بين الباجي (وريث مدرسة بورقيبة) الذي لا يرتاح إلا حين يصير «العدوّ» في القبر، وبين مدرسة النهضة، التي يهمّها «الشكل» ألف مرّة أكثر «من الفعل»، سيتشكّل «القرار» القائم أو القادم، بل المحدّد لطبيعة الصراع عامّة في تونس ومن أجل السلطة فيها.
ضمن هذه المواجهة (المحتومة) سيشكّل العامل الاقليمي والفاعل الدولي، دور «الحكم»، لكن اختلاف المصالح الاستراتيجيّة وتباين المواقف من طبيعة الصراع في تونس، سيجعل هذا «الطرف» (وذاك) أشبه بالشاهد أو هو من يلعب دور «المشجّع» (كلّ حسب طاقته)…
الجبهة الشعبيّة (مهما يكن دورها الحقيقي في هذه الأحداث) لبست جبّة «الفاعل الأساسي» وسيتمّ التعامل معها على هذا الأساس، سواء ضمن «صورتها» هذه، أو في «علاقاتها» مع «سندها» (الاقليمي) وكذلك «المشجّع/المموّل» (الدولي)…
تتلاقى جميع الأطراف على «ضرورة الحسم»:
أوّلا: نداء تونس (شقّ الباجي):
الماسك لرئاسة الجمهوريّة وشقّ غير هيّن من الدولة، يريد أن يرى «مشهدًا نظيفًا» أمامه، سواء من باب ترك الفرصة للنداء ليلملم صفوفه ويتعافى من جراح عمليّة «الفصل» عن «شقّ مرزوق»، أو لترتيب «البيت/السلطة» سواء جاء قرار «التوريث» (المستبعد) أو كان تمرير «المشعل» إلى شخص ثان.
ثانيا: النهضة:
التي ملّت (في علاقة بقواعدها) لعب دور «الرجل الطيبّ المتعفّف عن السلطة»، والتي يجب عليها (وحدها) التضحية (لصالح الأخرين) ترى في الفرصة أكثر من مناسبة لتصفية الحساب مع (من تراه في صورة) «اليسار الاستئصالي»، خاصّة أنّها «لن تكون في الصورة» (بمفردها على الأقلّ) وأيضًا (وهنا الأهميّة الاستراتيجيّة) أنّ «نداء الباجي» وجزء غير هيّن من «الدولة العميقة» (وزارة الداخليّة على وجه الخصوص) تدين بالولاء للباجي جهرًا والبعض لها في السرّ.
ثالثًا: الجبهة الشعبيّة:
التي ترى أنّها (قد) تكون خسرت الانتخابات، لكنّها تمسك من «الشارع» (الفاعل) ما يجعل دورها أكبر من موازين القوى في «مجلس نوّاب الشعب»، ومن ثمّة تبحث عن اضعاف «الثنائي الحاكم» والجلوس معهما، ومن ثمّة التحوّل من «حواشي السلطة» (القائمة) إلى «قلب المشهد» (الظاهر)، خاصّة وأنّ لها امتدادات داخل «تفاصيل الدولة» تمّ تفعيلها (في السابق) وقادرة على «الاستفادة» (منها) في الحاضر.
رابعًا: شقّ محسن مرزوق:
يأتي أشبه إلى «صورة النهضة» (ضمن الفريق المقابل)، حين يريد أن يجعل «الجبهة في الصورة»، بل سيعمل على «استهلاكها» (إلى أقصى درجة)، أو ربّما (إن استطاع) العمل على خروجها من المشهد في صورة «الشهيد»، خاصّة وأنّ جزءا من «الدولة العميقة» (بعض النقابات الأمنيّة) تأتي أقرب إلى «محسن مرزوق» من «الجبهة الشعبيّة» ذاتها.
مدعاة «الحرب» في كلّ بساطة أنّ «موازين القوى الديمقراطيّة» لا تعبّر ولا تعكس، بل تتعارض وتتضارب مع «موازين القوى الاقطاعيّة» (على الأرض). الطرف الأوّل (النهضة والنداء) يريدان «الحسم» ومن ثمّة «القطع» (نهائيّا) مع التهديد المتواصل، والطرف الثاني (الجبهة وشق مرزوق)، يريدان «تعديل الكفة» في انتظار «قلب الحكم»، وإن استطاعا يجمعان بينهما (أيّ التعديل وقلب النظام)…
المحدّد الأكبر والأهمّ والحاسم في هذه المعركة التي لن ترضى بالحياد ولن تقبل «التعادل» في النتيجة، هو التالي:
الأوّل: مدى القدرة على مسك الشارع، ليس (فقط) من خلال ممارسة «العنف الخفيف» (كما نرى راهنًا)، بل لعبة «الحزم والحسم» (القاتل)؟؟؟
ثانيا: مدى القدرة على تفعيل «الدولة العميقة» وكذلك «النقابات الأمنيّة» ضمن هذه اللعبة، سواء من باب «الحزم/الحسم» في ردع هذا الطرف أو ذاك، أو ممارسة «لعبة التراخي» وكذلك غضّ الطرف…
الخطر (كلّ الخطر)، في تحالف «جزء من الشارع» مع «جزء من الدولة»، ضدّ «جزء من الشارع» يناصره «جزء من الدولة»، لتنقلب المعادلة من «الصورة التقليديّة» الأفقيّة (ضمن أيّ نظام عربي) مع «التداخل التقليدي» بين «قوى الدولة» وهوامشها وملحقاتها من «الميليشيات»، إلى «لعبة عموديّة» (شديدة الخطورة)، قد (ونقول قد) تستدعي «بلوغ العنف» درجات غير مسبوقة، لليقين الداخلي والقرار الاقليمي والضوابط الدوليّة، التي جميعها تريد هذه «الحرب» أقرب إلى «عمليّة خاطفة» من «حرب استنزاف» كما هو حال (ما يسمّى) «الإرهاب»…
تعلم جميع القوى «الحيّة» في تونس (على مستوى المواقع والمصالح) ما يلي:
أوّلا: أنّ القوى الاقليميّة والأطراف الدوليّة متباينة ومختلفة، ومن ثمّة يستحيل العثور على جهة، تملك قدرة «الأمر» (الجازم) مقابل «النهي» (القاطع) في تونس.
ثانيا: لا تنزعج الأطراف الدوليّة، من «حدّ مقبول» من العنف في تونس، بل هو «مطلوب» إن لم نقل «مقصودًا» للحفاظ على حال من التبعيّة والحاجة وعدم القدرة على النهوض بالكامل.
ثالثًا: أنّ القوى الاقليميّة والأطراف الدوليّة، تتعامل مع القوى على الأرض، القادرة على الحفاظ على مصالحها أو (في أقل الدرجات) «احترام هذه المصالح»، وليست معنيّة (في الأصل) بما هي «التفاصيل» من صعود هذا الحزب وسقوط ذاك.
رابعًا: الجميع منزعج (داخل تونس) من حال عدم «الاستقرار السياسي» ومن ثمّة يريد هذا الطرف أو ذاك، حسم موازين القوى للذهاب إلى حال من الاستقرار (على المدى المتوسط على الأقلّ) أي خمس سنوات، ليكون بعد هذه الفترة (ربّما) إعادة توزيع جديد للأوراق…
يتفّق الداخل والاقليم والعالم على أنّ تونس لا تعيش «استقرارًا»، وبالتالي عليها الذهاب إلى هذا «الاستقرار»، لكنّ كلّ طرف يريد «الاستقرار» الذي يخدم مصالحه…