مهما تكن الأسباب التي دعت الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (فعلا) إلى «إقالة ذاته» (عوض عمّن أراد ذلك) يمكن الجزم دون أدنى نقاش، أنّ الغالبيّة العظمى من الجزائريين، سواء المعنيين مباشرة بالمشهد السياسي أو عامّة الشعب، ترى (رؤية اليقين) «يدّ» الجنرال «توفيق» (محمّد مدين) وراء هذه الاستقالة، خاصّة وأنّ عديد المصادر كانت أعلنت أنّ هذا «الجنرال» الذي حافظ على «غموضه» منذ مغادرة «ملكه» أو دور «ربّ دزائر» [أيّ الجزائر]، رفع قضيّة عدليّة ضدّ سعداني…
كما جرت العادة في الجزائر، في مثل هذه «الأحداث الكبرى» تكون هناك «الحقيقة الحقيقيّة» [أيّ سرد الوقائع المجرّدة] خفية ودون قدرة الوصول إليها (مكتملة» في حين يتناول جمهرة الإعلام وجموع السياسيين وعامّة الشعب «الحقيقة الظاهرة» [أيّ ما برز على «المسرح السياسي» من مشهد]، ليكون السؤال والتساؤل وكذلك الغموض وتلك «الضبابيّة» التي طبعت الساحة السياسيّة منذ اندلاع الثورة المجيدة على الأقلّ.
يحسب للأمين العامّ [الذي أقال ذاته] أن كسر الكثير من «المحرّمات»، بل يمكن الجزم أنّه يحتلّ رأس القائمة في هذا المجال، خصوصًا حين «شرب حليب السباع» وهاجم «الجنرال توفيق»، ممّا أحدث ليس فقط «زلزالا» في المشهد السياسي، بل أثار من «التساؤلات» وخصوصًا ذلك التراوح، بين قول أنّ الرجل «مجنون» (فعلا)، في حين قال آخرون أنّ «الرجل مأمور»، في تراوح بين «الحقيقة الحقيقيّة» مقابل «الحقيقة البيّنة»…
الأكيد وما يقبل الجدل، أنّ لهذه «الإقالة» تبعات شديدة الأهميّة بل شديدة التأثير، سواء على «تراتبيّة» المشهد السياسي، في علاقة بالانتخابات التشريعيّة المعلنة، أو في إعداد «الدائرة الأولى» لماسكي القرار وأصحاب «الحلّ والربط» في حال «شغور» أعلى منصب في البلاد.
علينا أن نميّز في جلاء بين «تمخّض» الجنرال توفيق فولد «زلزالا»، أوّله هذه «إقالة الذات» أوّلا، في مقابل التأثيرات القائمة والقادمة، على المشهد السياسي في الجزائر.
من المستحيل النظر أو اعتبار توفيق مجرّد «جنرال» غادر مكتبه ليتقاعد، أسوة بغيره من مئات الآلاف من المتقاعدين من «السلك الحكومي»، سواء المدني أو العسكري، بل (هو) عاش على «عرشه» أسطورة أشبه إلى «الخرافة»، وغادر منصبه وقد احتفظ [أو احتفظ له الناس] بنفس «العرش»، بل «الأسطورة» ذاتها، إن لم يكن أكثر [في خيال الناس]، حين تحرّر الرجل [بفعل التقاعد] من أيّ «ضابط» رسمي…
«سعداني تكلّم، وتوفيق تحرّك»، هكذا يمكن أو من الأكيد أن يكون تعليق طيف هامّ من الجزائريين، خاصّة، وأنّ وجود توفيق على «عرشه» (لسنوات طويلة) جعل منه «فاعلا» [من الدرجة الأولى] في متغيّرات المشهد السياسي [أيّ وراثة بوتفليقة]، وكذلك [وهذا الأهمّ] أزاحت المغادرة «سدّا» كان يمنع «مرور» (أو بالأحرى تمرير) «مخططات سياسيّة»…
إقالة سعداني لذاته، أعادت خلط الأوراق، وغطت الأفق (السياسي) الجزائري بضباب شديد الكثافة، أساسه سؤال في غاية الخطورة: هل وجب أن نعتبر «توفيق» في «موقع التقاعد»، ومن ثمّة تكون استقالة سعداني «حدثا عاديّا»، أم أنّ «الرجل» فتح عينيه (أو أعاد فتحها) على المشهد السياسي، ليعيد خلط الأوراق وبعثرة قطع الشطرنج على رقعة لن تبقى على حالها…
«إقالة سعداني لذاته» أكبر من الرجل ذاته، وأعمق من «أمين عام» غادر المشهد، هو [أيّ سعداني] يمثّل الرأس (البارز) ضمن المشهد المرئي لما يمكن أن نسمّيه (ذلك) «الجسد المعادي» للجنرال توفيق، ممّا يدفع لطرح السؤال التالي: ما هي تأثيرات هذه «المغادرة» (المريرة)، على كامل هذا «الجسد» غير المرئي (للبعض)، لكنه معلوم لدى من يحسن قراءة أبجديات اللغة السياسيّة في الجزائر…
يغلب الجانب الغامض وغير المعلوم ودون قدرة الأضواء على كشفه، على «المعلوم» من الأمر، لذلك يكون «اللعب» السياسي» (وسيكون ويبقى) ضمن «الغموض» ومن خلاله، سواء على مستوى «تفسير» هذه «الإقالة»، وكذلك (وهذا الأهمّ) الرسائل «مضمونة الوصول» التي مثلتها هذه «الإقالة» (للذات)، مع التأكيد أنّ «المرسل» لا حاجة لتحديد «المرسل إليه» (أو إليهم)، كما لا حاجة إلى «ساعي بريد» لإيصال هذه «الرسالة»…
يمكن الجزم أنّ «حجم الغموض» ضمن «المشهد الجزائري» منذ انطلاق الثورة المجيدة، وعلى مدى دولة الاستقلال، مثّل ثابتًا، لا يمكن تخيّل هذه الحياة دونه: منذ أيّام يذهب سعداني حدّ تخوين (الجنرال «توفيق») وها هو يبلع «شجاعته» ويلعق «كلامه» ويغادر المشهد من الباب الخلفي. سعداني مثل ضمن هذا المشهد (الدرامي) دور «المفعول به» الغائب، في حين جاء توفيق في دور «الفاعل» الذي لم يشاهده أحد.
ضمن هذه المعادلة، يمكن الجزم أنّ المنحى (العام) لهذا «التسلسل» (المنطقي) لن يقف عند هذا الحدّ، بل من المترقب أن تأتي التبعات شديدة الأهميّة، سواء تعلّق الأمر بالسيطرة على مفاصل جبهة التحرير، ومن ثمّة الاعداد للانتخابات التشريعيّة القادمة، أو بناء على ذلك مجمل «المستقبل السياسي»…
لا أحد يدري في الجزائر، أو يمكنه الجزم بمفهوم اليقين (المعرفي) بخصوص «تأثيرات» هذه الإقالة في القريب العاجل أو المتوسط، لأنّ (وهنا أهميّة المشهد الجزائري)، ما نشهده ونشاهده، يكمن في أثر «الفعل» وليس وضوح «الفاعل»، لأنّ «فعل الإقالة» جاء على لسان سعداني ذاته، دون أن ندري من باب اليقين عن الأسباب التي نصحت أو دفعت أو حتّى أجبرت على ذلك.
«حلاوة الفرجة» (في بعدها الجزائري) أنّ «اللاعب الذي غادر الملعب» (أيّ الجنرال توفيق بفعل التقاعد) عاد (أو أعاده المشاهدون) ليس فقط إلى نفس «المركز»، بل صار أقرب إلى «الشبح» (فعلا)، ممّا يدفع (عدد غير هيّن) إلى «الحلم» أن حلاوة المشهد ستستمرّ…
قالها الراحل هواري بومدين عن البلاد في حينه: أنّ الجزائر «أرض المعجزات»، لنكتشف (حقّا وحقيقة) أنّها «أرض البركات»، في بلد «الزوايا والطرق» ذات النفوذ السياسي الفاعل، ليكون السؤال (دون فذلكة): لماذا لا يعلن «الجنرال توفيق» طريقته [أيّ «الطريقة التوفيقيّة]، طالما «البركات» قائمة لا لبس فيها ولا جدل حولها (بدليل تغييب سعداني)؟؟؟
30 تعليقات
تعقيبات: Cartier Love Bracelet
تعقيبات: sunglasses oakley sale
تعقيبات: cartier love ring replica
تعقيبات: canada goose outlet
تعقيبات: cheap mulberry handbags