اعتمد نظام بورقيبة كما نظام بن علي، وعلى شاكلتهما النظام القائم، منظومة «الإشاعة» من باب «جسّ النبض» أو كذلك «التمهيد» لصدور قرار يخافه (هذا النظام)، لذلك لا تأتي (بل يستحيل أن تأتي) مسألة «حظر استيراد الملابس المستعملة»، مجرّد خيال في رأس أحدهم (خارج السلطة) أراد (كما يصف النظام عند الحاجة) «الصيد في المياه العكرة»…
تونس (البلاد والنظام والشعب)، تعيش في «مياه عكرة» (أصلا) وبالتالي تأتي «أيّ إشاعة» (على عكس ما يكون في البلدان المستقرّة) خطيرة جدّا، حين لا يقف أيّ فريق (داخل الحكم أو خارجه) أمام «حاجز أخلاقي» من أجل الوصول إلى مبتغاه…
وجب التأكيد على أنّ «حظر توريد الفريب» (أيّ الملابس المستعملة) لم يأت (وهنا الخطورة أو هي الانتهازيّة) من باب «إغلاق باب التوريد» تمهيدًا أو تشجيعًا لما هي «الصناعة الوطنيّة»، بل صارت السوق التونسيّة مفتوحة، ليتمّ تعويض الملابس المستعملة الموردة من البلدان الغربيّة بملابس أخرى قادمة من الصين أو غيرها من الدول المنتجة لملابس بأسعار زهيدة…
سواء تعلّق الأمر بتجارة «الفريب» أو قطاعات أخرى، وجب الاعتراف أنّنا أمام صراع مافيات للسيطرة على مفاصل الاقتصاد التونسي، بين لوبيات جهويّة أو قطاعيّة، أو حتّى مرتبطة بأحزاب ظاهرة وتنظيمات سياسيّة غامضة. نعيش المنطق ذاته الذي عاشته البلاد زمن بن علي، ما فارق «انفلات أكبر» أو هي حروب تحديد موازين القوى. فقط، صار اللعب على «المكشوف» أي بوجوه ظاهرة، ورغبة واضحة في تفعيل مفاصل الدولة، من أجل السيطرة على (هذه) الدولة بغية «احتلال الاقتصاد» (بالمفهوم العسكري)…
التناقض بدأ يكبر بل يصل إلى حدّ الانفصال أو هو الانفصام، بين «الظاهر الديمقراطي» وما نراه جليّا من «حكم المافيات»… من الأكيد أنّ دولة يرتدي مواطنوها «الفريب» لا يمكن أن تكون دولة «مستقلّة» (بالكامل) وكذلك لا يمكن لاقتصادها أن يكون «محترمًا»، حين الأصل (الافتراضي) أن يرتدي المواطن ملابس جديدة، مصنوعة داخل حدود الدولة، أو حدود كيان اقتصادي متماسك (قد) تنتمي إليه هذه الدولة.
أنصاف الحقائق أخطر من الكذب، وهي من أساليب المافيا القائمة من أجل الترويج لهذا الرأي أو ذاك، أو الاعداد لهذا القرار أو ذاك. كرامة الموطن، تكون أكثر احترامًا حين يأكل ممّا يزرع ويلبس ممّا ينسج، لكن هذه «الكرامة» لن تصبح أفضل حين يتمّ استبدال الملابس المستعملة (المستوردة)، بأخرى جديدة (مستوردة)…
طالب سنة أولى اقتصاد في تونس، يجزم منذ الدرس الأوّل، بتراجع القدرة الشرائيّة لقطاعات متزايدة من العائلات والمواطنين، ومن ثمّة أمام غلاء الأسعار وتراجع المداخيل، سيرتفع (بالتأكيد) حجم العائلات التي ستتجه إلى تجّار الملابس المستعملة بحثًا عن «عمّا يستر»، وكذلك وهذا (المقلق) يمكن الجزم من مجرّد الملاحظة العابرة أن تجارة الفريب (صارت) تجذب قطاعات واسعة في تونس، التي تجد فيها «الوسيلة الوحيدة» لتأمين الملابس.
«كامل عائلتي تلبس من الفريب، فقط ملابس العيد للأطفال، أقتنيها من دكاكين الملابس الجاهزة»، هكذا قالت مرّة امرأة من عامّة الشعب، أو ممّا يحمل صفة «الطبقة الوسطى»، التي تمثّل صمّام الأمان والسدّ المنيع (افتراضيا) أمام أيّ اهتزازات اجتماعيّة…
التكذيب الذي جاء على لسان «مسؤول رسمي» بعدم وجود النية لمنع توريد الفريب، عاجز (كلّ العجز) عن تطمين العمق الشعبي، الذي يحمل بين طياته «شكّا متزايدًا» في هذه الحكومة كما في أفعالها وأقوالها. من ثمّة يمكن الجزم أنّنا أمام حبّة «سبحة» تكرّ منذ 14 جانفي، تاريخ «تهريب» بن علي، وتمرير «مسرحيّة» نزع الرأس في صورة «التخلّص من النظام»…
تعيش تونس حربًا مفتوحة، بل هي حروب علنيّة، بين شقوق النداء أوّلا، وبين الفاعلين في المشهد السياسي ثانيا، دون أن ننسى ثالثًا اللوبيات (أو هي المافيات) التي صارت تموّل الأحزاب جهرًا دون مواربة.
يكفي لمراقب ضرائب أن يطرح سؤال: «من أين لك هذا» لنجد الجميع أو يكان من الطبقة السياسيّة «تبحث» لدى النيابة العامّة ومن ثمّة المرور أمام القضاء. أخطر من وجود المافيات التي تتحارب من أجل بسط النفوذ على الاقتصاد ومقدرات البلاد، أن يصير هذا الأمر «مقبولا» بل من «قواعد التعامل السياسي» (الطبيعي)…
اليوم يريدون غلق باب الملابس المستعملة، لباس «الزوالي» (أي المعدمين)، سيراودون (غدا) قطاع الكهرباء للذهاب به إلى «منطق السوق» أو هو «منطق المافيات» عديمة الوعي ليس بما هي «المسألة الوطنيّة»، بل (وهنا الخطر) بأبسط قواعد السلامة الاجتماعيّة. بالملخص، نحن أمام مافيا أشبه بالثعلب الغبي الذي يريد «التهام الدجاجة التي تبيض ذهبًا»…
هي حرب «مراودة» أو هي «مخاتلة» كما يفعل الصيّاد الذي ينصب فخاخه هنا وهناك. تأكد تراجع الدولة ونفيها مسألة (هذا) «المنع»، لكن من الذي يملك القدرة على كشف الفخاخ الأخرى، المنصوبة في حكمة واقتدار.
عندما نرى زعيمة رجال الأعمال، أيّ وداد بوشماوي، قد تخلت عمّا تملك من «قطاعات منتجة» واتجهت إلى «قطاع الخدمات» نفهم أنّ «ربّة الدار» للطبل ضاربة وفي الآن ذاته تمارس أشدّ أنواع الرقص ابتذالا. لذلك لا نستغرب حين نرى غدا (باكرًا) مسعى هذا أو ذاك لفرض ضريبة على «تنفّس» الهواء، كما لا نستغرب حين يثور من سمّتهم اللغة الفرنسيّة Les sans-culottes (أي من لا يرتدون ملابس داخليّة، بمعنى عري الجزء الأسفل)، حين عجزوا عن اقتناء ما تروّج تجارة الملابس المستوردة التي تديرها وداد بوشماوي…
… ماذا عساه ان يفعل شعب مُسالم …آثر الاسلوب الاكثر حضارة و سلمية … اثر اهتزاز “عرش” نظام فاسد لا يصلح و لا يُصلح … فاستامن على “ثورته” “رجالا” كان يعدّهم من “الاخيار” فخانوه و تواطؤوا مع الفاسدين ؟ … الاّ ان يُوقد “نار هامان” تحت مؤخراتهم … الانفجار يتطلّب درجة حرارة قصوى … هي في طور الارتفاع … بما تمارسة عصابات النهب و لوبيات الخراب من استفزاز و من تضييق على الناس في لقمة عيشهم …