يبدو جليّا ودون الحاجة إلى الكثير من التحليل أنّ «نظام السيسي» أو المنظومة التي جاء بهذا هذا الرجل، او جاءت به، ذاهبة إلى التآكل دون القدرة على تجديد ذاتها أو حتّى استرجاع البعض ممّا تخسر كلّ يوم، بل اليقين قائم بأنّ «حلفاء الأمس»، ومن ساعدوا على الانقلاب وكانوا سندًا، انقلبوا (في عنف واضح) إلى «أعداء»…
أكثر من ذلك، يبدو في جلاء شديد أنّ «تصرّفات السيسي» (الفرد كما المنظومة) تتعارض (وفق أبسط قواعد المنطق) مع «مصالح السيسي» (الفرد كما المنظومة)، ممّا يعني (وهنا الخطورة) أنّ الرجل (كما المنظومة) أصبح «بطاريّة غير قابلة للشحن»، بمعنى وجوب استعماله إلى الأقصى ومن ثمّة التخلّص منه بأيّ وسيلة كانت…
جاء السيسي (أو بالأحرى «الفريق» عبد الفتّاح السيسي) ليعوّض ما آلت إليه الأوضاع منذ سقوط العسكري (بالانتماء) حسني مبارك، ليكون «المنقذ»، بل ذلك الذي ينتصب في «صورة الضبّاط الأحرار» الذي يحرّر البلاد من «الإخوان» كما حرّر عبد الناصر (ومن معه) البلاد من «فساد الملكيّة».
من ثمّة لم يأت (هذا) «العسكري» (وفق التسويق الذي صاحبه) ليكون «رئيسًا عاديّا» في «بلد عادي»، بل جاء «منقذًا» وأساسًا «معيدًا لأمجاد الماضي».
أين السيسي (الشخص والمنظومة والمشروع) من هذا «المجد» وهذا «الانقاذ»؟؟؟
وجب التأكيد أنّ المسألة تتراوح بين منطقين:
أوّلا: الولاء الأيديولوجي أو هي «العداء الغرائزي» للإسلام السياسي عامّة وللإخوان خاصّة، التي تجعل «مناصرة» السيسي (مهما كان ومهما فعل) «واجبًا شرعيا» بقطع النظر عن أفعاله وتأثير سياسته على مصر والمنطقة، ومن ثمّة الإسقاطات الأخرى…
ثانيا: تقدير فعل السيسي (الشخص والمنظومة والمشروع) على اعتبار أنّ «حكم الاخوان»، أي مرسي ومن معه، ارتكب (هو الأخر) من الأخطاء ما جعل «الانقلاب» ليس سهلا، بل «مطلوبًا»، سواء من جهات تعادي الإخوان (تاريخيّا) أو تضرّرت من حكم الإخوان، أو هي تحت تأثير «الماكينة الاعلاميّة»….
الخروج من «ثنائية الفرز الأيديولوجي» يجعل قراءة المشهد، أو هو يتيح قراء الفترة، أيّ فترة (مرسي أو السيسي) في استقلاليّة عن هذا «الحقد المتبادل»، ليكون البحث في أداء هذا «العسكري» مقارنة بما يملك من قدرات (أو يدّعي)، ومقارنة بما أعلن من مشروع، وأساسًا بما حقّق فعلا على أرض الواقع.
في تجاوزًا للتأثيرات المباشرة للانقلاب العسكري وما هي الارتدادات «الطبيعيّة» أو كذلك «الاصطناعيّة» سوى على المستوى الأمني المباشر (حراك الشارع) أو العسكري (ما يجري في سيناء)، يمكن الجزم دون أدنى الحاجة إلى دليل أنّ «النظام» (نظام عبد الفتّاح السيسي) يمارس الهروب إلى الأمام، أيّ الاكثار من «بلاغات الانتصار» وكذلك (وهنا معاكسة المنطق) التهويل من طاقة «الإرهاب»…
يأتي «التخلّص» من الجزيرتين لفائدة المملكة السعوديّة، لتكون ليس فقط القشّة التي قسمت ظهر النظام، بل الدليل الفاضح، على أنّ السيسي ومن معه، تجاوزوا سياسة «الهروب إلى الأمام» إلى ما يشبه «التفريط» في رأسمال (الاستراتيجي) مقابل «الحفاظ على الوجود»…
دوّامة صعبة، بل خطيرة، حين تعالت عديد الأصوات (الداعمة للانقلاب عادة) لتعبّر ليس فقط عن سخطها من الفعل، بل لتعتبره «خيانة» تجاوزت «الخطوط الحمراء جميعها»، حين فرّط السيسي، في أرض مصريّة إلى نظام لم يعط مصر دائمًا ما كانت ولا تزال تستحقّه من المال، بل لعب النظام السعودي دائمًا، لعبة «التقطير» إن لم يكن سعى لضرب «الظالمين ببعضهم البعض» أيّ العسكر والإخوان…
تتالت تراجعات السيسي ذات الخطر الاستراتيجي سواء تعلّق الأمر بعدم قدرته على «ضمان الأمن» (الداخلي)، أو التفريط في حقوق مصر التاريخيّة في علاقة باليونان (المجال البحري) أو أثيوبيا (تقاسم مياه النيل)، ليكون السيسي مسّ أو هزّ توازنات داخليّة، لم تكن بارزة (حقيقة)، لكن (وهنا الخطورة) شكّلت لعقود أو قرون أو منذ الفراعنة (في ما يخصّ مياه النيل) أسس التوازن الصعب في بلد، بدأت يضيق فيه هامش الرزق…
يبدو جليّا من الاعلام المصري، حدّ الافلاس ومبلغ الضياع، حين جعل هذا الاعلام من التنازل عن الجزيرتين بداية «عهد سعيد» مع المملكة السعوديّة، علمًا (وللتاريخ) جاء مثل هذا «التطبيل» (في ذات الصيغة الاقتصاديّة) أثناء فترة السادات، عندما شرع في التطبيع مع الكيانات الصهيوني، لتكون الوعود وتأتي التحاليل وتصعد الأصوات، معلنة في صراحة غريبة أنّ مال «الجهد الحربي» سيذهب للتنمية… غابت التنمية وضاعت مصر وصار «الانفتاح» سمّا لا يزال ينخر الجسد المصري…
أخطر ممّا تمّ، هو ما سيكون:
المملكة العربيّة السعوديّة، رائدة العالم العربي على المستوى المالي حاولت منذ الطفرة النفطيّة سنة 73، وخصوصًا منذ اغتيال الراحل الملك فيصل، تحويل «المال» إلى «سيادة»، لذلك صرفت في «الدعوة الوهابيّة» (رأس الحربة الاستراتيجي) أضعاف ما صرفته على ألاف الأطنان من الأسلحة غير القابلة للاستعمال دون إذن أمريكي،
لذلك، لم يغمر المال السعودي أرض الكنانة، لأنّ العقل السعودي، يخاف الإخوان كما يخاف العسكر، ولن يأت هذا المال، لأنّ السعوديّة تريد أن تأخذ بالمجان، ولن ينال المصريون سوى الفتات، لأنّ خزائن آل سعود في تنازل شديد، حين انقلب سحر «تخفيض سعر البرميل» على الساحر…
تعلم الولايات المتحدة، أنّ العقل العربي يلخّص السلطة أو الحكم في شخص الحاكم، لذلك يمكن تصريف «تغييب» الرأس (أي السيسي) في شكل «الثورة» (الجديدة) أو على الأقل أن يحمل «آثامه معه» ليستفيد القادم من «حسن النيّة»…