الشمع في غزّة: يحرق الأجساد وليس لأعياد الميلاد…

7 مايو 2016

خبر «عادي» بين أخبار «عاديّة» أو هو خبر لا يستحقّ النشر، بين زحمة الأحداث والأسماء، جاء من غزّة (هاشم) المحاصرة، بل السجينة، عن استشهاد ثلاثة من أبناء عائلة الهندي، بسبب شمعة سرت نارها والتهمت البيت ورفعت إلى سماء البارئ هؤلاء الشهداء، أو هؤلاء «الملائكة» حين اعتاد أهل المغرب العربي، القاء هذا التوصيف على الرضع والأطفال…

أخطر من الخبر وأشدّ إيلاما من الحرق ذاته، أن صار الألم في غزّة من الأمور المألوفة وصارت الآلام القادمة من غزّة، تثير فينا «مشاعر عابرة» أو هي لا تبقى في النفوس سوى لحظات…

 

غزّة، العضو الأكثر تعرّضا للألم في الجسد الفلسطيني، لم تكن أبدًا وليست ولن تكون (فقط وحصرًا) مجرّد «حالة انسانيّة» تثير (ما يجب أن يكون من) «تعاطف» أو هي المواساة وربّما الدعاء وحتّى السعي للدعم ومدّ يد العون… غزةّ معضلة سياسيّة أوّلا وأخيرًا تنبني وتتأسّس على مظلمة تاريخيّة، حين جاء وعد «بلفور» (المشؤوم) بأن أعطى «من لا يملك إلى من لا حقّ له» وما تبع وتأسّس على قاعدة هذه المظلمة الانسانيّة من جرائم فعليّة ومتتالية بل غير منقطعة إلى يوم الناس هذا…

Gaza 2أخطر من الألم الماكث في الصدور أمام هذه الكارثة (بأتمّ معنى الكلمة) اليقين أنّها لن تكون الأخيرة (لسوء الحظّ) سواء تعلّق الأمر بشؤون العيش اليوميّة أو هي الاعتداءات الصهيونيّة التي لا تنقطع…

 

وجب أن نعترف أنّ الجريمة الأولى والكبرى، تكمن في الوضع الذي تعيشه غزّة بكاملها، أيّ أنّها في حصار مطبق، ومحاصرة لصيقة (بلغة كرة القدم) حين يسعى المحاصرون لمنع ما استطاعوا عن شعب يعيش مأساة بأتمّ معنى الكلمة….

 

حين نرى السواد الأعظم من الشعوب العربيّة (حين نستثني دول الخليج أو بعضها) يشكو قسوة الحياة ويرفع إلى الخالق ما يعيش من شظف عيش، علينا أن نرى وندرك ونعترف أن أهل غزّة لا يعيشون ما يعيش هذا الشعب العربي، بل أشدّ وأنكى وأفظع بكثير، أو هو فوق الخيال…

من الأكيد، بل ما يثلج الصدر، أنّ أهل غزّة «من طينة أخرى»، حين جعلوا من «الفقر» دافعًا لتجاوز الخصاصة ومن الحرمان قاعدة للتآلف والتعاون وتقاسم حبّة التمر بين الجار وجاره، لكنّ هذه «الحلاوة» التي نشهدها (من بعيد) جعلت الكثير (أو الغالبيّة العظمى) تنسى دورها بل ما هو واجب ديني/قومي/انساني لا نقاش فيه، حين تأتي فلسطين (من البحر إلى النهر) «أرض وقف» لا يجوز لأيّ كان أن يفرّط في أيّ ذرّة تراب، وهي (أيضًا) بالمفهوم القومي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، إضافة إلى أنّها (بالمفهوم الإنساني) تشكّل مظلمة لا يجوز السكوت دونها…

 

الألم والفاجعة والحزن والمصيبة لا تكمل في هذا الوضع المخزي للإنسانيّة جمعاء، فقط، بل في هذا الصمت العربي والسكوت الإسلامي، بل صرنا نسمع أصواتًا من أوروبا والغرب عمومًا أعلى من مثيلاتها الإسلاميّة والعربيّة، وأشدّ صدقًا ممّا نسمع من رفع العتب وما هو «كلام المناسبة»…

 

عندما نتيقّن أنّ العدّو الصهيوني مجرم بذاته (أيّ الفكر والتنظير والسياسة) قبل الفعل والممارسة، يكون السؤال عن دور مصر، بل مسؤوليتها في هذه «المجزرة البطيئة» والمؤلمة (جدّا) في غزّة….

علينا أن نميّز في جلاء لأنّ الخلط في الامور الأخلاقيّة مجلبة للشكّ والريبة، بين حقّ أيّ نظام في مصر في معاداة أيّ طرف في غزّة، ذلك من شؤون الدنيا العاديّة والأمور المألوفة والتي علينا أن نعتاد عليها، حين يتظاهر جميعنا بحبّ «الديمقراطيّة» أو هو «الاختلاف في الرأي»…

gazaالمصيبة، بل الجريمة، تكمن في أنّ أيّ إضعاف لقدرات الصمود في غزّة البشريّة قبل العسكريّة، الانسانيّة أساسًا، تمثّل ضربة لما يسمّى «الأمن القومي» (في مصر)، ومن ثمّة من حقّ أيّ نظام في مصر أن يحبّ من يحبّ (في غزّة) ويكره من يكره (هناك)، لكن عليه فتح الباب (أو هي المعابر) أمام الحدّ الضامن للصمود في غزّة، بدءا بالأدوية والمعدّات الطبيّة، مرورًا بتجهيزات المدارس والجامعات، وصولا إلى إعادة ترميم أو بناء البنية التحتيّة وأساسًا أزمة المياه المزمنة في غزّة…

 

وجب أن نضغط على النظام في مصر، في معزل عن الموقف من الوضع السياسي هناك، وما هو الصراع بين النظام والإخوان، لتكون «مسألة غزّة» مسألة «موازية» لهذا «الصراع» على الأقلّ، حين يأتي «العشم» (بالمعنى المصري الدارج) أن تكون مصر بكاملها قاعدة خلفيّة لفصائل المقاومة في غزّة، سواء من باب الإيمان الديني أو العقيدة القوميّة، أو الحساب السياسي، حين وجب على أيّ نظام مصري (في حال تحلّى الذكاء) أن يُشغل الصهاينة بما هو الوضع في غزّة.

 

ختامًا:

حين نحسّ أنّ من احترق في غزّة هم من دمنا وأهلنا، عندها نتيقن فعلا أنّ غزّة تقع على ضفاف الجزائر وخان يونس في ضواحي تونس العاصمة ومخيّم الشاطئ على مشارف الدار البيضاء.


20 تعليقات

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي