في الردّ على مقال عبد الحقّ الزمّوري: «قراءة في متن «ملتبس»: في التفاعل مع نص نصر الدين بن حديد»
شكرًا جزيلا للصديق عبد الحقّ الزمّوري عمّا تفضّل بتحبيره، بخصوص نصّ «من الغنّوشي إلى طارق رمضان: مزالق الشبهات ودلائل الاشتباه» [انقر هنا للحصول على المقال]، وأعتقد من باب الجزم أنّ عبد الحقّ ليس كاتبًا تقليديّا، بل هو ممّن ينقّب عن المعنى ومن ثمّة يرصّع اللفظ. لذلك تأتي خطورة ما ينطق به [بمعنى الأهميّة]، حيث وراء كلّ جملة قراءات، وتحت كلّ كلمة جملة من المرجعيات المتراكمة في وعيه بحكم السنين والكتب التي طالعها.
شخصيا، بقيت وأبقى وسأبقى على حياء بل هو القيد الذاتي، من تقديم رأي في «أسلوب كتابة» (الأخر) ليس من باب المجاملة والخوف أو هو الهروب والتفصّي، بل ليقين لديّ أنّ النصّ يُقبل بكامله أو يرفض في مجمله، ولأي قارئ (مهما كان المستوى) حريّة في «مجال النقد» تنطلق وتتأسّس من مطالعة/رفض أيّ نصّ، وتنتهي (ربّما) عند ابداء «الرأي» مهما كان، دون السقوط في دوّامة افتعال سلّم «كفاءة» أو هي مسطرة «بهاء»، لأنّ ذلك يعني إتّخاذ الذات مرجعًا، أوـ لا قدّر الله ـ اشتراط أن يكون النصّ [نصّ الأخر] على مقاس الذات [ذات القارئ]…. هذا الكلام موجه (كذلك) إلى الشاعر الصديق الخال عمّار الجماعي، لنتفادى (حسب رأيي المتواضع) الخلط بين «الذوق الذاتي» وبين ذلك النصّ «المتخيّل» كاملا/مكتملا. إلاّ إذا استثنيا النصّ القرآني، سواء من باب الإيمان به أو التسليم بجماليته.
كما أنّنا ضمن فضاء موجه لعامّة الناس من عموم القراء، فيكون من ترف الكتابة القول [والقول لك عبد الحقّ]: «فقد كان الأجدى»، حين أعيد وألحّ على «وحدة المقال» قبولا كان أو رفضا، وكذلك عدم جواز الأخذ بالمعايير العلميّة، حين نفترض صواب من يفرض على خطأ المفروض عليه.
ثانيا: (وهنا الخطورة بمعنى الالتباس):
ليس في نصّ «من الغنّوشي إلى طارق رمضان: مزالق الشبهات ودلائل الاشتباه» مقارنة، بل هو القياس من خلال نظريّة «المثال العكسي» لذلك من المعقول، بل المطلوب، وكدت أقول من شروط القياس، أن تكون «أداة القيس» أقصر ممّا نبغي قياسه.
كذلك في باب علوم الرياضيات يأتي تفنيد مقولة «مهما يكن» Quelque-soit خصوصًا في ما يعني «مجموعة لا متناهية» Ensemble infini، أو ما هو أخطر (بمعنى العجز) أن تكون المجموعة غير قابلة للضبط علميّا أو غير مسلّم بها بالضرورة، أسوة لما هو «فكر راشد الغنوشي» ومجمل مدونته وخطابه. يأتي التفنيد، ليس بتشريح دقائق هذه المدونّة، بل من خلال اثبات وجود النقيض من ذلك (علميّا) نفي «مهما يكن» يأتي من خلال «يوجد» المثال النقيض Il existe.
إضافة إلى هذا المرجع الرياضي، يستحيل بل هو العجز الابستيمولوجي (أي الفلسفي) عن مقارنة الرجلين، ليس لعلّة فيهما أو في أحدهما، وليس لفضل هذا عن ذاك، بل بكلّ بساطة لأنّهما لا يعتمدان «وحدة قياس» مشتركة، على مستوى (ما أسمّيه اصطلاحًا) «المنتوج المطلوب». لأنّ طارق رمضان مطلوب منه وننتظر منه ونترقّب نصوصًا ومحاضرات وما يتفرّع عنهما من نشاطات مكتوبة أو شفويّة، في حين أنّ راشد الغنّوشي ـ منذ اللحظة الأولى التي وضع فيها قدمه اليمنى (أزعم خيالا أنّها اليمن) ضمن مجال «الممارسة السياسيّة» ـ مطلوب منه ومطالب أن يفي بما هو «تجسيد للفكر السياسي في قالب المشروع الفعلي»، أيّ «التمكين» (وفق المعجم الاسلامي)، مع الإشارة بل هو التأكيد الذي لا يقبل النقض، بأنّ مجمل مدوّنة الغنوشي بكاملها، وإن جاءت (شبيهة على مستوى الشكل) بمدوّنة طارق رمضان، إلاّ أنّها تبقى «حلقة وسيطة» همّها لا يكمن (أساسيّا) في جماليتها او في بهاء الفكر (أيّ فكر الغنوشي)، بل هنا الخطورة (بمعنى الأهميّة القصوى) يكون الحكم على الغنوشي من زاويتين: الأولى مدى قدرته على تحويل «التنظير» إلى «ممارسة» وأيضًا مدى صدق «التجسيد» مع المعلن [وإن كان (ربّما) على نطاق ضيّق وفي مجال السريّة] من مشروع «التمكين» الذي من أجله قامت «الجماعة الاسلاميّة…
لذلك صديقي العزيز ورفيق دربي المحترم،
اسمح لي أن أقول لك ـ وأرجو أن يتّسع صدرك ـ بأنّك ترتكب خطأ معرفيا جللا، حين تُرجع تبرير «فعل الغنوشي» بما هو «وجوب فهم» كتابته. ربّما ومن الأكيد أن العلماء ومن يدرس فعل الغنوشي (فكرا وكتابة وممارسة) سينظر أو هم ينظرون إلى هذه الحلقات الثلاث، لكن يستحيل أن يغيّر ذو عقل موقفه من الفعل [الموقف السياسي] بناء على صفاء التنظير أو بهاء التفكير أو جمالية النصّ وسماحة التحبير.
خلاصة:
مطلوب من طارق رمضان معرفة أكاديميّة فاضت على المنابر الإعلاميّة وتداخلت مع الواقع السياسي/الاعلامي، في حين أنّ المطلوب من الغنوشي [إلى حين يعلن رسميّا اعتزاله السياسة] أن يمارس السياسة ويذهب بما هي «المصلحة» وفق ما هو التنظير، ليكون الموقف من «الممارسة» أوّلا وأساسًا، ولا يكون للتنظير سوى أداة لفهم ما يسمّى «أركيولوجيا» المعرفة. أي بحث العلماء (بعديّا) عمّا هي الأسس التي قامت عليها الممارسة…
عزيزي عبد الحقّ،
أنت تخلط بين التفسير الطبيعي والمطلوب بل الواجب الاطلاع عليه، وبين ما هي أولويات ضمن فكر الغنوشي، من «قداسة الفعل» السابق (في التقدير) لما هو الفكر، وإن كان الفكر سابقًا زمنيا. مختصر الحديث أنّنا نفهم الفعل بالفكر ربّما، لكن لا يمكن أن نبرّر الفعل بالفكر أو نزيل سوء فهم الأوّل بالثاني، لأنّ العامّة وحتّى طيف من الخاصّة، يهمّهم التأثير المباشر للممارسة السياسية (لأيّ سياسي) على مجالات الحياة، دون أن تثير كتاباته (التي قد تكون أروع ما يكون نصّا)…
ثانيا في أصول قياس أحدهما بالأخر.
رغم اختلاف الوظيفة والذات المنتجة، يبقى راشد الغنوشي كما طارق رمضان، رجلا «معرفة» بمعنى أنّ كلّ منهما يستند إلى المعرفة في ما يؤدّي من دور وما صدّر له ذاته من مهام. كلاهما نال من العلم ما يكفي، وكلاهما طالع خارج نطاق المعرفة الأكاديميّة ما تيسّر، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ كل منهما (وفق ما يملك من مجال فعل) يتحرّك بناء على مجمل المعارف أوّلا (شتّى أنواع المعارف)، ليملك هذا وذاك «آلة تفكير» تقرّر ما يجب قوله وكتابته (بالنسبة لطارق رمضان) وما يجب قوله وكتابته وممارسته (بالنسبة لراشد الغنوشي).
من ثمّة يشتركان في التناظر القائم بين «آلتي تفكير» ليكون انتاج كلّ منهما مختلف عن الأخر، والمقال (موضوع النقاش) عمد إلى قياس قدرة كلّ منهما على أمرين:
أوّلا: العلاقة المعرفيّة التي أقامها مع «الآخر» الغرب، من خلال تعريف الذات في تناظر/تضادّ مع هذا «الاخر»
ثانيا: آلية التصرّف في حالات الصدام القائمة أو التي تقوم بين الذات وهذا الأخر
ليكون هنا القياس، القائم على تشخيض «القاسم المشترك» (بنيويا) أي نمط العلاقة وطرائق التصرّف في حالات الصدام، ثمّ (وهنا الغاية من المقال) مدى صدقيّة كلّ منهما مع المشروع الذي سخّر له ذاته أو جماعته (بالنسبة للغنوشي)…
من ذلك، يمكن الجزم أنّ الحديث في كنهه وأصله وماهيته ومنبته و«سفر تكوينه» يكمن على مستوى الوعي/المفاهيم في علاقة بما هي «الزبدة المنتجة» من قبل كلّ منهما سواء لذاته الفرد (بالنسبة لطارق رمضان) أو الفرد والحركة (بالنسبة للغنوشي. دون أن ننسى ونغفل الدوائر الأوسع غير المتناهية، المكونّة من جملة الذين يرون لذواتهم تقاطعا أو قاسمًا مشتركا مع هذا أو ذاك أو الاثنين معًا…
نقطة ضعف الغنوشي (مع الاعتذار ممّن يرون في الأمر استنقاصا من الشخص) أنّه أنتج معرفة وبنى فكرًا وأسّس مدرسة، بقيت حبيسة النصوص ولم تغادر مستوى الحبر الذي سال أو هو التصق بالورق: أين العمق الفكري لحركة النهضة أو أيّ هي «نهضة» النهضة الفكريّة Renaissance، بما هم الرجال والنساء القادرين على انتاج المعرفة والتأسيس لثقافة ومن ثمّة بناء «مشروع»… إلاّ إذا اعتبرنا «مدونّة» الغنوشي بكاملها، خارطة طريق لذاته وشخصه حصرًا، لنكون هنا أمام مشروع فرد يكتب لمصلحته الذاتيّة، وليس مشروعًا سياسيا، جامعًا، مع التأكيد على البعد الإقطاعي ضمن المجال السياسي العربي خاصّة، بمعنى «قداسة القائد» المتراوح في مكانته بين «التأليه» حينًا وبعضا من «القداسة» الثابتة على فكرة «عصمة القائد». دليل ذلك أنّ لا أحد من النهضة تقدّم (إلى حين تحبير هذه الكلمات) بوجه مكشوف واسم معلوم ونص يجعله مشاركة من ذاته في هذا النقاش نيابة عن الحركة، سواء لأوامر «سامية» أو لخوف متأصل يمنع الذهاب أبعد من الحدود المرسومة…
وجود الغنوشي الفرد المفرد دون غيره القادر على انتاج المعرفة، في نفي (ربّما مقصود أو هو محصّل طبيعي) لغيره ممّن ينتجون الفكر (بمفهوم العدد والمراكمة) دليل ماديّ على «فشل الغنوشي» السياسي على مستوى الانتقال من دائرة الفكر إلى مرتبة المنتج الطبيعي والمفترض للمعرفة الجماعيّة، وكلّنا يعلم ويدري ونحن أمام اليقين غير القابل للدحض، أنّ جميع مشاريع النهضة الفكريّة والثقافيّة والاعلاميّة (منذ 14 جانفي إلى يوم الناس هذا) أتت إمّا فاشلة فشلا ذريعًا أو هي انطلقت فكرة ضخمة ليتولّد عن الجبل دودة، أو [وهنا الأخطر بالمعنى الأخلاقي/الإخواني] انقلبت إلى نقيض أو هو نفي ما كان من مشروع الجماعة الاسلاميّة وما كان من الاتجاه الإسلامي، أو ما هو قائم من مشروع النهضة المتداول على الأقل بين ظهرانيها…
صديقي عبد الحقّ
لا يجب أن ننظر إلى الغنوشي في صورة لاعب كرة القدم المبدع على مستوى الحركات البهلوانيّة [أيّ جماليّة النصوص كما تقول من خلال نصّك]، بل علينا ومن واجبنا ومن حقّها أن نتمتّع بهذه النصوص/الابداعيّة، لكن أن نسأله، أنا وإيّاك ومن هم من خارج النهضة عن كمّ «الأهداف المسجلّة» أي التجسيد الفعلي والفاعل على أرض الواقع. ومن داخل النهضة يكون «الحساب/المحاسبة»، حين يردّد الصغير قبل الكبير أنّ النهضة قائمة على نظام ديمقراطي يعتمد المؤسّسات. [هكذا يؤكّدون]…
علينا أن نجمع [أو هو يجمع أمامنا] جمالية الحركات البهلوانيّة [أيّ بهاء النصوص في بعدها الفكري] بما هي «الأهداف» في مرمى الخصم [أيّ تجسيد السياسة المعلنة في النصوص] ليكون اليقين لديّ [وهذا ما أراه بحكم تجربتي المتواضعة] أنّ العنّوشي يسجّل في مرماه لحساب منافسيه… ربّما (وأقول ربّما درءا للشبهة) أنّ التوافق يكمن في جعل المنافس ينتصر، وحين عجز الباجي لكبر سنه عن التسجيل، يتولّى الغنوشي التسجيل في شباك النهضة…
إضافة إلى سؤال أتوجه من خلالك إلى عموم النهضة، بسؤال عن سبب هذا «الهوس» بالمناطق الملغومة، بحثًا عن حلول يتقاطع عندها المطلوب [من الأخر] وكذلك المفروض [من الذات]، سواء الكتاب/الحوار أو نصّ نور الدين الختروشي الناطق بإسمهم؟؟؟؟
دمت صديقا، وترحيب خاص بمرورك، وترحيب وحفاوة أكبر (مسبّقا) بالردّ المترقّب من قبلك…