته عاجزة عن فكّها، ومن ثمّة عاجزة عن «افتكاك» الطائرة.
ثالثًا: الغالبيّة العظمى من هذه الطائرات (لدى حركة حماس مثلا) هي طائرات استطلاع، أيّ تمكّن من معرفة «أرض العدّو» سواء تجهيزات العدوّ على المستويين العسكري كما المدني، بغية إعداد «بنك معلومات» يمكّن من إرسال أقل عدد من الصواريخ بأرفع تأثير ممكن، أو هي التنقلات وتحركات الفرق العسكريّة بمختلف أصنافها، احتسابًا لها واستعداد على أرض المعركة. لذلك جاءت أهميّة أن تتولّى هذه الطائرات «نقل صورًا مباشرة» عن أرض العدّو، بنوعيّة جيّدة وكذلك إرسال هذه الصورة بما يشبه «النقل المباشر»، أي (بلغة الجيش) الحصول على المعلومات في حينها. لذلك تأتي تكنولوجيا التصوير وتشفير المعلومات وارسالها، من المجالات التي لا تزال محلّ منافسة كبرى.
رابعًا: تجهيز هذه الطائرات بأسلحة نوعيّة، وجعلها قادرة على إصابة العدوّ تأتي أرقى مهام هذه الطائرات، ومن ثمّة يأتي التناسب بين حجم الطائرة أوّلا وأيضًا حجم هذه الأسئلة، في علاقة بنوعيّة الوقود المستخدم، لتستطيع الطائرة الذهاب إلى أبعد مدى بأرقى الأسلحة بأقلّ كلّفة ممكنة.
مجمل هذا المجال العلمي، ليس فقط محلّ تنافس صارخ، بل كذلك تجسّس هذه الجهة على تلك، سواء من باب الاطلاع على التكنولوجيات غير المتوفرة، أو (وهذا لا يقلّ أهميّة) فكّ منظومة «التشفير» التي تدير الطائرة. بما في ذلك قتل العلماء سواء من باب الرغبة في وأد هذه المشاريع أو على الأقلّ تعطيلها.
من ثمّة يأتي اغتيال الشهيد محمّد الزواري دليلا طبيعيّا ليس فقط على حجم الصراع الدائر من أجل استرداد فلسطين، بل (وهنا الخطورة) شعور الكيان الصهيوني أنّه يلعب في مجال (أيّ هذه الطائرات) لا يحوز فيه التفريط في ذلك «التفوّق الاستراتيجي» الذي جعل منه «بن غريون» (المؤسّس للكيان والمنظّر له) أحد الشروط الأساسيّة، بل الحياتيّة لقيام «المشروع الصهيوني»، بل ثبت بما لا يدع الشكّ، أنّ المقاومة في لبنان كما في غزّة، ليس فقط استطاعت تسيير هذه الطائرات دون قلق فوق أرض فلسطين، بل صوّرت ونقلت التفاصيل عن جميع المواقع الاستراتيجيّة في كيان العدوّ….
من عادة الصهاينة ممارسة الاغتيال سواء من باب الثأر والانتقام أو من باب درء المخاطر، دون أن ننسى تقديم الخدمات لجهات «صديقة». اغتيال الشهيد محمّد الزواري، يثبت أنّ «انتقام» ممّا فعله بهم، وكذلك محاولة وسعي لتعطيل المشروع أو التقليل من سرعته. لذلك وجب أن نعتبر أنّ الزواري فقد الحياة، لأنّه سعى لكسر «قاعدة بن غريون»، بل (ربّما) استطاع أن يجعل من هذه الطائرات مجالا تتفوّق فيه المقاومة على الصهاينة.
لا يستحقّ السؤال عن «الجهة المنفذّة» سوى بعده التقني، أيّ أسماء الأشخاص الذين خطّطوا وقدموا وأعدّوا العدّة ومن ثمّة قتلوا الرجل، ليكون السؤال (الأهمّ والحارق) عن الأسباب التي جعلت مثل هذه «التركيبة» تقوم على أرض تونس، دون أن يكون «العقل الأمني» في البلاد قد «اشتمّ» رائحة ممّا يجري. السؤال هنا ليس بمنطق المسؤوليّة المباشرة أو نسب النجاح في تعطيل مثل هذه العمليّات، بل عن «فلسفة الأمن» ذاتها، وكيف هي، وما هو سندها العقائدي، ومن هي «الجهة العدوّة» في منظورها، ليكون السؤال (بعد الردّ عن هذه التساؤلات) عن مسؤوليات الأشخاص ومدى تقصير البعض أو لامبالاة الأخرين.
الغريب أنّ هذا «الاغتيال» دفع أسوة بغيره الصراع من بعده الانساني أو هو الإسلامي الجامع والمتجاوز للأقطار، في تقاطع مع البعد القومي، إلى صنف من «التباهي/التنابز» الطائفي، أيّ النزول بالشهيد وما قدّم طوال حياته وكذلك روحه التي قدّمها، إلى تصفيات حسابيّة أقلّ ما يقال عنها أنّ أرذل من الاغتيال ذاته…
تصديقا علي ما ذكرت في تحليل رائع فان الكيان الصهيوني اعترف علي عظمة لسانهم ان اغتيال الشهيد هو عبارة عن عملية استباقية مما يسعي الي الشهيد لصناعته و خاصة مشروع الغواصة ذات التحكم عن بعد رحم الله الشهيد الفقيد و اتمني من يخلف هذا العالم من الجيل الذي كونه