يمكن الجزم دون نقاش ودون أدنى شكّ أن النص الذي كتبه الباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية الأمين البوعزيزي، عن القراءة التي قدّمها رئيس حركة للنهضة راشد الغنّوشي وسوّغ بها «المصالحة الادارية»، [انقر هنا لمطالعة النصّ] [يمكن مطالعة النصّ في الأسفل] تأتي من أهم النصوص التي طرحت اشكاليات «الثورة» من منظور تجاوز هرج اللّغو وزحمة التأويل، وكذلك (وهذا الأهمّ) «دروشة» النقاشات العقيمة، سواء بين عامّة السياسيين أو عموم «المتثاقفين» (أيّ الذين يدّعون صفة «المثقّف» وينسبون أنفسهم إلى «النخبة»)، إلى طرح «إشكالية» المفاهيم، في بعدها المعرفي الأصيل وحتّى الأكاديمي التأصيلي، على اعتبارها (كما جاء ضمن نصّ الأمين البوعزيزي) «البعد الفاصل/الحاسم» على مستوى «اختلافات» قائمة بين الرجلين، مؤسِّسة (بكسر السين) لكامل منظومة الفكر لدى الغنوشي وما تبع وقام من منظومات ذات بعد سياسي مباشر (أيّ «الإخوان» عامّة وحركة «النهضة» خاصّة)، والمؤسَّسة (بفتح السين) على القناعات إن لم يكن الأبعاد الايمانيّة والمستويات العقائديّة، المتناقضة بالضرورة على الأقلّ في ما يخصّ موضوع الخلاف…
وجب التأكيد على أنّ «الأمين البوعزيزي» أو بالأحرى صورته، تأتي أقرب إلى «الثائر/الفيلسوف/المنظّر» أو هو «الراهب» المحارب بالقلم من أجل مبادئه. هذا القلم، الذي يتابعه بل يتأثّر به عدد غير محدود من القراء، يأتي (على مستوى كمّ الكتابات) أقسى على «اليسار» القائم في تونس وكذلك القوميين، من «الإسلاميين» الذي يتقاسم معهم «معاداة (نظام) بشّار» تقاسمًا مطلقًا، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ الأمين البوعزيزي لا يمكن حشره ضمن خانة «العداوة الأيديولوجية» للنهضة ومن يتبعها من «استئصال»، ليكون نقده قائمًا (ضمن مقال الحال) على «خلافات/اختلافات» على مستوى النظرة إلى «المفاهيم» أو هو «التناقض» عند قراءة «التراث الإسلامي».
كذلك تصدم درجة «العنف اللفظي» في مخاطبة رجل في «مقام» الغنّوشي حين يأتي الطعن في «النوايا» وليس نقد الفكر/الرأي/الممارسة، بأن قال الأمين البوعزيزي (ضمن نصّه) :«السيد راشد الغنوشي؛ إذا سمحت لنفسك بتزييف حقيقة ما يجري اليوم واعتباره تشفيا وانتقاما»، لأنّ «التزييف» يتطلّب (في أقلّه) «نيّة سيئة» تتحوّل (عند الممارسة) إلى «فعل مشين»، وبالتالي يكون الغنوشي (في رأي البوعزيزي) جمع «سوء النيّة» بما هو «مشين من الفعل»…
أخطر من هذا «الاتّهام» بل أعمق منه أنّ البوعزيزي يطرح علاقة «السياسة» (الآن وهنا) أيّ فعل راشد الغنوشي وقوله، بما هو «الإسلام» دينا وممارسة وسندًا ومن ثمّة مرجعيّة، يمكن استعمالها، ليس فقط من باب «التديّن»، بل (وهنا الخطورة) من خلال «الاسقاط» الباحث عن «الشرعيّة» التي يريدها من يمارسها (ليس الغنوشي وحده) أداة لجم للمعارضين وآلة حسم ولسان جزم، ليس فقط ينهي الجدل ويبطله، بل يفرز من خلاله (أيّ الإسقاط) من هو «مؤمن» (بالضرورة مصدّق للمقارنة) عمّن يرفضون ويطعنون…
معضلة تضع المعادلة «الإسلاميّة» بكاملها موضع الدرس، أو هي القراءة إن لم نقل السؤال: أيّ علاقة أو هي أيّ شرعيّة يمكن للغنّوشي أن يتّكل عليه عند «لجوئه» إلى «السنّة النبويّة الشريفة»، كما هو السؤال (ذاته) عن شرعيّة الباجي قائد السبسي عند تدثره بآيات قرآنيّة يزّين بها خطبه، أو عند نعت خصمه وغريمه «حمّه الهمّامي» من خلال «نصّ قرآني» بما هو «الفسق» الذي يأتي قرين «الكفر»؟؟؟ مع فارق كبير بين الرجلين: الباجي صنع لنفسه في أريحيّة كبيرة ورثها عن بورقيبة وبن علي، صورة متراوحة بين «ميراث الحداثة» (الغربيّة) مقابل «اسلام تونسي» يأتي أرقب إلى «الطقوس» من «العبادة»، جعل لها أو منها (أيّ الصورة) «قداسة» يحاكم بها الأخرين (النهضة نموذجًا)، في حال لا يزال الغنوشي وكذلك النهضة، في تخبط حقيقي على مستوى الفعل وتلعثم مفضوح على مستوى التعبير، بين ماض «متديّن» بل شديد التديّن، مرتبط (لدى «الدولة العميقة» في الداخل، كما المراجع الغربيّة) بما هو «الإرهاب»، وحاضر يريد نفي هذا «الماضي» بل يفعل المستحيل، أشبه بعجوز متصابية تدفع من المال ما أمكن مقابل محو ما تحمل من وشم على الجبين….
أخطر من العلاقة بما هو «الدين» داخل منظومة «الإسلام السياسي»، وأعمق من العلاقة بما هي «قداسة الماضي» (النصّ القرآني والسنّة الشريفة» مقارنة مع «مقاربة الحاضر»)، يطرح الأمين البوعزيزي أو هو يعبّر عنه من خلال «كمّ العنف» (اللفظي)، ذلك التوظيف لما هي «قداسة الماضي» لفائدة «أعداء الحاضر»، أيّ أنّ «الغنوشي» من خلال «المقارنة/التشريع» يعمل توسيع دائرة الانتماء إلى «الثورة» وإلى «الإسلام» (في بعده الثوري، أي فتح مكّة) إلى من لا ينتمون إلى «الثورة» ومن لا تنطبق عليهم أدنى شروط «الثورة الفتح» (فتح مكّة) من زاوية نظر البوعزيزي…
هي إذًا إشكاليّة هويّة «قاتلة» (بالضرورة) بين الرجلين: البوعزيزي يرى أنّ الغنوشي خرج من «الملّة» حين يريد إدخال «الأزلام» إلى «دائرة الانتماء» (الجامعة)، في حين يرى الغنوشي لنفسه ليس فقط الحقّ في توسيع الدائرة، بل أنّ التوسيع يستند إلى «سابقة» أقرّها «الشرع الإسلامي»، ليكون هؤلاء «الأزلام» ليس فقط أصحاب حقّ، أسوة بما هو البوعزيزي وما يمثّل، بل يمثلون جزءا مؤسّسا للهويّة السياسية القائمة/القادمة في تونس.
إشكاليات «الهويّة» (كعادتها) لا تعرف مواطن وسطى ولا يمكن (في الأمد القريب) أن تجد حلاّ (أو حلولا) من خلال تدوير الزوايا أو تربيع الدوائر، بمعنى تلك الحذلقة اللغويّة القادرة في مواطن أخرى (كما يفعل الغنوشي والباجي) على إرضاء أطراف متناقضة وجعل كلّ طالب يجد (في الخطاب ذاته) ما جاء يطلب.
نصّ الأمين البوعزيزي وصمت راشد الغنوشي، عبارة عن صعود جزء من جبل الثلج/النار من منطقة «غير المرئي» إلى مجال «الصراع المفتوح»، أيّ أنّ النصّ، سيكون أشبه بالإرهاصات الأولى لبوادر «حمّى» جديدة تصيب جسد النهضة، سينكرها الغنوشي وسيجيبها أهل النهضة بالتكذيب والعنف اللفظي، ليس من باب إنكار وجودها، بل (وهنا الخوف) من باب «الرعب» من تخيلها داخل حواشيهم القائمة على «صفاء العقيدة» المقرونة بما هي «قداسة المشروع»…
ننتظر لنرى…
_______________________________________________________
نصّ الأمين البوعزيزي:
راشد الغنوشي يعتبر أن وزراء بنعلي سيكونون أبرز حماة الثورة التونسية:
تساءل السيد راشد الغنوشي مستنكرا في تصريح للقدس برس:
«لماذا هذا الصراخ والعويل بأن الثورة قد انتهت لأنها مارست العفو ولم تمارس الانتقام والتشفي، مع أن ثورة النبي عليه الصلاة والسلام، وهي أعظم ثورة مارست أعلى صنوف العفو يوم فتح مكة، فلم تتم إحالة زعماء الجاهلية على السيوف، وإنما أحالتهم إلى العفو، ليتحولوا إلى قادة في الصف الإسلامي». وأضاف: «الطلقاء هم الذين نشروا الإسلام في الآفاق، وأوصلوه إلى مختلف أصقاع العالم»…..
السيد راشد الغنوشي؛ إذا سمحت لنفسك بتزييف حقيقة ما يجري اليوم واعتباره تشفيا وانتقاما والحال أنه مجرد تمسك بالقانون الموجود ولا يريدونه أن يسود. فإنه ليس مسموحا لك مطلقا بتزييف ماضي المسلمين وإسقاطه على الحاضر:
صحيح أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أعلن يوم فتح مكة عن أول عفو تشريعي عام في التاريخ قائلا «اذهبوا فأنتم الطلقاء» لكنك أخفيت معطى آخر هاما في حجم هذا العفو التشريعي؛ ألا وهو قرار عقاب ثلة مجرمة وإن تحصنوا بأستار الكعبة!!!
كما أن الطلقاء الذين استفادوا من العفو التشريعي العام لم يكونوا رموزا للإسلام كما تزعم وإنما كانوا رموزا وقادة لتاريخ إمبراطوري فتوحات وسيف وجزية وأسرى حرب وجواري وعبيد….. لماذا تلصق هذه الممارسات بالإسلام والحال أنها تاريخ بشري للمسلمين؛ أليس ربطه بالإسلام تشجيع للدواعش على إعادته بإسم نشر الإسلام كما تزعم؟؟؟؟
نعم بإمكان وزراء بنعلي قيادة وبناء الدولة التونسية؛ لكنها لن تكون دولة المواطنين الاجتماعية السيادية كما رسمتها حناجر 17 ديسمبر؛ وإنما ستكون دولة بوليسية لصوصية كما أيام السابع الفاشي العميل التابع!!!
مثلما كان طلقاء مكة أقرب إلى روح زمانهم من جوهر القرآن؛ كذا سيكون طلقاؤك النوفمبريون أقرب إلى زمن السابع الفاشي من زمن ديسمبر المواطني.
حل عنا يا شيخ يرحم بوك. عيب تدليس الحاضر والماضي!!!
.
– الأمين-