حين قرّر الحبيب الصيد أنّ يختار موقع ويتّخذ موقف «الجندي» الذي «لا يترك مكانه» (الكلام له)، وضع نفسه في موقع وموقف «الجندي» الذي لا يملك جرأة «الردّ» على الصفعات التي تتهاطل عليه من هذا وذاك. بل رسّخ صورة «الشهم» الذي يتلقّى على «الخدّ الأيمن» ليعرض «الخدّ الأيسر» أمام من يصفعونه…
صورة تتناقض، بل تقطع مع «واجب» من يملك (وفق الدستور) المال والسلطة والسلاح، حين وجب التذكير، أنّ منصب «رئيس الوزراء» لا يقلّ قيمة عن دور «رئيس الجمهوريّة»، بل يتفوّق عليه (بالنقاط)…
المسألة لا يمكن بل يستحيل أن تعني شخص الحبيب الصيد وحده أو مركزه أو رمزيّة سلطته، بل هي مناخ عامّ وطبيعة غالبة على البلاد والعباد، أو على الطبقة السياسيّة برمتها أو الماسك منها للخيوط الهامّة أو المؤثرة في البلاد.
الحبيب الصيد جاء مدافعا عن ذاته، مبشرًا بعدم فشله، ولم يناقش أو هو لم يذهب أبعد من خطوة واحدة، في السؤال والبحث وتداول ماهيّة هذه «السلطة»، وما صار إليه «الوضع العام» من انفصام مرضي وحقيقي، بين ما يملي به الدستور وما هو الوضع أو ما هي موازين القوى حقّا وحقيقة.
الحبيب الصيد، يأتي نتاج نظام بكامله أو هي منظومة الطاعة والانضباط والتنفيذ والعمل وفق «التعليمات»، حين لا يمكنه أن يفكّر أبعد من «الحدود» (المرسومة)، وأعمق من «القدر المتاح»، فقط وحصرًا وليس غير ذلك، أجواء البلاد، جعلته يثور لكرامة شخصيّة وليس لمشروع أو لمسؤوليّة…
منطق «الجندي» يلغي المنصب وينسف المؤسّسة، ربّما (ونقول ربّما) كان على الحبيب الصيد أن يتلبّس دور «القائد العسكري» الذي لا يترك المعركة ولا يتراجع أبدًا دون جنوده. غاب الجند في بلد «التفكير الآني» والبحث عن «الربح السريع» وسياسة «الفاستفود»، أي الاستهلاك السريع بمنطق الغنيمة ودون طعم….
هي ثقافة عامّة، بل «الثقافة السائدة»: في غياب سيطرة «الأب الدكتاتور» (بن علي) انقلب التفكير من «واجب الامتثال» مع السعي للنفع (ضمن الحدود الممكنة)، إلى البحث عن دور للفرد في نفي أو هو صراع مع الأفراد الأخرين، لكن (وهنا المصيبة) استبطان منطق «الضحيّة» بحثًا عن «الشفقة» كما كان الأمر، سواء زمن بورقيبة أو فترة بن علي.
عجز الحبيب الصيد على مستوى المفاهيم والوعي والدور، على أن يتلبّس الصورة التي أسّس لها الدستور وفق التوازنات المعلنة بين السلط، بل تعامل أو هو قبل بأن يكون أو هو «يمثّل» دور محمّد الغنوشي زمن بن علي. محمّد الغنوشي الذي ذرف (هو الآخر) الدموع أمام الكاميرا، واضعًا نفسه في صورة «الضحيّة» بحثًا عن «الشفقة»…
الفارق الوحيد بين الرجلين أنّ الأوّل مارس دور «الوزير الأوّل» زمن بن علي سنوات، وتشبّع بهذه «المهمّة»، في حين جاء الحبيب الصيد إلى المنصب (أيّ رئاسة الوزراء) من باب «التوافق» بين «الشيخين» أو «شيخين» يبحثان أو هما يشترطان «خادمًا مطيعًا» بل «ذلولا» لا يقوى على التنفّس خارج «شرط الانتداب»
ما أزعج الحبيب الصيد، ليس المهمّة ذاتها، حين قبلها عن دراية ومعرفة بل، حين اختلطت عليه «التدخلات». زمن بن علي كان النظام هرميّا «صافيا»، في حين اختلط «الحابل بالنابل»، بل بلغ الأمر أنّ جاءته «الإهانات» ممّن هم غير «مؤهلين» لممارسة الدور (وفق منطق بن علي)…
حلم الكثيرون أو هم تخيّلوا أن يشرب الحبيب الصيد «حليب السباع»، ويقول كلّ شيء عن كلّ شيء، أي عن «الفساد» وعن «الفاسدين» بل بلغ «الخيال»، أن ينقلب الرجل إلى «أردوغان» (تونس) ويلقي القبض على عشرات الآلاف من الفاسدين…
مثل العادة، حوّل «الخيال الشعبي» (أو الفايسبوكي) الحبيب الصيد، أيّ «الإقالة/الاستقالة» من تفصيل دستوري إلى «أمّ المعارك» التي تختصر مجمل الصراع في البلد، بل أرادها البعض أو هو تخيّل أن تكون أشبه بمعركة «الفصل» بين «قوى الخير» التي يقودها الحبيب الصيد في مواجهة «قوى الشرّ» التي هدّدت أو هي مسّت «كرامة» وجب أن يُراق على جوانبها الدمُ…
ليس مهمّا أن يغادر الحبيب الصيد المشهد أو يبقى، حين تأتي «المعركة» بكاملها (رغم جماليّة المشهد وبهاء الحركة وشاعريته)، مجرّد فاصل في تشكيل الطبقة السياسيّة. الحبيب الصيد جزء من «تنظيم الدولة» يفهم الحدود ويدرك «الخطوط الحمراء»، ويدرك أنّ له «ملفّات» كما يمسك هو «ملفّات»، مع اليقين أو هو الجزم، أنّ «من يعارضه» لن يذهب أبعد من «الحدود» في السعي لإقالته، كما يعلم هو ويعلم هؤلاء أنّ الرجل رغم «استفاقة الضمير» لن يذهب أبعد من «الشكوى المبهمة»…
ذكر الحبيب الصيد أفعالاً دون ذكر الفاعلين، أيّ بمفهوم «النحو العربي» جاءت جميع جمله «منقوصة» غير قادرة على بلوغ المعنى، بل فقط دغدغة الخيال واللعب على الشكّ وترك مهمّة تركيب الأسماء على الأفعال إلى «المخيال الشعبي» أو هو الصحفي…
تحوّل الصيد إلى «أسد» لبعض الوقت أو هو فاصل زمني اخترعه خيال الحالمين بسياسة أساسها «الرجولة» وكذلك «الشهامة»، بل الذهاب حدّ «الضرب بيد من حديد» كلّ من «يخرّبون الدولة». الرجل لعب دور «الضحيّة» مراهنًا عن «الأخلاق» وكذلك «الشهامة» في استدرار لما هو «العطف» بمفاهيمه الاجتماعيّة وحتّى القبليّة…
خلاصة: لفهم السياسة في تونس، يجب مطالعة رواية «برق الليل» لكاتبها البشير خريّف، حين انتفض «العبد» حين ذاق «الحليب»…. حليب ماذا؟؟؟ المطالعة تغني عن السؤال…
ههههه، الحبيب الصّيد لا زال يحرص على المحافظة “على شعرة معاوية مع الباجي، و الغنّوشي” لعلّه ينفذ بجلده. و أقلّ شيئ يمكنه أن يدافع عن نفسه، و عن حكومته أمام البرلمان مستندا على ضحالة “ميثاق برنامج قرطاج الأجوف”!؟، و يرجع أيّ فشل لفقدان أيّ رؤية لدى الرّباعي الحاكم. و قد يتجاسر في آخر المطاف على فضح كلّ ما يملك عنه وثائق، و دلائل للدّفاع عن نفسه. أمّا من ينتقدونه عن عدم محاربته للفاسدين، و قبل الفساد، فأقول لهم: إتّقوا ربّكم، فهؤلاء يتحكّمون بكلّ مفاصل الدّولة، و هم قادرون على إلحاق أيّ متهوّر ، إلحاقه ببلعيد، و البراهمي، فأتركوا الرّجل يعيش ليعيل عائلته. الله يقدّر الخير، آمين، سلام.