دون مواربة ودون نقاش ودون مزاح ودون أدنى تردّد، ما قاله سفير الاتحاد «باتريس برغاميني»، توصيفا للوضع الاقتصادي واحتكار «كمشة» من الأفراد لمقدرات البلاد، لا يعدو أن يكون سوى شكوى «عاهرة» [قاف + حاء + باء + تاء (مربوطة)] جاءت من بلاد «الفرنجة»، وهي تتخيّل أنّ «زميلاتها» (المحليات) كريمات وسيفتحن أمامها المجال لتمارس «المهنة» بمفردها. غاضها هذا «التصرّف الأناني» وهي من كانت ولا تزال، وأساسًا ستبقى تشغلهن عن بعد وترسل لهن «ماعون الصنعة» [أدوات العمل] بل من تحفظ لهنّ «المال»، وتختار من تكون «الزعيمة» بينهنّ وعليهنّ…
من الأكيد أنّ لا وجود تونس راهنًا لما يمكن أن نسميها «برجوازيّة وطنيّة» (بمفهوم العدد والتأثير ووجود برنامج، وخاصّة العمق الزمني)، مثلما كان «طلعت حرب» في مصر. الطبقة السياسيّة/الاقتصاديّة الماسكة لمقاليد الأمور تمارس دورًا «طفيليا» ولا وعي لها، لا بالوطن ولا بما هي «ثورة» (بمعنى اقتصاد وطني فاعل، يضمن الحدّ الأدنى من العدالة الاجتماعيّة والاستقرار السياسي)، لكنّها تصبح «وطنيّة» وتتلبّس دور «الجهاد»، عندما تحاول «الامبرياليّة» العالميّة (الأوروبيّة في مثل هذه الحالة) إزاحتها من مكانها.
هي حرب حقيقيّة بين «السيّد الأوروبي» من جهة مقابل «السمسار/الوكيل المحلّي»، حين يريد الأوّل تغيير شروط «السمسرة/الوكالة» ليصير «ابن البلد» (هذا) مجرّد «وقّاف» [بتثليث القاف]، أيّ مجرّد مشرف، لا يختلف دوره كثيرًا عن باقي «الرعيّة» من المستغلين اقتصاديا [اسم المفعول] والمسحوقين اجتماعيا.
على اعتباره «بطرونة» [المشرفة على العاهرات] جاء تصريح السفير الأوروبي عمّا وصفه «استحواذ اقليّة على مقاليد البلاد الاقتصاديّة» لتصيح الجموع (التونسيّة) الساذجة والغبية والمتخلفة ذهنيا، أنّ «الحقّ قد صحصح» وأنّ أوروبا بكاملها «سكتت دهرا ونطقت حقّا». كلام هذه «المتعوّدة دائمًا» لا يعدو أن يكون مجرّد حيلة متداولة ومفضوحة، لكن ذات تأثير على الأغبياء، تنقل التناقض الذي يجمعه بمن هنّ «متعودات دائما» من المحليات، إلى تناقض وباب صراع بينهنّ والعمق الشعبي المتعطّش لأيّ «كلمة حقّ» عن هذه «الطبقة الطفيلية» التي لم تفكر يومًا أبعد من مصالحها الآنية والضيّقة والمباشرة، ولو أدّى الأمر إلى حصول هزّات اجتماعيّة مثل «أحداث الخبز» وغيرها وصولا إلى خروج الناس يوم 17 ديسمبر 2010 وما يختمر في عمق المجتمع حاضرًا….
الإعلام جزء من المعركة، بل هو سلاح الكومندوس فيها. يمكن بقراءة بسيطة أن نكتشف الجهة التي «يلعب» معها هذا الطرف أو ذاك، أو هي «تلاعب» به الطرف المقابل. هما [أي سلاح الكومندوس من هذا الطرف أو ذاك]، يشتركان بل يتطابقان في نقطة واحدة: المعركة بالنسبة لكلّ منها مجرّد «ماتش كورة» [مباراة كرة قدم]، على «المتفرّج» (أيّ هذا الشعب المسحوق) أن يختار فريقا من الاثنين، ينصره دون تفكير وفي جنون نرى مثله على المدرّجات.
هي لعبة «قديمة» قدم العهر الاقتصادي وحتّى السياسي، تعتمد خطّة بسيطة جدّا، مثلما نرى على المنابر الاعلاميّة منذ 14 جانفي : شيطنة مطلقة وغير منقطعة ومتواصلة للطرف المقابل، تجعل المتلقّي يفهم أنّ «خصم الشيطان» ليس فقط «ملاكًا» بل هو سيّد الملائكة جميعًا. دليل ذلك هذا «التكبير» أمام قاله «سعادة» السفير، وما هو تشفّ وشماتة في هذه «العصابة الحاكمة»، مقابل من شربوا حليب «السباع» وصار الدفاع عن «المتعوّدات المحليات» أرقى درجات «الجهاد»…
هي معركة «طبابليّة» [من يمارسون مهنة ضرب الطبل]، الصراع، وإن بدا على مستوى المشهد معركة حياة أو موت، هو مجرّد «فاصل زمني» مهمته «تحسين» شروط التفاوض : تدرك «بطرونة» أوروبا المعتمدة في تونس، أنّ «المناضلات» المحليات لن يترك لها «الرصيف» بمفردها أبدًا، وتدركن «المناضلات» أن هذه «العاهر الشقراء» تملك من أوراق الضغط، وحتّى «ملفّات الفساد» ما يجعل عروش تونس السياسية والاقتصاديّة تهتزّ دون رجعة. تصريح «سعادته» مجرّد انذار وكشف [على الحساب] لفضائح قادمة..
الحل بسيط : الحكومة القائمة والحكومات القادمة لا تملك كلمة «لا» في قاموسها عند الحديث مع «العاهر» الغربي عمومًا، والأوروبي في هذه الحالة. فقط هو لعب على الوقت، بدءا بالصراخ على شاكلة ما يسمّى «داعش» بأن «تونس لن تمضي اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي [في مجال الخدمات والفلاحة بعد امضاء الجانب الصناعي سنة 1992]، في علاقة بالانتخابات القادمة فقط وحصرًا، وصولا إلى «الدعوة للجهاد» ضدّ «المحتلّ» الأوروبي.
تاريخيا، وتاريخ تونس خير مثال، لم تقاتل البرجوازيات المحليّة من أجل «وطن» كان ولا يزال بالنسبة إليها مجرّد «مصدر رزق»، فقط تحمل السيف وتمارس «الجهاد/النضال» إلى أحد الحدّين: إمّا الهروب بمجرّد أن يصبح «الطرف المهاجم» قادرًا على مسّ الذات والعائلة، ولا تجد أدنى غضاضة في التخلّي عن «الدهماء» المغرّر بها، أو الوصول إلى اتفاق مع هذا «الطرف المقابل» نظير ما هي «امتيازات» لا تحدّدها موازين القوى فقط، بل حاجة «الشقراء الأوروبي» إلى «متعهد محلّي» متعوّد على النزول إلى «مستنقع» تأنف هي عن النزول إليه… لا غير…