حين نضع «الأخلاق»، «الثورة» وكلّ الأبعاد «العاطفيّة» وكذلك «الوجدانيّة» جانبًا، ونُعمل العقل (السياسي) في أبعاده «الباردة» وحتّى «الماكيافيليّة»، نجد، يقينًا، أنّ محاكمة الأستاذ عبد الرؤوف العيّادي يوم 17 ديسمبر (بالذات)، لا تتعدّى كونها «حركة غباء» صريحة معلنة، بل علامة مرض من هذه «الدولة العميقة»التي تبيّن بالكاشف وبما لا يدع مجالا للشكّ أنّها لم تغادر (على الأقل البعض منها) منطقة الهوس المرضي والرغبة الدفينة في الانتقام، ومن ثمّة عاجزة كلّ العجز (وهذا الكلام موجه للجهات الاقليميّة والمراجع الدوليّة) عن إنجاز أيّ صورة كانت من هذه «الدولة الحديثة»، القادرة (بالمواصفات التي وضعتها الدول الاقليميّة والمرجعيات الدوليّة) أن تمثّل في الآن ذاته «منطقة لقاء» (ومن ثمّة «استقرار»)، بين عمق شعبي يجد (صورة) «الثورة»، أو على الأقلّ الحدّ الأدنى من المتنفّس على طريقة «مبارك» (في مصر)، أيّ «أنا أفعل ما أشاء وأنت قل ما تريد»، من جهة، في مقابل بارونات الثروة والفساد في الداخل، الذين يواصلون السير على نمط الاستقرار (أي الاستغلال) التقليدي، دون أن ننسى (وهذا الأهمّ) مصالح الأطراف الاقليميّة والجهات الدوليّة، ذات المصالح المباشرة والعلاقة الوطيدة بما يجدّ في تونس ويجري فيها من تغيّرات…
وجب أن نعترف (من باب التشخيص وليس الاتهام) أن «عزّ الدين جنيّح» مجرم بوجوده ومركزه ومقامه وفعله زمن بورقيبة ومن بعده بن علي؛ ليس فقط مجرم بما (قد) يثبته القضاء من أفعال (وفق ما هو تعريف القضاء للفعل المادي الملزم قانونيّا)، بل يتحمّل الرجل ولا يزال، ويتحمّل أمام الشعب والتاريخ وأخلاقه (إن كان يملك أخلاقًا أصلا) المسؤولية عن كلّ لحظة وجود في منظومة الإرهاب (الرسمي) والتعذيب (المقنّن حينها) والبطش بالأفراد وعوائلهم.
الرجل مسؤول ويتحمّل مسؤوليّة كبرى عن كلّ لحظة وجود في منظومة بورقيبة ومن بعده بن علي، ومن ثمّة لا يمكن سوى للمريض النفساني أو المخبول أو المجنون أو المعتوه، أن يرى الرجل أشبه بعذراء (حقّا وحقيقة) ليلة زفافها…
البعض (من «الدولة العميقة» وأزلام النظام السابق) من المرضى العقليين والحاملين لعقد الماضي والساعين لتجاوز هذه العقد على حساب التاريخ (النازف دون توقّف) والأخلاق (المريضة) والضمير (في حال وجوده)، بصدد دفع البلاد (المتوترة أصلا) والعباد (على أعصابهم) ليس فقط إلى مراجعة «الماضي» الذي شهد (ما يمكن أن نسميه) «ثورة» (لايت أي خفيفة)، بل (وهنا المصيبة) للبحث في أولويّة العود إلى العنف (الثوري) طبعًا، ما دام عزّ الدين جنيّح لا يزال «يتنفّس»…
هذا ليس تهديدًا، وحرّ من أراد أن يقرأه كذلك، هذه عجلة التاريخ من كوبا وثورتها، إلى شاه إيران المقبور ونظامه البائد، في الحالتين (كما في تونس ربّما في المستقبل)، رأى «الثوّار» أن نصب المشانق أنفع وأبقى لهذه «الثورة» مادامت «الدولة العميقة» غبيّة وعاجزة عن قراءة التاريخ وأخذ العبر منه، بل (وهنا الأخطر) تمكّن هذه «الدولة العميقة» أزلامها (كما حال عزّ الدين جنيّح) من المفاخرة بما يعتبرونه «منجزاتهم»، من تعذيب الرجال واغتصاب النساء وقتل الأبرياء وهتك الأعراض واستباحة المحرّمات…
مصيبة تونس، منذ 17 ديسمبر مرورا بتاريخ 14 جانفي وكلّ المحطات التاريخيّة الهامّة والأكيدة إلى يوم الناس هذا، أنّها لا تزال دون اكتمال ثورة ودون بناء دولة، حالة أشبه بما هو «الغرب الأمريكي» (في أفلام الوسترن)، حين يعمد كلّ طرف إلى أخذ حقّه بالقوّة (قوّة السلاح، وسطوة المال، وجبروت الاعلام)، في حين تبقى الدولة آخر من يحضر (على أرض المعركة) وآخر من يقرّر (بعد أن يحسم «أمراء الحرب» أمرهم)…
حكاية الشكوى التي رفعها «المجرم» (هذا توصيف وليس قذفًا) «عزّ الدين جنيّح» أقرب إلى «المسلسلات التركيّة» (في نسخة راح فيها الخيال أبعد ممّا نتخيّل)، «عاهر» في أحطّ مأخور في بلاد لا قانون فيها، ترفع قضيّة بعد سنوات طويلة قضتها «في الميدان»، تبحث من خلالها عن «عذريّة» تراوح (في رواية أخرى تراود) بها «مستقبلا» (ما)…
الحكاية (وهي حكاية فعلا) قادرة على إضحاك البعض، وأن تكون محلّ نقاش وتندّر على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أن يجعلها «المجرم» عزّ الدين جنيح موضوع شكوى، يكون الأمر تجاوز المعقول والمقبول وما تقبله مصلحة البلاد ومستقبل العباد فيها، إلاّ إذا كان في البلاد ومن العباد، من يريد إشعال النار (قصدًا وعمدًا وعن سابق إصرار وترصّد) أو أنّ «المجرم» عزّ الدين جنيّح أفلت من عقال العقل (في حدّه الأدنى)، أو أصبح خارج منظومة «المافيا العميقة» (حقّا)….
نصيحة إلى (الفاعلين في) «الدولة العميقة» أو من يحسن فكّ الخطّ وفهم الكتابة والتفكير في حدّه الأدنى – لأنّ بن علي كان يستدعي من هم دون القدرة على الفهم:
وجودكم في أماكنكم لا يعود إلى ذكائكم الخارق أو قدرتكم العجيبة أو إلى طاقاتكم المتميّزة، بل إلى أمرين فقط وحصرًا:
أوّلا: تدجين النخب من قبل الغرب وأتباعه وأذنابه وعملائه وسماسرته في الداخل كما في الخارج.
ثانيا: قرار اقليمي وغربي بجعلكم جزءًا من «معادلة الحكم» وطرفًا في منظومة «تسيير البلاد». (قد يأتي ما يخالف ذلك)…
لذلك، كما تحدّث «كبير البلاد» عمّن «أكبر منه»، تعلمون أنّكم مجرّد بيادق فوق رقعة شطرنج غيركم، لذلك نصيحة بالمجان، امسكوا «المسعور» (فعلا وحقّا) «عزّ الدين جنيّح»، لأن بفعله هذا فتح «باب جهنّم»، فقد بدأت تتهاطل عليه الشكاوى التي ستطال بعضًا منكم، وهذا «البعض منكم» استطاع بمباركة الشيخين (سبحان الله وبحمده)، أن يستعيد «عذريته»، فلا تجعلوا «الكلاب» (كلابكم في الماضي) تفسد هذه العذريّة (أقصد نقاءكم «الثوري»).
فقط وحصرًا، من حقّ (سي) عزّ الدين جنيّح أن يكون «شاهدًا على العصر»، ويصحّح المعلومات، بأنّ يقول مثلا، أنّ فلانا جلس على قارورة من الانتاج المحلّي (بقرار «وطني» من بن علي الذي كان يشجع «الماركات» المحليّة على حساب الأمريّكية)…
أللهمّ قد بلّغت…
بلى …. أشهد انّك بلّغت ولكنّهم في واد آخر
و اشهد انك بلغت .
لكن هؤلاء من تخاطبهم مافيوزيون بامتياز الدماغ الذي في رؤوسهم لا يشتغل الا في القذارة و التعفن او رصاصة في الرأس يطلقها على نفسه او احد ما لا يهم
مقال رااااائع جدا للصديق نصرالدين بن حديد
و انا اقراء هذه الأسطر تتالت الأحداث امام ذاكرتي و تذكرت بيتين من الحكمة
أولهما “على نفسها جنت براقش” و ثانيهما “الا الحماقة أعيت من يداويها ”
في كلتا الحالتين يستنتج القاريء ان للاستاذ عبدالرؤوف العيادي فضل و له اسهم كثيرة في الثورة في انطلاقتها و في فترة التاسيس التي مرت بها و يبدو انهم اختاروا ان يكون له الفضل في اعادة تحيين مطالبها و اخراج منتسبيها من غفوتهم و تسامحهم و سباتهم الذي طال بهذا التحدي و هذا التاريخ الرمز الذي وضعوه لأنفسهم
شكرًا نصرالدين على هذا المقال الرائع
جادلتهم فأحسنت جدالهم
ألف شكر على الاهتمام والمطالعة والتعليق…. مرحبا ك
كلمات السر في مقالك صديقي نصرالدين:
– مرض الدولة العميقة
– تدجين الغرب للنخب
– الدولة العميقة جزء من رقعة الشطرنج
حتي ياتي ما يخالف ذلك، لانه بالفعل سياتي ما يخالف ذلك..
ألف شكر على الاهتمام والمطالعة والتعليق…. مرحبا ك