كما لم تغفر القيادات الإيرانيّة (حينها) «جريمة» المقبور أنور السادات حين استقبل على أرض مصر المقبور شاه إيران، لن تغفر القيادة الإيرانيّة (الحاليّة) للنظام المصري الحالي حضور نائب رئيس البرلمان المصري، مؤتمر جماعة «مجاهدي خلق» في العاصمة الفرنسيّة باريس، أين نادى (الأمير السعودي) «تركي الفيصل» الرئيس السابق للمخابرات السعوديّة، ليس فقط بإسقاط النظام الإيراني، بل تمنّى ذلك في ما يشبه «الدعاء»…
ردّ حينها النظام الإيراني بمعاداة من أشهر العداوة، من باب «الولاء للأمريكان»، فكيف ستردّ القيادة الإيرانيّة (الحاليّة) على «إعلان الحرب» (هذا)؟؟؟
من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ سقوط نظام حسنى مبارك، لم يضع طهران أمام معادلة «أخيار» يعادون «الأشرار»، بل جاءت «الثورة المصريّة» أقرب إلى قوس قزح، كان على النظام الإيراني أن يتعامل معها في حذر (شديد) أوّلا وثانيا السعي في جهد شديد وسرعة أكبر، سواء للتأثير في (هذه) «المعادلة» (المتشابكة) أو الاستفادة (قبل الأخرين) من «ثمار» (هذا) الانقلاب…
وقوف «نظام الإخوان» (مرسي ومن معه) جهرًا ودون مواربة، بل في فخر شديد وتحدّ أكبر، ضدّ نظام دمشق، بل التبنّي الكامل لما يسمّى «الثورة السوريّة» قطع «شعرة معاوية» بين القاهرة وطهران، علما وأنّ القيادة الإيرانيّة، مارست «الإغراء» (في أقصى درجاته) أمام محمّد مرسي حين زار طهران، بأنّ فتحت أمامه خزائنها وأساسًا مخازن سلاحها…
القطيعة «الإيمانيّة» على خلفيّة الموقف ممّا يجري في سورية، بين القاهرة وطهران، جعل القيادة الإيرانيّة، تتجاوز «الدعاء»، بل تعمل (بمعيّة الطيف الذي اجتمع) من أجل اسقاط «نظام الإخوان»، ممّا جعل انقلاب «30 يوليو» يبدو في صورة «الثورة» ضدّ «أعداء إيران» (على الأقلّ)…
مارست طهران الإغراء ذاته تجاه نظام السيسي، وأظهرت الودّ، بل النيّة على «تطوير العلاقة»، بناء على «العداوة المشتركة» للإخوان، إلاّ أنّ اهتمامات السيسي أوّلا، وثانيا أولوياته، كانت دون أن يحوّل (هذه) «العداوة» (المشتركة)، أو ينتقل بها، من «النوايا القائمة» إلى «الحلف الصلب» أو على الأقلّ «التعاون المشترك»…
من الجزم القول، أنّ موقف السيسي ونظامه من النظام السوري، جاء «أفضل» من سابقه، سواء على مستوى «الخطاب» (المعلن) أو العلاقة السياسيّة مع دمشق، إلاّ الممارسة (مرّة أخرى) لم ترتق إلى ما تأمله طهران….
نظام السيسي، ضمن سعيه للشرعيّة، ومسعاه للبحث عن الاستقرار في بلد مضطرب ومنطقة مهتزّة، لا يمكنه أن يجعل من «معاداة الإخوان» رأسماله الوحيد، أمام نظام سعودي يعادي طهران أوّلا، ويحدّد عطاءه على أساسه العداء مع هذا النظام، وثانيا (وهذا الأهمّ) صداقة مع الولايات المتحدة، لم تنزع، ولن تنزع (قبل وقت طويل جدّا) طهران من «قائمة الأعداء»….
تأتي عين النظام المصري على ما يريد من «استقرار» تدعمه دولارات الخليج أوّلا ومباركة الولايات المتحدة، أساسها العلاقة (المطلوبة) مع الصهاينة، ومن ثمّة لم ترتق ولن ترتقي العلاقات مع إيران من «فاصل» وجب تفعيله من أجل الارتقاء بالعلاقات مع «الثالوث» (الولايات المتحدة، دول الخليج، الكيان الصهيوني) سياسة وأمنًا ومالا، إلى مستوى يضمن للقاهرة ما تحتاجه من استقرار…
قرأت طهران كلمات تركي الفيصل في صورة «اعلان الحرب والمجاهرة بالعداوة» وقرأت وجود الرجل الثاني في السلطة التشريعيّة المصريّة، في صورة «ورقة طلاق» (على النمط المصري)، ليكون السؤال عن الردّ الذي سيتخذه النظام الإيراني؟؟؟
من الأكيد وما يقبل الجدل، أنّ طهران تجاوزت أو هي قطعت مع «حالات الغضب» التي كانت تمارسها زمن الخميني، وصارت بالتالي أقرب إلى «كظم الغيظ»، حين كسبت تجربة (ممتازة) في «فنّ» امتصاص الصدمات، لتحاول «الاستفادة» من «جبهة الصدام» بين القاهرة ومنظومة الإخوان، سواء على مستوى «تليين» الموقف (أيّ موقف الإخوان) ممّا يجري في سورية، أو (ربّما) قلب المعادلات، من «عداوة» (صريحة) إلى «صداقة» (عميقة)….
من الأكيد أنّ إيران التي تتقن الحفاظ على «شعرات» معاوية مع الجميع، ستسعى لإعادة حبال الوصل مع «الإخوان» سواء في فلسطين، أو تركية أو حتّى تونس والمغرب والأردن، من باب حاجة هذا «التنظيم» وهذا «الفكر» وهذه «التجارب» إلى الخروج من «الحصار» في غزّة، وكذلك حالات التخبّط في تركية أساسًا…
إيران ستسعى لتفعيل «التقارب» مع «الإخوان» (المحاصرين)، نتائج ملموسة على مستوى «الواقع السوري»، أيّ استغلال حاجة هذا «التنظيم» إلى فكّ الحصار والحاجة إلى التنفّس، حين يأتي اليقين بقدرة القيادات الإخوانيّة (الرائعة) على «انتهاز» الفرص، دون الحاجة إلى إضاعة الوقت…
هي معادلة أشمل من جميع النواحي:
أوّلا: نظام السيسي، المتشبّث بالهواء (أيّ الوعود السعوديّة والدعم الأمريكي والمباركة الصهيونيّة) من أجل البقاء على «عرش» مصر
ثانيا: إيران التي أقنعت العدوّ قبل الصديق أنّ صبرها (على عكس أغنية أمّ كلثوم) «لا حدود له»، وأنّها تحسن بل تتقن فنّ «التريّث» ومن ثمّة انتظار الفرصة واقتناصها في الوقت المناسب
ثالثا: أنظمة الخليج (السعوديّة أساسًا ومن ورائها الإمارات) التي تحمل عداوة «مزاج» وكذلك «وجود» مع النظام الإيراني
رابعًا: الولايات المتحدة التي ترى أنّ الصراع مع إيران (رغم الاتفاق النووي المتعثّر)، شامل ولا يمكن (بل يستحيل) أن يتمّ تفكيكه (من قبل غيرها) إلى «ملفّات» مقبولة وأخرى مرفوضة…
خامسًا: الصهاينة، الذين يرون في مصر «قيمة» وفي إيران «طاقة»، ومن ثمّة يرفضون رفضا (وجوديا) أن تلتقي القيمة بالطاقة…
سادسًا: تركية اليتيمة دون تحالفات أو هي (على الأقل) صداقات، ستعيد حساباتها، بعد أن أحرقت سفنها أمام دمشق ولم يحم الأمريكان ظهرها…
من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ السياسة (بمعنى التفاعل والفعل وردّ الفعل) تستوجب وقتًا أو فترة «إمهال»، ليكون السؤال عن «الأسرع» في تعديل الأوتار، ليغنّي (ربّما) أغنية «الستّ»: يا ظالمني….